الإثنين 2017/10/23

آخر تحديث: 16:23 (بيروت)

مصر: يوميات مُعتقَل سعيد

الإثنين 2017/10/23
مصر: يوميات مُعتقَل سعيد
increase حجم الخط decrease
ثمة حالة من السخرية سادت مواقع التواصل الإجتماعي، عقب زيارة وفد لجنة حقوق الإنسان، بمجلس النواب المصري، إلى منطقة سجون برج العرب، شمال القاهرة، ونشر صور "5 نجوم" لحالة السجن، وتداول تصريحات عن حجم الرفاهية، التي يحظى بها المعتقلون بداخله؛ حيث بدت صور الطعام في حالة جيدة ومتنوعة على مائدة مرتبة، وفي أوانٍ جديدة، يُعنى بتقديمها أحد نزلاء السجن، وهو يرتدي قفازات واقية في يده وكمامات، فضلاً عن مشهد بعض المسجونين يمارسون الرياضة.
مصدر السخرية والتندّر، لم يكن في مخالفة تلك المشهدية للصورة الذهنية عن السجون المصرية، في الوعي الجمعي للمصريين، والتي يتحول المواطن داخل أقبيتها، إلى جثة مشوهة وممزقة إثر تعذيب وحشي، يترك آثاره في أنحاء مختلفة من جسده، لكن في تطابق عناصر تلك الصورة ومكوناتها مع أحد الأفلام المصرية، باعتبارها حيلة مفضوحة وقديمة، استخدمتها السينما المصرية، في فيلم "البريء"، (إخراج عاطف الطيب عام 1977)، والتي تناولت التعذيب وقمع السياسيين. 

المفارقة بين الواقع الحقيقي لما يعانيه المصريون داخل السجون المصرية وأقسام الشرطة، وتلك الصورة "المصنوعة"، التي تنفيها شهادات موثقة من منظمات حقوقية، غير حكومية، محلية وأجنبية، تشبه المسافة المقطوعة في وعي المجند "سبع الليل"، (الفنان أحمد ذكي)، وهو يؤدي دور الجلاد في فيلم البريء، قبل 40 عاماً، فتجمدت يده التي ارتفعت في الهواء بعصاه الغليظة تعلن عصيانها عن تنفيذ الأوامر، بدلاً من أن تتهاوى بالضرب على جسد صديقه وابن قريته، الذي يقود المظاهرات ضمن الحركة الطلابية في السبعينات، بينما يصرخ في زملائه لوقف حفلة التعذيب وتفادي الضربات عنه، إلى أن ينتهي بهما الحال لمصير واحد: "السجن والتعذيب".

يتكون سجن برج العرب الذي تحيطه الصحراء من كل جوانبه، من ثلاثة أقسام، يضم أولها كتيبة من قوات الأمن المركزي المكلفة بحماية وتأمين السجن، أما الثاني فهو سجن برج العرب الاحتياطي، بينما القسم الثالث هو ليمان برج العرب المخصص لمن صدرت بحقهم أحكاماً بالسجن المشدد.

وبين سورين مرتفعين تعلوهما أبراج المراقبة، يحيط السور الأول بمنطقة سجون برج العرب، ويطوقها من الخارج، بينما يحيط الثاني بسجن برج العرب الاحتياطي وليمان برج العرب.

داخل هذا السجن وثقت منظمة "التنسيقية المصرية للحقوق والحريات"، قبل نحو شهر، شكاوى أسر عدد من المسجونين ممن يتعرضون للتنكيل والحرمان من العلاج والتغريب لأماكن غير معلومة. فهناك 100 مسجون، رفضت إدارة السجن الافصاح عن أماكن احتجازهم، بعد اعتراضهم على وفاة "محمود عشوش" داخل السجن بسبب الإهمال الطبي الذي تعرض له، فضلاً عن معتقل آخر تعرض لغيبوبة.

ونقلت شهادة عن ذوي أحد المعتقلين التي قالت: "اقتحمت قوات من الأمن العنابر والزنازين بالأسلحة ومعدات الغاز المسيل للدموع والخرطوش، وجردوا 50 معتقلاً من عنابر مختلفة وتم اقتيادهم بالملابس الداخلية مكبلين للتغريب إلى سجون أخرى، من بينهم ميسرة الشافعي، ولا أعرف مكان وجوده أو مقر احتجازه إلى الآن بسبب إعتراضهم على وفاة محمود عشوش".

صودف سجن الشاعر المصري، عمر حاذق، في سجن برج العرب، لمدة عامين في الفترة من 2 ديسمبر/كانون الأول عام 2013 وحتى 25 سبتمبر/أيلول 2015، بعد الحكم عليه بالحبس عامين لإدانته بالتظاهر بلا تصريح، والتي تكشف شهادته صورة مغايرة لما تم تداوله عن المستشفيات والأجهزة الطبية الحديثة والمتطورة بالسجن، وانتباه أطباء فيها للرعاية الصحية للمسجونيين. 

ففي شهادة الشاعر، يؤكد إصابته بمرض "الجرب" المنتشر بين نزلاء السجن، بسبب ضيق المساحة في غرف الإحتجاز مع الازدحام الشديد وعدم إمكانية تنزه المعتقلين في مساحة مشمسة، الأمر الذي يعد من أهم عوامل انتشار المرض وتوغله في أجساد المسجونين.

يحاول النظام المصري تقديم سردية خاصة به يواجه بها الإدانات المتكررة على قمع أجهزته الأمنية وعمليات التعذيب الممنهج، التي تجري داخل السجون وأقسام الشرطة، وصنوف القهر وأساليب الإيلام البدني والنفسي. فمنذ تولي عبد الفتاح السيسي الحكم عام 2013، اعتقلت السلطات المصرية 60 ألف شخص على الأقل بحسب "هيومان رايتس ووتش"، وأخفت قسراً المئات لعدة أشهر في وقت واحد، وأصدرت أحكاماً أولية بالإعدام في حق مئات آخرين، وحاكمت آلاف المدنيين في محاكم عسكرية، كما أنشأت ما لا يقل عن 19 سجناً جديداً لاحتواء هذا التدفق. 

ومن بين التقنيات التي ذكرتها المنظمة في تقريرها ووثقتها من شهادات معتقلين تعرضوا لشتى صنوف التعذيب، حيث يستخدمون نوعين من وضعيات الإجهاد لإخضاع المشتبه بهم لألم شديد؛ ففي واحدة منها، يعلقون المشتبه بهم وأيديهم مرفوعة إلى الوراء، وهو ما يسبب ألماً شديداً في الظهر والكتفين، وتخلع أحياناً أكتافهم.

وفي الثانية، وتسمّى "الفرخة" أو "الشواية"، يضع العناصر ركبتي المشتبه فيهم وذراعيهم على الطرفين المتقابلين للقضيب، بحيث يقع القضيب بين مفصل المرفقين والجزء الخلفي من الركبتين، ويربطون أيديهم معاً فوق مقدمة سيقانهم. وعندما يرفع الضباط القضيب ويعلقون المشتبه بهم في الهواء، مثل دجاجة على سيخ الشواء، يعاني هؤلاء من ألم شديد في الكتفين والركبتين والذراعين. كما يضع عناصر الأمن المعتقلين في وضعيات الإجهاد هذه لساعات في كل مرّة، ويستمرّون في ضربهم وصعقهم بالكهرباء، واستجوابهم.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها