الأربعاء 2017/03/01

آخر تحديث: 12:41 (بيروت)

نساء الكرملين .. زوجات وطغاة

الأربعاء 2017/03/01
increase حجم الخط decrease
يروي كتاب "نساء الكرملين" للشاعرة والصحافية الروسية لاريسافا سيلفيا، ومن ترجمة الكاتب الصحافي والقاص أحمد الخميسي، سير رفيقات زعماء الإتحاد السوفياتي، في الفترة الممتدة من تشرين الأول/أكتوبر1917، وحتى أفول الحقبة الشيوعية، في أوائل تسعينيات القرن الماضي. 

يرسم الكتاب لوحة غنية بتفاصيلها وتعدد جوانبها، التي تتنقل بين التاريخي والنفسي والفني، لهذه الفترة الصعبة والمعقدة من حياة روسيا، في القرن العشرين، والتي شهدت تحولات جذرية وعنيفة. تقاسمتها هؤلاء النسوة وشاركن في صناعتها بالحضور والتأثير والأحداث، كما لاقين مصائر متفاوتة بعضها مجهول والآخر مأساوي.

ساعد الكاتبة في جمع وتحليل مادة كتابها، أنها تنتمي إلى الأوساط القريبة من الكرملين، لأن والدها كان يعمل مصمماً للدبابات وسمح لها ذلك بفهم وسبر أغوار الطبيعة النفسية لمن انخرطوا في كواليس الكرملين ومسرحه السياسي.

بالاعتماد على مواد من أرشيف ووثائق المرحلة السوفياتية، وأحاديث خاصة من زوجات الكرملين وشهادات أقربائهن ومذكرات من عاصروا تلك المرحلة، يفصح الكتاب عن ذلك الصراع على السلطة الذي كان يدور بين جدران الكرملين بعد وفاة لينين، وقد شغلت ناديجيدا كروبسكايا مكانها فيه، وتمكنت من ملء دور قوي وبارز فيه، وسط "البلاشفة" الأقوياء، وأثبتت أنها لم تكن مجرد تابعة نسوياً للينين.

وهي تجاسرت على طرح مبادرات، تفردت بها، منها قضية التعليم الشعبي، وبمبادرة منها ألغيت مادة الدين في المدارس، وأصبح حظر الكتب منذ البداية قاعدة تحكم الحياة السوفياتية. وقد بدأت كروبسكايا عملية المصادرة التي حجبت عن أجيال متلاحقة أعمدة الفكر والأدب: الروائي ميخائيل بولغاكوف، الشاعرة آنا أخماتوفا، والشاعرة مارينا تسفيتايفا.... الأمر الذي علّق عليه صاحب رواية "الأم" الروسي مكسيم غوركي: "من الأنباء التي تصيب العقل بالذهول أن كروبسكايا منعت في روسيا قراءة أفلاطون وكانط وشوبنهاور ونيتشه وتولستوي وغيرهم". 

بدأ ستالين، الطامح إلى تسلم زمام السلطة، بحسم الصراعات الموجودة ونسف كل العقبات المطروحة أمامه وإطاحة من يقفون في سبيله ونفيهم وقتلهم، حتى استقرت السلطة في قبضته الفولاذية. ولما رأى حفاوة الاستقبال الذي تظفر به كروبسكايا، من رجال الحزب، وخشي تأثيرها السلبي في نفوذه السياسي، بدأ يضيّق عليها، وأجبرها على التردد على ضريح لينين، معاتباً إياها بأنها أهملت ذكراه ونسيت زوجها المحبوب. 

وفي أثناء احتفالها بعيد ميلادها السبعين، أرسل لها ستالين كعكة أكل منها الجميع، وفي الصباح ماتت وحدها في المستشفى نتيجة تسمم شديد، وحمل ستالين نفسه الوعاء الذي وضع فيه رماد كروبسكايا الى مثواها الأخير.

يثير الكتاب، ربما، للمرة الأولى قصة ذلك "المثلث الفريد": "لينين، كروبسكايا زوجته ورفيقة دربه، إينيس أرماند حبيبة لينين".

كان وضع لينين السياسي قد أجبره على خيار صعب ومتناقض، أرغمه على حرمان حبيبته من حرية الحب المعلن، وهي التي لطالما كتبت ودافعت عنه، وماتت من دون أن تظفر بذلك الحب الذي ظل سرياً. وخرق لينين القواعد البروتوكولية، فضمّ رمادها داخل جدران الكرملين، تعبيراً منه عن امتنانه لها، وطلباً لصفحها وغفرانها لتخاذله أمامها.

تصف لاريسفا، حياة شديدة التعاسة لناديجدا اليلويفا-زوجة ستالين، وذلك القدر المأساوي الذي استثناها في حياة صعبة وأزمات متتالية ويوميات لا تلين. كانت تمزقها وتتناهبها مشاعر الغبن والألم. لكنها، تتحمل وتواصل. فهي حياة تليق بزوجة أكبر ديكتاتور بلغ عرش الكرملين، والذي تخير لنفسه اسماً مشتقاً من كلمة الصلب، وهو ستالين، وصولاً إلى موتها الغامض بجوار سريرها غارقة في دمها.

تورطت ناديجدا، ابنة الاثنين والعشرين ربيعاً، في نزاع لينين-ستالين-كروبسكايا، ولاحقاً، تروتسكي. فقد كانت تعمل في مكتب لينين، وتطّلع على أوراقه السرية، وكانت أول من قرأ وصف لينين لزوجها بأنه: "الفظ والخشن في معاملاته وغير منصف"، وعرفت خشيته من استيلاء ستالين على السلطة.

كما كانت طبيعتها الحادة والعنيدة، سبباً في تعقيد الحياة مع زوجها. فلم تفصح له عن أوراق لينين ومضمونها، ولم يتمكن منها في خضم صراعه من أجل السيطرة على الحزب والوصول للسلطة. وعلق خروتشوف على وفاة زوجة ستالين المبهمة وأسبابها: "انتحرت بسبب إهانة بالغة لحقت بكرامتها وعزة نفسها كامرأة". وهو ما كان يتكرر في مشاجرات عديدة بينهما.

لكن ثمة رواية غريبة تنقلها المؤلفة عن سيدة بلشفية اخبرتها بأن ناديا حكت لصديقة لها: "إن شيئاً رهيباً سيقع لي عما قريب، لأنني ملعونة منذ ولادتي، ملعونة إلى آخر أيام حياتي، لأنني زوجة ستالين وابنته في الوقت نفسه". واستطردت أن ستالين نفسه قال لها ذلك في لحظة شجار عنيفة بينهما.

وتفتح لاريسافا الستار الكثيف الذي لم ينفتح لأحد من قبل عن الحياة المعقدة المبهجة لنينا بيريا، زوجة بيريا وزير الداخلية الستاليني والشخصية الدموية، التي لم يعرف التاريخ مثيلاً لها. وهو اشتهر بالمحاكمات غير الشرعية والقتل الجماعي ووقائع أخرى مخيفة من التعذيب والانتهاكات الجنسية، فقد كان يغتصب الموقوفات الجميلات في مكتبه، ثم يقتلهن رمياً بالرصاص.

وفي مواجهة ذلك السفاح وبطشه ودمويته، قضت نينا حياتها التي تصفها الكاتبة بأنها كانت: "امرأة مصنوعة من سحابة بعطر المشمش ولونه".

يتطرق الكتاب بالتفصيل إلى حياة نينا خروتشوف، وأسرار فكتوريا برجنيف التي عاشت في الظل مع برجنيف، وينتهي بقصة السيدة الأولى والأخيرة أيضاً للاتحاد السوفياتي راييسا غورباتشوف زوجة منظّر البيرسترويكا. وتكشف تواريها وخفوت حضورها بعد فشل محاولة انقلاب آب/أغسطس 1991، مباشرة، إذ غابت راييسا غورباتشوف طويلاً عن شاشات التلفزيون. وانتشرت الشائعات بأنها أصيبت بجلطة دماغية أو شُلّت يدها.


(*) صدر كتاب" نساء الكرملين" ترجمة د.أحمد الخميسي عن الروسية، الكتاب للمؤلفة الروسية الأديبة المعروفة لاريسا فاسـيليفا عن دار "كيان" للنشر.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها