الأحد 2017/04/16

آخر تحديث: 12:44 (بيروت)

تقرير الحالة الدينية في مصر: القمع، القلق، الدولة، الهوية

الأحد 2017/04/16
تقرير الحالة الدينية في مصر: القمع، القلق، الدولة، الهوية
رئيس مؤسسة "دال" لـ"المدن": بلغ العنف ارمزي درجة غير مسبوقة بين العامين 2010 و2014
increase حجم الخط decrease
بمشاركة 150 باحثاً وكاتباً ورجل دين، أصدرت مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" في المغرب،  تقرير الحالة الدينية في مصر في سبعة مجلدات، بالتعاون مع مركز "دال" في القاهرة، والذي يغطي فترة أربع سنوات (2010-2014)، عكف الباحثون خلالها على رصد أهم المتغيرات التي طاولت أنماط التدين ومؤسساته في مصر، عبر تداخلاتها السياسية والأنثربولوجية، ودراسة الظاهرة في شموليتها، من دون الإقتصار على الجانب التعبدي والعقائدي الشعائري. فالفترة التي خضعت لها الدراسة، شديدة التعقيد والحساسية، إذ وظف الدين وحشد رأسماله الرمزي في العمل السياسي. واعتمد التقرير، التحليل العلمي والمنهج الوصفي، لكشف مسارات التطور في الخطاب الديني وتفاعلاته في البنى المجتمعية والسياسية والتغيرات التي لحقت بالتوجهات الدينية لدى الجماهير.

وهنا حوار لـ"المدن" مع رئيس مؤسسة "دال"، سامح اسماعيل.

- في رأيك، كيف أعاد "الربيع العربي" في القاهرة، صياغة علاقة المواطنين وتعاطيهم مع الخطاب الديني، سواء صدر عن المؤسسة الدينية الرسمية أو قوى الإسلام السياسي؟

* لا يمكن القول أن الربيع العربي أعاد صياغة علاقة المواطنين في تعاطيهم مع الخطاب الديني، هو فقط ساعد في استدعاء واستنطاق خطابات متعددة كانت كامنة تحت السطح، فالسيولة التي ظهرت بها هذه الخطابات - منها الأصولي الحاد، ومنها المراوغ- أحدثت نوعاً من الارتباك وربما الحيرة في المجال العام. أما رجل الشارع البسيط، فقد حددت احتياجاته الاقتصادية، توجهاته منذ اللحظة الأولى للحدث. بالطبع لا يمكن التعميم، إنما حدَثَ مثلاً نوع من الاختراق الحاد لبنية التمثلات الذهنية للتدين الشعبي، لصالح تيارات الإسلام السياسي؛ تحت وطأة الحاجة والعوز الاقتصادي، حيث أتْبَعت هذه التيارات تحركاتها بتقديم الخدمات، في ظل تراجع دور الدولة، وعدم قدرتها على القيام بهذا الدور، خصوصاً مع اعتمادها على اقتصاديات السوق...

يمكن القول إنه أعيد تحديد المسافات البينية في المجال العام، في ما يتصل بعلاقة المواطن بالظاهرة الدينية وما يمثلها من جماعات ومؤسسات.

إلى أي حد رصد التقرير وجود فئات من الشباب بعد الثورة المصرية، كانت تتحرى عملاً سياسياً خارج نطاق الدعاية الدينية وتأثيراتها، وتتمرد عليه؟ وما عوامل ذلك؟

* بالطبع عملت في الميدان تيارات من اليسار ومجموعات ليبرالية/علمانية على الساحة، حاولت الدفع منذ اللحظة الأولى في اتجاه الدولة المدنية، لكنها افتقرت للآليات، والتنظيم، والنضج المتعلق بمشروعها، في ظل اضطراب المفاهيم لديها وضعف الخبرة السياسية، بالاضافة الى عدم وجود ظهير شعبي لهذه الحركات، مع الخلافات الداخلية ومحاولات إظهار الذات. كل هذا يمكن رؤيته بوضوح إذا ما قارناه بمدى التماسك داخل بنية الجماعات والتيارات الدينية، والتي اعتمدت خطاباً شعبوياً اتسم بالوحدة العضوية والاتساق بين الآليات الأيديولوجية، وتحرك أفراد الجماعات على الأرض، وهو اتساق سرعان ما فقد توازنه عقب السقوط في فخ إدارة الدولة... في كل الأحوال، حاول التقرير تتبع ورصد وتحليل عمل تلك التيارات، في سياق حالة الصراع السياسي والاستقطاب الحاد التي أعقبت ثورة يناير.

ما تحليلك، في ضوء التقرير، للهتافات التي ترددت داخل الكنيسة المصرية، خلال فترة الحكم العسكري في مصر، ضد رموز المجلس العسكري، وهو أمر، رغم أنه ضد سياسات الكنيسة المعلنة، لكنه طرح تمرداً واضحاً من بعض "رعاياها" وداخل جدرانها؟

* يمكن رصد تغير نوعي، واكب ثورة يناير بالنسبة للأقباط، فالكنيسة أريد لها أن تمارس سلطاتها الروحية والاجتماعية بالاضافة إلى التوجيه السياسي للأقباط، في مقابل دعمها الدولة والنظام الحاكم، وهو ما دفع البابا شنودة إلى معارضة إنخراط الأقباط في ثورة يناير. لكن المثير هو حجم المشاركة من قبل الشباب القبطي في أحداث الثورة، وما أعقبها من توابع بلغت ذروتها في أكتوبر 2011 إبان مذبحة ماسبيرو، مع قيام كيان قبطى شاب، هو إتحاد شباب ماسبيرو، ككيان موازٍ لسلطة الكنيسة، انفجر الوضع في لحظة الهتاف بسقوط حكم العسكر داخل جدران الكنيسة في وجود الأركان وقائد الشرطة العسكرية. كانت القيادة البابوية في محنة مربكة بين سلطة اعتادت التماهي معها، يمثلها الحلف الإسلامي/العسكري، وشعب قبطي اعتاد الانصياع وبات يسير خارج نطاق القطيع، وهو ما يفسر ظهور البابا تواضروس الثاني في مشهد 3 يوليو 2013، في محاولة لضبط المعادلة من جديد.

ما هي أبرز آليات المؤسسة الدينية في مصر لإضفاء الشرعية على سياسات وتوجهات الدولة وفي مواجهة خصومها؟ 

* خلال العقود الثلاثة التي شغل فيها حسني مبارك كرسي الرئاسة، تعاقب على منصب مشيخة الأزهر، ثلاثةُ مشايخ، ووصلت العلاقة بين الأزهر والسلطة السياسية إلى أشد درجات التقارب في تولي محمد سيد طنطاوي لمشيخة الأزهر، إذ تورط في الكثير من المواقف التي ظهر فيها مؤيداً لنظام مبارك تأييداً مطلقاً.
وعندما قامت ثورة يناير، بعد أشهر قليلة من تولّي الدكتور أحمد الطيب، مشيخة الأزهر، ونادت بإسقاط نظامٍ كان الأزهرُ نفسه جزءاً منه وعنصراً من عناصر شرعيته، لم يكن مستغرباً أن يعلن أحمد الطيب انحيازه لنظام مبارك، بدعوته الشبابَ المتظاهرين إلى ترك الميادين والعودة إلى منازلهم. وكذلك اتخذ مفتي الجمهورية الدكتور علي جمعة، من ثورة يناير، موقفًا مماثلاً لموقف الدكتور الطيب، فدعا المتظاهرين في الثاني من فبراير إلى العودة إلى بيوتهم؛ حسماً للفتنة. غير أن نفراً من أبناء الأزهر وشيوخه شاركوا في الثورة منذ أيامها الأولى مشاركة جادة. وعلى كل حال، حاول الأزهر في المرحلة الانتقالية التي جاءت بعد الثورة، التوفيق بين التيارات المتصارعة، الأمر الذي تمخض عنه إصدار ما عُرف بـ"وثيقة الأزهر الأولى"، ويمكن القول: إن المؤسسة الأزهرية الرسمية كان لها دور ملحوظ في إطاحة الرئيس محمد مرسي، وهيَّأت غطاءً شرعيًّا لإزاحته من المشهد السياسي؛ مبررة ذلك بضرورة حسم الفتنة وإنقاذ البلاد من خطر الانقسام، وإن اتخذت جبهة علماء الأزهر مساراً مخالفًا للمسار الذي انتهجته مشيخة الأزهر، سواء من حيث التوجه الديني والفكري أو من حيث الموقف السياسي.
وبالتالي مثلت الجبهة صوتاً أزهريّاً معارضًا لمشيخة الأزهر سواء في تصريحاتها ومواقفها المناوئة لشيخ الأزهر أو المعادية للنظام الحاكم نفسه.

- هل عمدت الدولة إلى تأميم سلطة الكنيسة والأزهر كمؤسسات دينية ومصادرتها بحيث تصبح في مواقع الدفاع والتبرير والتأييد للسلطة ومنحها الشرعية؟

* يتضح أن المؤسسات الدينية الرسمية هي مؤسسات دولتية بامتياز، فمنذ ثورة يوليو 1952 حرص النظام على تأميم واحتواء المجال الديني بتكريس تبعية الأزهر والكنيسة، ويمكن أن نلاحظ أنه في مرحلة التوتر بين الكنيسة والدولة اتخذ نظام السادات إجراءات حادة تمثلت في عزل رأس الكنيسة، تأكيداً على تبعية المؤسسة للدولة، من جهة أخرى ظل الأزهر يمارس أدواره التي رسمت له في عهد مبارك، ومُنحت الكنيسة تفويضاً ضمنياً في ممارسة سلطتها على الأقباط في مقابل تأييد الدولة. نجحت ثورة يناير في خلخة تلك الحالة إلى حد كبير. ففشلت سلطة الكنيسة في احتواء الأقباط ومنعهم من الثورة، في حين حاول الأزهر التورية على دوره المتواطىء مع نظام مبارك، في مواجهة الاخوان، ونجح في الصمود، قبل أن تستعيد الدولة في مشهد 3 يوليو سيطرتها على المجال الديني بوجود البابا وشيخ الأزهر إبان عزل الرئيس مرسي عقب أحداث 30 يونيو.

حظي التقرير بنماذج من الأقليات الدينية، سواء البهائية أو الشيعة وطائفة البهرة.. ما الذي يعكسه وجود هذه الطوائف من الناحية الحقوقية والقانونية وإهدار حقوقهم وتلك الفجوة بين ما يقره التشريع والواقع وتناقضاته؟

* استخدم التقرير مصطلح "المهمشون دينيًّا"، ويعني أولئك المنتمين إلى طوائف دينية غير معترف بها من الدولة والمجتمع على حد سواء، ويعاني أصحابها صعوبات اجتماعية تتمثل في عدم القدرة على ممارسة شعائرهم وطقوسهم بحرية، وهم في أغلب الأحوال يفضلون اخفاء هوياتهم الدينية؛ هرباً من الملاحقات الأمنية أو التنكيل والإقصاء المجتمعي.
يأتي الشيعة على رأس هذه الطوائف، حيث يواجهون كثيراً من العوائق أهمها: عدم وجود مراجع شيعية أو وكلاء لهم في مصر، وصعوبة التعارف بين الموالين، والاضطهاد الأمني، وعدم وجود تنظيم وقلة الكوادر العلمية، والتشويه الإعلامي، والربط بينهم وبين إيران، وافتقارهم إلى المؤسسات الدينية، مع ندرة الموارد المادية التي يحتاجها العمل الشيعي. وتجلت المأساة في 23 يونيو 2013 حينما جرت وقائع أسوأ جريمة قتل طائفي سني/شيعي في تاريخ مصر الحديث؛ في إحدى قرى محافظة الجيزة (جنوب القاهرة) فقُتل أربعة من الشيعة، من بينهم الشيخ حسن شحاتة وشقيقاه، كما تم سحلهم والتمثيل بهم على أيدي مجموعة من الأهالي الغاضبين.
الأمر نفسه ينطبق على الأحمدية في مصر، فهم لا يملكون بيوتاً للصلاة، ويتحركون داخل مصر في إطار من الخفاء والسرية. وعقب ثورة يناير، حاولت الجماعة التقاط أنفاسها، واقتناص الاعتراف بوجودها، لكنها تعرضت لضربات أمنية قاسمة. على العكس من ذلك، هناك فصيل شيعي يحظى بالعديد من الامتيازات، ألا وهو البهرة؛ إذ تعاملت معهم النظم المتعاقبة بطريقة خاصة، وسمحت لهم بممارسة طقوسهم في أكبر المساجد الأثرية في القاهرة بعيداً من ملاحقة أمن الدولة بل وفي حماية الشرطة، وهو ما مكّنهم من فرض نفوذهم على العديد من المساجد التاريخية، أمثال الأقمر واللؤلؤة والأنور والجيوشي، والحاكم بأمر الله الذي يعتقدون بخروج المهدي المنتظر من تحت أحد أبياره.
في المقابل، تواصلت معاناة القرآنيين الذين شاركوا في ثورة يناير، وارتفعت أصواتهم مطالبين بإطلاق الحرية لهم في ممارسة شعائرهم، وأعلنوا رفضهم لتوجهات التيار السلفي والإخوان المسلمين، لكن سقف مطالبهم انخفض بعد تولي محمد مرسي رئاسة البلاد، وتواروا كغيرهم من طوائف المهمشين.

متى ترصد إختراق المكون الديني الأصولي والسلفية في بنية الثقافة المصرية وتأثيره فيها؟

* في بدايات الحقبة الليبرالية، وبعد صدور دستور 1923 بسنوات قليلة، عاشت مصر في أجواء معارك فكرية وثقافية بين أنصار الفكر الديني المحافظ والمبدعين والمفكرين. وفي أعقاب ثورة 25 يناير، شهد الواقع الثقافي والإعلامي حراكًا على مستويات متعددة، فمن ناحية انتشرت ظواهر إبداعية جديدة تعبّر عن الحالة الثورية، ومن ناحية أخرى أطلقت إدارة المرحلة الانتقالية القوى التي تنتمي لتيارات الإسلام السياسي خاصة التيارات السلفية من عقالها، لتخرج بخطابها إلى النور.
شهدت فترة صعود القوى الإسلامية بعد ثورة يناير أحداثاً أثارت قلق المثقفين والمهتمين بالأدب والفن على حد سواء، كان منها، على سبيل المثال: منع عرض بعض الأعمال الفنية السينمائية والمسرحية، ومحاولة حرق التماثيل، ورفع قضايا ضد رموز الفن المصري. وصار لدى المثقفين شعور مؤكد بأن الثقافة في عهد الإسلاميين ستكون في خطر كبير؛ ومن ثم كانت ردود أفعالهم تتسم بالجماعية.
في ضوء ذلك استعرض التقرير حالة الثقافة في تلك الحقبة، وما حصل من مصادرات وترويع وملاحقة قانونية للفن والفكر باسم الدين؛ كان هناك تهديد حقيقي يواجه الإبداع والمبدعين من قبل جماعات الإسلام السياسي المختلفة، خاصة بعدما سيطرت هذه القوى على سلطات واسعة، فقد أصبح في قدرة هذا التيار إصدار تشريعات تحد من حرية التعبير والإبداع، وفي يده سلطة الملاحقة والمصادرة.
استمر القمع الثقافي في التصاعد خلال الأيام الأخيرة لحكم قوى الإسلام السياسي؛ حيث اتسع مجال ما اصطلح على تسميته بقضية "أخونة الثقافة"، الأمر الذي دفع بالمثقفين إلى ساحة المواجهة بقوة.

ما أبرز المحطات الفارقة في عملية مواجهة الأعمال الفنية والإبداعية من القوى الدينية والإعتداءات على حرية الكتابة والبحث العلمي بحجة مخالفتها للدين؟

* مراحل الصراع سابقة على ثورة يناير، إذ كان يحتد أحياناً ويخفت أحياناً أخرى حتى ظهور دور الدولة في المعادلة بشكل واضح؛ فمع مطلع السبعينيات والتغيير الذي حدث في قمة النظام السياسي، استخدمت السلطة السياسية جماعات الإسلام السياسي لحصار النشاط السياسي الطلابي المعارض في الجامعات، فاستغلت تلك الجماعاتُ الفرصةَ ووجَّهت ضرباتها لمصادرة الأنشطة الثقافية والفنية في الجامعات مستخدمةً في ذلك القوةَ والعنف.
وفي عهد مبارك عادت السلطة لتستخدم جماعة الإخوان المسلمين كفزاعة للمعارضة المدنية، ودأبت على التعامل مع تلك الجماعة بوصفها جماعة "معتدلة" قياسًا على ما تقوم به الجماعات الجهادية من أعمال إرهابية، ثم بدأت تستخدم الجماعات السلفية وتدعمها في مواجهة الإخوان المسلمين بعد تزايد نفوذهم، واستمرت هذه السلوكيات وتزايدت في السنوات السابقة على ثورة 25 يناير، ووصلت إلى حد التضييق من جانب وزارة الأوقاف وأجهزة الحكم المحلي على الثقافة والفنون. فعلى سبيل المثال نجد فتوى تحريم فن النحت التي صدرت عن دار الإفتاء في زمن تولي الدكتور علي جمعة لها، والذي أفتى بتحريم التماثيل وتحريم استخدامها للزينة في المنازل. هذا وقد كانت الثقافة منطقة مباحة لجماعات الإسلام السياسي توجه إليها ضرباتها، كما كانت وزارة الثقافة في السنوات السابقة على الثورة هي أكثر الوزارات تعرضاً لهجوم القوى الدينية في المجتمع، ولاستجوابات نواب الإخوان المسلمين في مجلس الشعب.

- كيف ساهمت المدارس التابعة للجمعيات الإسلامية في تغيير التوجهات التعليمية في مصر؟

* يفرد التقرير مساحة خاصة لاستعراض دور مدارس الإخوان المسلمين والجمعيات الإسلامية في تغيير التوجهات التعليمية في مصر، حيث مضت مدارس الإخوان تروج لأفكارهم وتصبغ النشاط والمناخ المدرسي بصبغتها التي تختلف اختلافا كبيرا عن المدارس الحكومية، فراحت تلك المدارس تدرس لطلابها كتابا يسمى "كتاب الرشاد"، وهو كتاب يضم سير شخصيات جهادية، ولم يكتف الإخوان المسلمون بما يملكون من مدارس بل راحوا يعلنون –في نشوة السلطة والحكم- أنهم في سبيل زيادتها بإنشاء مئة مدرسة جديدة في كل محافظة من محافظات البلاد.
وعلى كل، فإن ثقافة التمييز بين المواطنين على أسس دينية ظهرت بوضوح في التعليم المصري منذ عهد السادات وتجلى ذلك من خلال العديد من عناصر المنظومة التعليمية، كان أبرزها: ازدواجية التعليم بين التعليم الديني (الأزهري) والتعليم العام، والنص على جعل مادة التربية الدينية مادة أساسية في جميع مراحل التعليم، واستناد مقررات اللغة العربية في جميع المراحل التعليمية على التراث الاسلامي فقط وامتلاء تلك المقررات بالآيات القرآنية والأحاديث، وهو الأمر الذي لم يتوقف في عصر مبارك من حيث هيمنة الفكر الديني على التعليم ومناهجه. وبعد ثورة يناير، سعت قوى الإسلام السياسي بعد سيطرتها على البرلمان ورئاسة البلاد إلى السيطرة على التعليم باعتباره أهم أدوات التمكين، وارتفعت في البرلمان ومجلس الشورى ذي الأغلبية الإخوانية والسلفية تلك الصيحات التي تنادي بفصل البنين عن البنات في المدارس سواء كانوا تلاميذ أو معلمين، وعن إدارة اليوم الدراسي تبعا لمواقيت الصلاة، وعن السعي نحو جعل مادة التربية الدينية مادة درجات تضاف إلى المجموع، والعمل على التزام الفتيات في المدارس بشروط الزي الشرعي، وتأخير تدريس اللغات الأجنبية، كل هذا وغيره دون دراسات محترمة ودون استشارة خبراء. وسعى وزير التعليم إلى عزل بعض المستشارين وملأ كثيراً من الفراغات داخل ديوان الوزارة بعناصر إخوانية معروفة، كما اتسعت مساحات التمييز ضد المرأة في المناهج التعليمية.

بخلاف العنف التقليدي القائم على تصفية الخصم وإغتياله، ثمة عنف رمزي يشكل اليوم إكراهاته على المجتمع باستدعاء الرموز الدينية مثل رفع المصاحف والرايات في مواجهة الصلبان ناهيك على الإلتزام بمظهر ديني خارجي للتمايز على أساس الهوية الدينية وتعبئة الذهن الجمعي بالخلاف والعداء إزاء الآخر الديني؟

* مع احتدام الخلاف السياسي بين الإسلاميين وخصومهم انفجر العنف الرمزي في مصر، وهو ذلك العنف اللامرئي واللامحسوس، الذي يخترق المجتمع ناعما مستتراً، ويتسلل بهدوء إلى شتى الأنساق القيمية، قبل أن يستقر ويترسخ في الأبنية الثقافية والمرتكزات السوسيولوجية، ويتبدى بعد ذلك على شكل ممارسات يقوم الفاعلون الاجتماعيون بشرعنتها بوصفها ضرورة لحفظ المجتمع، وبشكل يأخذ موافقة ضمنية من الذين يمارس عليهم، وهو عنف إشكالي وظيفي، قد يحمل في ثناياه نزوعاً أيديولوجياً، أو بُعداً دينياً.
وقد بلغ العنف الرمزي درجةً غير مسبوقة؛ إذ مارسه كل الفرقاء من دون تمييز. ويمكن أن نرصد في الساحة السياسية المصرية بعض الحالات التي لعب فيها الرمز الديني هذا الدور المؤجج للعاطفة، عندما بدأ استخدامه على استحياء في "أسبوع الصمود"، إبان أحداث ثورة 25 يناير، وبالتحديد في يوم 8 فبراير حين ظهر طلاب وعلماء من الأزهر بزيهم الديني المعروف، وقساوسة بزيهم الديني أيضًا منضمين للمسيرات؛ وكان استفتاء 19 مارس 2011،  نقلة نوعية من حيث الكثافة في استدعاء الرمز الديني وتوظيفه. وفي "جمعة الشريعة والهوية" التي نظمتها التيارات الإسلامية في 29 يوليو 2011 ظهرت الرايات والأعلام الدينية بشكل مكثف في ميدان التحرير، في ظل هتافات دينية تدغدغ المشاعر وتوحد بين الجموع التي حشدت من سائر المحافظات.
وفي الجانب المسيحي، كان حضور الرمز الديني وبالتحديد الصلبان بأنواعها، وكذلك الجريد، والأجبية، بالإضافة إلى الكتاب المقدس نفسه، حضوراً طاغياً منذ أحداث قرية صول في 5 مارس 2011 في أعقاب أحداث العنف الطائفي التي انتهت بحرق كنيسة القرية وهدمها.
وعلى صعيد الحركات الإسلامية وظف الرمز في سبيل تعبئة الجماهير وحشدها لخدمة ما تسعى إليه من أهداف، ومن ثم توجيهها لتتحرك في المجال المراد حشدها فيه، وبالتالي تحقيق مآربها، حيث تسعى في هذه الحالة إلى الإقناع الدائم من خلال تكييف خطابها الداخلي وتكثيف مفردات الخضوع، وبات حضور الأعلام والرايات -الإسلامية ومنها أعلام القاعدة، وعَلَم المملكة السعودية، مصحوبا برفع المصاحف- أمرًا معتادًا في كل المليونيات والتظاهرات التي نظمتها القوى الإسلامية. ويخلص التقرير إلى أن الرموز الدينية لعبت دورًا مهمًّا في تعبئة الذهن الجمعي، وسرعان ما تجاوزت تلك المهمة إلى تجييش الفئات الدينية في المجتمع في حالة من الصراع والعنف الجسدي المتبادل، وتأجيج المشاعر العدائية إزاء الآخر الديني.
ويقدم التقرير في هذا القسم دراستي حالة، الأولى حول استخدام الرموز الدينية في حقل الرياضة المصرية، وهي المعنونة بـ"الرمز الديني في الرياضة المصرية" ويستعرض التقرير أهم استخدامات الرموز الدينية في الملاعب الرياضية المصرية، والثانية عن "الموت كعالم للترميز الديني"، حيث يمثل موضوعاً مهماً شغل الحقل الديني وتمركزت حوله الشعائر والطقوس، وإمتد أثره إلى البنى السوسيولوجية والأطروحات الفلسفية كنقطة انطلاق لحالة من القلق ساعدت بدورها في تكوين وتشكيل كثيرٍ من الأفكار في ميادين الفلسفة والقانون وعلمي النفس والاجتماع.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها