الأربعاء 2015/11/04

آخر تحديث: 13:25 (بيروت)

السجن صدفة الحرية في أسبوع الكوميكس المصري

الأربعاء 2015/11/04
increase حجم الخط decrease
إن المثل المكرور "رب صدفة خير من ألف ميعاد"، يخيم على ليل القاهرة ويخرج لها لسانه،  فلم يدر في بال ادارة "أسبوع الكوميكس المصري" أن شعار "الرسم حرية" الذين وضعوه لطبعته الثانية، والتي انطلقت في القاهرة مساء الاثنين 2 تشرين الثاني/نوفمبر، حتمي لدرجة أن يكون الروائي أحمد ناجي، أحد المتحدثين الرئيسيين في افتتاحه، بعد أيام قليلة من مثوله أمام محكمة الجنايات المصرية في قضية تتعلق بحرية التعبير، ولا أن تكون مجلة "السمندل" اللبنانية، والتي استأثرت بقدر يسير من إشارات المتحدثين حول التجارب الرائدة لفن الكوميكس عربيًا، مدانة هي الأخرى بالتهمة نفسها  وتبحث عمن يدعمها في حربها ضد الطغمة الدينية.

يقول الناشر محمد البعلي، منظم الفعالية، إن اختيارهم لشعار "الرسم حرية" جاء باعتبار أن أحدهما لا يستطيع العيش من دون الآخر، لكن السلطات المصرية تعمل على تضييق تلك الحرية في مجالات الحياة كلها، وليس فقط في المجال السياسي. لذا فإن الدفاع عنها يجب أن يبدأ من الثقافة. ويضيف: هي ليست صدفة أن يتواجد معنا اليوم الروائي أحمد ناجي والذي حولته النيابة، إلى محكمة الجنايات معتبرة روايته "استخدام الحياة"(*) خادشة لحياء المجتمع، فقد تم التحضير للأسبوع منذ شهور، لكن الصدفة - وربما لم نعد في حاجة لاعتبارها صدفة في ظل ديمومة تجعل كل الأحداث عادية - أن يتحدث ناجي في إطلاق فعالية ثقافية شعارها "حرية" وهو متهم بجناية التعبير عن خياله.

وعلى غير المتوقع، لم يتضمن حديث ناجي أو زميله المتحدث الآخر جوناثان جاير (باحث ومدوّن أميركي مقيم في القاهرة)، أي إشارات حول الحدث الطارئ، ربما لأن الحديث عن الكوميكس نفسه يُغني، أو بحسب عبارة استخدمها "جاير": "كل الكوميكس سياسة".

وتشهد  الدورة الثانية من "أسبوع الكوميكس في مصر" هذا العام مشاركات من سويسرا، إنكلترا، وألمانيا، والولايات المتحدة بالإضافة إلى مشاركات واسعة من جانب الفنانين المصريين، وتستمر فعالياته لمدة خمسة أيام (من 2 إلى 7 نوفبمر)، وتشمل معارض وندوات وورش عمل وطاولة نقاش في القاهرة والصعيد.

وارتكزت ورقة ناجي، الذي تمزج روايته "استخدام الحياة" بين السرد والرسم الهزلي، حول الكوميكس وصناعة النشر، فيما قدم جاير بحثًا حول نشأة الكوميكس العربي، ورأى أن الموجة الجديدة من فن الكوميكس لا تنفرد بها مصر، بل تشترك معها تونس والجزائر والمغرب ولبنان.

ويشير جاير إلى خطأ بعض الآراء القائلة بأن الكوميكس ازدهر في مصر عقب ثورة يناير، في حين أن ذلك الفن المصري يعود تحديدًا إلى العام 1930، عندما صدرت أول مجلة متخصصة في الكاريكاتير تحت عنوان "الفكاهة"، مشيرًا إلى  أن الفن العربي المعاصر له طابع آخر غير السائد عالميًا، والذي اهتم بقصص الخوارق. وكانت بداية الأمر في الثمانينات في بيروت، حيث برزت الرسوم التي ظهرت في ذلك الوقت مرتبطة بمفردات الحياة اليومية، فجاءت أعمال الفنانين ترجمة لخبراتهم حول ما جرى في الحرب اللبنانية. ولعل جاد خوري، بحسب بحث جاير، هو رائد ومؤسس ذلك الاتجاه، وقد تأثر به كثيرون، ما أنتج عنه لاحقًا مشروع مهم آخر هو مجلة "السمندل" المتخصصة في الكوميكس.

وربما تتشابه قضيتا مجلة "السمندل" وناجي، في كون الاثنين اتهما من قبل الدولة التي دعمت بشكل ما نشر موادهما (جريدة "أخبار الأدب" التي نشرت فصلًا من رواية "استخدام الحياة" تابعة لصحيفة قومية هي مؤسسة أخبار اليوم)، واتُهمت السمندل بتُهم عديدة هي: التحريض على الفتن الطائفية، وازدراء الأديان، ونشر أخبار كاذبة، والتشهير والقدح والذم، وغرمتها المحكمة 20 ألف دولار أميركي، لاحتواء كتابها السابع، والذي طبع بدعم من الدولة اللبنانية نفسها، على صورتين رأت فيهما بعض القيادات المسيحية إساءة للدين.

وغير بعيد عن التضييق الأمني، استعرض أحمد ناجي في ورقته، تاريخ صناعة مجلات الكوميكس في مصر منذ انطلاقتها في الثلاثينات، مشيرًا إلى انزوائها بفعل تغيرات الحرب العالمية نهاية الأربعينات والتي أدت إلى تحجيم مصر لحرية إصدار المطبوعات الصحافية وبخاصة الكاريكاتورية، ثم عودتها مرة أخرى في أوائل الخمسينات ولكن بتوجهات محافظة مع ظهور مجلة "سندباد"، ثم "سمير" التي بدت أكثر تحررًا منها. ويرى صاحب مدونة "وسع خيالك" أن عرقلة لمسيرة هذا الفن جرت مع دخول دول خليجية كبرى في الصناعة، عبر مجلات مثل "باسم" و"ماجد" والتي جذبت معظم فناني الكوميكس نظرًا للرواتب المالية الضخمة التي رصدتها لهم، لكن التوجهات الأيديولوجية التي فرضتها تلك المجلات ابتعدت بهم كثيرًا عن إيقاع التجارب الفنية الضخمة، ما حال دون استمرارها وأدى إلى انزواء تأثيرها وانسحابها، لتفسح المجال لتجارب مستقلة أخرى.

ويشير ناجي إلى أن مشروع جاد خوري كشف عن صعود نموذج جديد لفنان الكوميكس وهو الفنان الناشر، والذي يعتمد بشكل كبير على دعم منظمات مدنية متعددة، لكن هذا النموذج خلق سوق إنتاج غير حقيقية، أدت إلى مغالاة العديد من الفنانين في الأجور التي يطلبونها.

كذلك يرى ناجي أن غياب السوق الحقيقية هو السبب في تخبط فن الكوميكس العربي وعدم تبلوره كمشروع واضح، فحتى الدور المستقلة والتي يمكن التعويل عليها في مساندته، تعاني من غياب مفهوم ثقافة نشر ذلك الفن، والذي ينعكس في رغبتها لنشر "الغرافك نوفيل" كاملة، وهو العمل الذي قد يستغرق سنوات لإنتاجه، أما في الغرب، فيمكن للدار أن تصدر الرواية مقطعة على هيئة سلسلة. وفي الوقت نفسه، لا تعتمد الدور المصرية على فريق الكوميكس كاملاً وتكتفي فقط بالرسام والكاتب، أو الرسام والمترجم. 


(*) حوّلت النيابة المصرية كلاً من الروائي أحمد ناجي، ورئيس تحرير جريدة "أخبار الأدب" طارق الطاهر، إلى محكمة الجنايات، بعد نشر الجريدة فصلًا من رواية الأول "استخدام الحياة"، ووجهت لهما النيابة اتهامات باستخدام ألفاظ خادشة للحياء وإيحاءات جنسية. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها