الإثنين 2017/11/06

آخر تحديث: 15:01 (بيروت)

عندما يُفرض الحجاب على المسيحيات المصريات.. بأمر كَنَسيّ

الإثنين 2017/11/06
عندما يُفرض الحجاب على المسيحيات المصريات.. بأمر كَنَسيّ
لم يفرض المسيح زياً على النساء أو يحدد أي نوع من الملابس
increase حجم الخط decrease
في المسيحية، كما في كافة الأديان، ثمة حالة من التأزم في الخطاب الديني، وإغلاق لمساحات التفكير خارج نفوذ السلطة الدينية وهيمنتها، وفرض طاعة تجاه مقولاتها وتفسيراتها الرائجة والمعتمدة؛ فإن مأسسة الدين وتحويله لهيئات ومجالس سلطوية، أدت إلى تنميط السلوك والفكر الديني، وعدم اقتفاء أثر الدين، في حالة الأولى البدائية والعفوية البسيطة، في حدود زمنه وتاريخيته، ومن ثم، تحوله إلى أيديولوجيا تؤسس للقهر الديني والسياسي.

هذا الصراع الممتد، بين المؤسسة الدينية وإكراهاتها على أتباعها، يتجدد طوال الوقت، في محاولة تصفية أي نزعة للتحرر، من أغلالها وقيودها، والتصدي لها بحسم وبكل الوسائل المتاحة، والتي تتنوع بفرض عقوبات دينية.

طالب الأنبا يؤانس، خلال لقائه الأسبوعي بالشعب القبطي في كاتدرائية الملاك ميخائيل، إن أي سيدة أو فتاة ترفض ارتداء "الجواكت أو الجونلة الجيبة"، المعدة من قبل خادمات الكنيسة، عليها الانصراف من الكنيسة بمنتهى الهدوء، لافتاً إلى أن قراره بفرض زي على النساء قبل دخول الكنيسة، أمر لا رجعة فيه، والملابس التي ستُفصَّل من قبل خدمة السيدات في الكنيسة، عبارة عن "جواكت" طويلة الأكمام، والجونلات الطويلة الواسعة.

وشدد أسقف إيبارشية أسيوط وتوابعها، على المصليات في كنائس الإيبارشية، الالتزام بالضوابط التي تم وضعها لملابس النساء اللواتي يحضرن الصلوات والمناسبات الطقسية، بكنائس أسيوط الأرثوذكسية، مؤكداً أنه تلقى إشادات واسعة بالضوابط الصادرة. وقال: "إن أهل أسيوط تملؤهم الحشمة والوقار، لكن ملابس الأفراح كانت عليها ملحوظات".

وتتزايد التصريحات الجدلية والمواقف المثيرة، بنزعاتها المتشددة والراديكالية لرجال الدين المسيحي، تجاه رعاياهم، وتختلط فيها الآراء الشخصية والتفسيرات الخاصة للنص الديني، مع توظيف رأس المال الرمزي للدين في منح هذه الآراء، عصمة وقداسة، لعدم مخالفتها وتطويعهم على قبولها.

فالمرأة تقف بين منزلتين يحددان مكانتها داخل الكنيسة، وتحصرها في مفهومين: "الطهارة والدنس". الكنيسة تحبسها في وظيفتها الجنسية، تعتبرها إحدى صُور الفتنة وأداة للشيطان، وبالتالي يضحى جسدها شراً ووجهها خطيئة، لا بد من تغطيتهما ودفنهما تحت الأحجبة والأقمشة. فأثناء الدورة الشهرية، لا تتقدم المرأة للأسرار الكنسية. وعندما تنجب فتاة لا تدخل الكنيسة، وتتراوح المدة المقررة بحسب نوع المولود: 80 يوماً في حالة الأنثى و40 يوماً إذا كان ذكراً.

إذاً، ثمة سوابق عديدة ومتكررة لموضوع فرض زيّ على المُصلّيات في الكنائس، وأصول قائمة تنتصب عليها هذه الأفكار. إذ طالب الأنبا بيشوي، أحد مطارنة دلتا مصر، بالتزام الفتاة المسيحية للحشمة، بحسب تعبيره، داخل الكنيسة، ومنع "البنطلون" أو "البلوزة"، لمن تعدّينَ سن 11 عاماً. وتظهر حوادث أخرى، تحمل رأيين متناقضين، درجة تعاطي كل طرف مع النص الديني وتأويلاته له. مثلاً، هناك توصيات المجمع المقدس، في يونيو/حزيران الماضي، بمنع المرأة الحائض من تناول الأسرار المقدسة، والتي خالفها الأنبا بفنوتيوس لعدم وجود سند ديني لها.

الأمر على كل حال، لم يبدأ مع الأنبا يؤانس ولن ينتهي عنده، طالما دأبت المؤسسة الدينية وأفرادها، على تثبيت مرجعية شمولية تتمدد على أطراف الحياة وأجزائها، بغية تكريس الطاعة والانصياع لها، في الجانبين الروحي والدنيوي، واحتكار الإنسان لصالحها، بحسب رؤيتها النفعية. فضلاً عن تعطيل حرية الناس، رجالاً ونساء، وعدم مراعاة خصوصية الفرد الثقافية والقيمية، التي تحدد بشكل نسبي وجوده الإجتماعي ومظاهره المتفاوتة.

"لم يفرض المسيح زياً على النساء أو يحدد أي نوع من الملابس كي تلتزم به"، يقول روبير الفارس، الكاتب الصحافي والروائي، معتبراً هذه التصريحات نابعة من موقف الرهبان، تحديداً، وتسلطهم على الكنيسة وسيطرة الفكر الذكوري عليها. ويردف صاحب "مباني من بخور.. كنائس وأديرة مصرية"، أن الراهب لديه نظرة دونية تجاه المرأة، وتظهر في أدبيات الرهبنة بوضوح، مثل كتاب "بستان الرهبان"، وبالتالي، هو يخشى السقوط في خطيئة "الزنا"، التي تعتبر أكبر هواجسه، والتي تسيطر على تفكيره، نتيجة لطبيعة الحياة الروحية التي اختارها، حيث التفرغ للعبادة وعدم الزواج، فأضحت المرأة مصدر غواية وفتنة تهدد حياة البتولية والعفة، وينبغي حجبها عن أنظار الرهبان.

يشير إسحاق إبراهيم، مسؤول ملف حرية الدين والمعتقد في "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، أن طبيعة رجل الدين والمؤسسة الدينية بوجه عام، محافظة، وطوال الوقت كان هناك فصل بين حضور القداس والطقس الديني والأنشطة الترفيهية. ففي الأولى فقط، كان يُطلب أحياناً (ومن دون)، وضع غطاء على الرأس أثناء الصلاة. لكن المتغير الجديد في تصريح الأنبا يؤانس، وقراره فرض زي للنساء، بحسب إسحاق، هو اقترانه بالإجبار والتهديد الذي رافقه، وتعيين حارس على بوابات الكنيسة، ليقيس مدى "حشمة" الملابس من عدمها، وفي حالة رفض الزي الكنسي المحدد، يُطلب من المرأة مغادرة الكنيسة فوراً، وهو ما يتنافى مع دور وماهية الكنيسة، باعتبارها مِلكاً لكل الناس وهدفها تقديم الخدمة الروحية.

يوضح إسحاق لـ"المدن" بأن التصريح خرج من قرية محافِظة في أسيوط في صعيد مصر، والمجتمع هناك بطبيعته محافظ بشدة، وهو ما يضع المرأة المسيحية في حرج، ويجعلها محط تعديات وإساءات بالغة، بتصويرها خارج النسق القيمي للمجتمع، وغير منضبطة أخلاقياً، ولا تلتزم بالوقار والحشمة، كما يعطي شرعية ومبرراً للتشدد والتحرش بالنساء. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها