الجمعة 2015/06/12

آخر تحديث: 12:04 (بيروت)

رجل الملابسات الغامضة (الأخيرة): على سرير النهاية

الجمعة 2015/06/12
رجل الملابسات الغامضة (الأخيرة): على سرير النهاية
سحبت مسدسها وأطلقت النار صوب (كمال)، الذي أصيب في رأسه، ومات على الفور.
increase حجم الخط decrease

سلسلة "رجل الملابسات الغامضة"، ترتكز على سرد متخيل، يحاكي روايات الجيب المصرية واللبنانية، من ناحية الأسلوب والشكل والشخصيات، خصوصاً بطلها (كمال أدهم)... هنا الحلقة السابعة والأخيرة، علماً أن الإطلاع على الحلقات كافة متاح بالنقر هنا.

رسم: ترايسي شهوان.

تحذير: يرجى الإستماع إلى الموسيقى المرافقة
.

لا أعلم كيف أموت، لكنني، حين كانت (إيناس) تتوسلني، عرفت أنني بدأت بالإقتراب من نهايتي. فظيع أن يتضرع أحدهم لك، وفظيع هو استمتاعك بفعل التقرب إليك. ففي موقف شبيه بما أن عليه الآن، تفكر في رمي السلاح جانباً، وفي التحدث مع الشخص، الذي يتلمس الرأفة منك، لا سيما لما يكون حبيبةً قديمة، أو أي شيء هذا القبيل. تتكلم معه، تخبره عن كرهك للعطف، وفي الوقت نفسه، عن نزوعك إلى الإنتقام، وتخبره عن وصول القصة إلى هذه الحال بدونكما، وتخبره عن تأرجحك بين الإستيلاء على الخاتمة وتركها تستولي عليك. "الحق في النهاية"، هذا ما تريده، بلا أن تُمارسه كإشفاق أو حنو على الأحد، "الحق في النهاية"، التي لا تحضر فيها، بل بعدها.

رمى (كمال) البندقية على الأرض، لم يتقدم نحو (إيناس)، وقف في مكانه، نظر إليها، وظل على صمته. من ناحيتها، لم تتوقف عن النحيب، وعن مطالبة البطل بقتلها بدل قتل والدها وأصحابه. لم يرد عليها، حدق إليها، ولا ملمح قرار على وجهه، حتى أنه لم يتذكر ما الذي جمعه بها، ولا ما أبعده عنها، الأمر الوحيد، الذي خطر على باله، هو السؤال عما يدفعها إلى التخلص منه ثم استعمال عبارة "حبيبي" عند مناداته، هل السبب هو اعتيادها على هذا الوصف في دعوته؟ ضحك (كمال) من هذه المفارقة، وخفف ضحكته بابتسامة، ليرخي شفتيه من جديد كأن شيئاً لم يكن.

عليَّ أن أقول جُملةً، تأتي قوية وحادة، تنتقم لي، ولا تقضي على (إيناس) أمامي. عليَّ أن أقول جُملةً بمثابة مفصل في قصتنا، تلائم وقوفي هنا، وتناسب انسحابي، كبطل سابق، من القصر بعد قليل. فكرت، ولم أقع على الجملة، قلت أنني سأستبدلها بحركة من يدي. مثلاً، أشير لـ"إيناس" بإصبعي كي تسير نحو المقيدين، ثم، أشير لها أن تنظر في وجوههم، وفي حين قيامها بهذا الفعل، أتراجع من خلفها، فأتركها وشأنها. هكذا، استبدل القتل بالحركة، واستبدل الرصاصة بيدي، ولأن (إيناس) في لحظة تهديد مني، سيبدو أن النظر، الذي أطلبه منها، هو عقاب لها، إعدام لما كانته في تصرفها معي. أن تعاقب أحد ما عبر النظر، فهذا أمر حميد، قد يدفع بالمُعاقَب إلى الشعور بما اقترفه. المهم، بعد ذلك، ألا تستحوذ العين عليه، لكن، هذا ليس من شأنك.

بيده، أشار (كمال) إلى (إيناس)، طالباً منها التحديق في وجوه الذين قيدهم. ببطء شديد، اقتربت منهم، وراحت تنظر في ملامحهم الساكتة على اضطرابها. عندها، بدا البطل من ورائها مسروراً بفعله، كأنه وجد حلاً لمشكلته، التي لاحقها من وقت مطاردة جرحه إلى وقت استيقاظه في أرضٍ خالية. لقد حصل الإنتقام ولم يحصل، لقد حقق (كمال) نهايته ولم يحققها كأنه بطل. ولما نظرت (إيناس) إلى المقيدين، كان قد انصرف، وسار نحو بوابة القصر.

أن تختفي متأخراً أفضل من ألا تختفي أبداً. بما إني حفظت سرور نهايتي، بمقدوري أن أترك (إيناس) تحملق في وجه أبيها، وفي وجوه أصحابه، فأذهب إلى النوم بعد أن أطفئ اللابتوب. كأنني أودع نفسي على عجلة من صورتي، التي لا تزال تنزف من بطني، بلا أن توسخ ملابسي. أريد أن أختفي على سرير نهايتي ولا أظهر من جديد.

ضحكت (إيناس) من حماقة البطل. إذ أقنعته بتوسلها، وطلب العطف منه. فجأةً، سحبت المسدس، الذي كانت تخفيه تحت ثوبها، منتظرةً الفرصة المناسبة كي تستعمله.

سحبت مسدسها وأطلقت النار صوب (كمال)، الذي أصيب في رأسه، ومات على الفور.

كان لا بد له من الإنتقام، لكن، جثته تشي بالعكس: مات مسروراً.

قُتل (كمال أدهم)، رجل الملابسات الغامضة، وبطل الملابس النظيفة. شكراً لكل مَن ساهم في قصته:
(ترايسي شهوان)، (جاد طالب)، (سعيد)، (الحراس)، (السيد ف)، (ليندا)، (سارة)، (الشيف)، (سيارة التويوتا)، (الذئب الأسود)، و(الجميع).

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها