الأحد 2015/11/01

آخر تحديث: 14:53 (بيروت)

نيابة القاهرة: اقتلوا أحمد ناجي أو اطرحوه أرضًا

الأحد 2015/11/01
increase حجم الخط decrease
(1)

يبدو أن الأمر لا يتعدى محاولة من روائي فاشل، ربما لم تتح له أية فرصة أخرى غير تلك للإفصاح عن نفسه، فأمسك بالقلم، بعد أن تأمل كل تصوراته عن الأدب والكتابة، تلك التي يعلقها كنفائس مؤطرة في مكان خاص على حائط إدراكه، ثم كتب بكل ما ظن أنه هبة الله التي لم يمنحها أحدًا غيره: "إن المتهم(*) نشر مادة كتابية نفث فيها شهوة فانية ولذة زائلة، وأجر عقله وقلمه لتوجه خبيث حمل انتهاكًا لحرمة الآداب العامة وحسن الأخلاق والإغراء بالعهر خروجًا على عاطفة الحياء"(من كلام النيابة المصرية).

بيد أن ذلك ليس كافيًا بالنسبة إليه، إن هذين السطرين غير ثريين بالمرة ليظهرا كم البلاغة التي انضوى عليها عقله تلك السنين كلها، فأضاف، بعدما قام وطاف حول مكتبيه دورتين كاملتين وثالثة وقف في منتصفها، ثم قال: "إن المتهم خرج عن المثل العامة المصطلح عليها، فولدت سِفاحًا مشاهد صورت اجتماع الجنسين جهرة، وما لبث أن ينشر سموم قلمه برواية أو مقال حتى وقعت تحت أيدي القاصي قبل الداني والقاصر والبالغ، فأضحى كالذباب لا يرى إلا القاذورات فيسلط عليها الأضواء والكاميرات حتى عمت الفوضى وانتشرت النار في الهشيم"، ثم جلس واستراح قبل أن يملي كاتبه "حول يابني ع الجنايات!".

لم يدرك هذا الروائي، ربما لحداثة عهده بالكتابة، ضرورة التأني في مراجعة النص قبل نشره، إلا بعدما وقع على أمر الإحالة إلى محكمة الجنايات، فالتوقيع مثل النشر، لم يعد النص ملكًا له بعد الآن، فطن بعد توقيعه للإحالة إلى رغبته في تقريظ نصه ببعض الألفاظ القرآنية، ربما تناص مع الكتاب المقدس كان سيكسبه بلاغة أقوى، كاد ليكتب: "اقتلوا أحمد ناجي أو اطرحوه أرضًا"، وعندما تبادر إلى ذهنه سياق الآية المتبقي، أدرك أنها لا تناسب عريضة الإحالة، وإنما تصلح خاتمة جيدة لفصل سيكته في مرافعة النيابة في المحكمة، فأطربه ذلك وأشعره طمأنينة أراحت مجلسة قبل أن يلتفت لينظر قضية أخرى.

(2)

رغم أنه ليس شابًا، وبالطبع مرت أمامه آلاف القضايا قبل تلك، لم يكن راوينا يدبج أمور الإحالات بتلك الطاقة الكتابية، لكن هذه المرة أتت الفرصة التي لا يمكن تجاوزها، الآن الآن وليس غدًا.

ربما باغته حلم الكتابة آنفًا، لكن إيهاب ذلك الفن الراسخ حال دون تحقيقه، بيد أن ما أقدم عليه الروائي المصري أحمد ناجي، بتضمين نصه لتلك الألفاظ الجنسية، وهذا الكلام عن المخدرات، كل ذلك تهديد صريح لقدس الأدب في معقل إدراكه العقلي، وبالرغم من أنها الكتابة الأولى إلا أنه كان موقنا تمامًا لغايته، فقتل ناجي أو طرحه أرضًا ليس مبلغ ما يريد، وإنما تنزيه الأدب عن تلك الشوائب هو الأهم، فأدمغ قرار إحالته بأن ناجي جاء بكل تلك الموبقات في مقال وليس نصًا روائيًا، فمن ناحية هو ينزه مقدسه من الدنس، ومن أخرى يقفل الباب على أي مسخوط من شياطين الأدب الذين سينادون بحرية الإبداع، هذا مقال –يقول لهم في النص- هذا كلام كتبه ناجي مباشرة إلى القارئ ولا يحمل تأويلًا، وهكذا يا مساخيط نحن نتكلم عن تهديد مباشر لأخلاقيات المجتمع لا محل فيه لنزق الفن أو غيره.

(3)

على مبعدة من الروائي الأول، سالف الذكر، يجلس روائي آخر، ربما يضحك اندهاشًا لكل ما جرى وسيجري له.

منذ عام أو يزيد، قام شخص يدعى هاني صالح، بتقديم بلاغ إلى النيابة يتهم فيه كلًا من الروائي والصحافي المصري أحمد ناجي وجريدة تحرير أخبار الأدب، بتهمة نشر مواد مخلة بالآداب تخدش الحياء العام، وذلك لاحتواء العدد (1097) من الجريدة، والصادر في أغسطس 2014، فصلًا من رواية ناجي "استخدام الحياة"، والتي كانت قيد الصدور وقتها،  ويحتوي على ألفاظ تتعلق بالأعضاء الجنسية، بالإضافة إلى شرح سردي لتجهيز نبتة الحشيش قبل تدخينها. ثارت ضجة وقتها، لكنها سرعان ما خفتت، بعدما لفت ياسر رزق، رئيس مجلس إدارة مؤسسة "أخبار اليوم"، نظر العاملين في الجريدة وحول بعضهم للتحقيق، وبعد نحو 14 شهرًا من ذلك الحادث، وبعدما نشرت الرواية كاملة، ثم وصلت إلى أيدي كثير من القراء بالتأكيد، ونالها من النقد الأدبي ما نالها إيجابًا وسلبًا، خرجت نيابة بولاق لتحرك القضية من جديد، فتحيلها إلى محكمة الجنايات، بتهمة ما قالت-وأشرنا إليه آنفًا في حديث الروائي الأول- أنه  انتهاك لحرمة الآداب العامة، فما الذي حدث بين تلك الشهور الأربعة عشر؟

صدر الفصل في جريدة قومية صحيح، وهي مجازفة خطيرة في مجتمع تمر عليه مثل تلك القضايا كظاهرة اختلاف الليل والنهار، لكن أمي الخمسينية لا تشتري "أخبار الأدب"، ولا يشتريها أبي كذلك، وأخي الذي يبلغ من العمر 17 عامًا لا يفقه اسمها من الأساس وبالتالي لا يعرف المادة التي تقدمها، فالجريدة متخصصة في شؤون الأدب ويقبل على قراءتها بعض المهتمين به وحدهم، لذا فإنها وإن كانت جريدة تابعة لمؤسسة صحفية قومية، فهي في الوقت نفسه جريدة متخصصة، ما يعني أن البلاغ ليس سببه أي شيء آخر غير الترصد لها، فلو كان الأمر يتعلق بالآداب العامة حقًا لطال البلاغ الرواية التي صدرت، أو لتم منعها، أو لكان الأستاذ هاني قال في دعوته إن الذي أذى شعوره هو نص إبداعي من تأليف أحمد ناجي، لكنه أكد أن المنشور مقال وليس خيالا أدبيا.

هناك شخص ما يترصد أخبار "الأدب"، لكن ذلك ربما يكون ضارة نافعة، فالقضية التي توجه اتهامها لمقال كتبه أحمد ناجي، الذي هو في الأصل فصل من روايته، ستضع عدة أطراف في محل النزاع، منهم مؤسسة "أخبار اليوم" وجريدة "أخبار الأدب" ونقابة الصحافيين والمجلس الأعلى للصحافة ووزارة الثقافة واتحاد الكتاب والمبدعين أنفسهم، ما يوسع من نطاق التصدي لها.

في النهاية تبدو إحالة كاتب للجنايات أمرًا خطيرًا، وللأسف قد تتعقد القضية أكثر من ذلك، وربما يقع نص آخر فريسة للأنياب نفسها غدًا، لكن انشغالنا بالتضامن والدفاع عن موقف ناجي وغيره من النصوص، لا يجب أبدًا أن ينسينا حقيقة ما حدث للروائي الأول، فلقد فتحت القضية الطريق أمام قلمه الركيك لكتابة روايته الأولى، وربما رواياته التي سيتحفنا بها في الفترة المقبلة.


(*)أحالت نيابة وسط القاهرة رئيس تحرير جريدة "أخبار الأدب"، طارق الطاهر، والصحافي أحمد ناجي، إلى محكمة الجنايات، بعد نشر رئيس تحرير الجريدة فصلاً من رواية "استخدام الحياة" لأحمد ناجي في الجريدة. ووجهت النيابة لهما اتهامات باستخدام ألفاظ خادشة للحياء وإيحاءات جنسية. واتهم الطاهر "بالإخلال بواجباته المهنية في الإشراف على الإصدار، ونشر مقال جنسي بهدف زيادة التوزيع"...

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها