الإثنين 2014/09/08

آخر تحديث: 15:19 (بيروت)

مهرجان البندقية وزّع جوائزه: تكريس روي اندرسون

increase حجم الخط decrease
بعد اربعة عقود أمضاها خلف الكاميرا، كُرس المخرج السويدي روي اندرسون مساء السبت على اقدم منبر سينمائي: مهرجان البندقية. فنال جائزة "الأسد الذهبي" عن فيلمه "حمامة جالسة على غصن تفكر في الوجود"، الذي عُرض للمرة الاولى الثلاثاء الماضي، أي قبل أربعة أيام على توزيع الجوائز، وكان بدءاً من تلك اللحظة من الأفلام الأوفر حظاً لنيل ذهبية الـ"موسترا" التي جرت هذا العام من 27 آب الى 6 أيلول.

اندرسون البالغ 71 عاماً، انجز الى اليوم خمسة أفلام روائية طويلة، على الرغم من انه بدأ مساره عام 1970، ولم يكن آنذاك سوى في السابعة والعشرين من العمر. الا أنه انقطع عن السينما فترة ربع قرن، بعد فشل فيلمه الثاني عام 1975، جماهيرياً ونقدياً، ليعود بقوة عام 2000 الى مهرجان كانّ متأبطاً "اغنية الطبقة الثانية"، فيلم مشبع بالغرابة جعله ينال جائزة لجنة التحكيم. حتى ان بعضهم لقبه، بعد هذه الرائعة، بـ"النسخة التهريجية لبرغمان".

خلال فترة ابتعاده عن السينما، صوّر اندرسون ما يقارب الـ400 اعلان ترويجي، نلمس فيها دائماً مقاربة سينمائية للفكرة المطروحة، سواء من خلال كادراته الثابتة أو نوع الطرافة الذي يلجأ اليه أو العبثية التي يراهن عليها ليحبك مواقف دارمية هزلية. من خلال خمسة أفلام، صارت لديه بصمة واضحة: ألوان باهتة، شخوص تتحرك في الكادر بتعب وملل، حكايات لا توصل الى أي مكان، محو للأحداث. جديده لا يختلف كثيراً عما سبقه، بل هو امتداد لثلاثية كان باشر بها مع "اغنية الطبقة الثانية"، ثم "أنت، العيش"، والآن في هذا الفيلم. إنها ثلاثية "أن يكون المرء انساناً".

أما العنوان المبتكر للفيلم، "حمامة جالسة على غصن تفكر في الوجود"، فهناك حكاية خلفها. اندرسون استلهمه من لوحة للتشكيلي الفلمنكي الهولندي بيتر بروغل الأكبر اسمها "صيادون في الثلج" (1865). اللوحة عبارة عن منظر لطبيعة في الريف اثناء فصل الشتاء، حيث العصافير تحط على أغصان الشجر. حاول اندرسون أن يدخل في عقل الطير ويطلق العنان لمخيلته: ماذا لو كان الطير يتأمل الناس ويسأل عما يشغلهم إلى هذا الحد. انطلاقاً من هذا، اعتبر اندرسون أن الطير لا يحصر تفكيره في الوجود فحسب، بل يقلق ايضاً على مصير البشر الذين يهملون حقيقة ان القيامة صارت على الأبواب. هذا كله ليس تخريفات صحافي، بل كلام صدر من اندرسون نفسه، وكم هو متجانس مع أجواء أفلامه ومضامينها. فسيد الايقاع البطيء المميت واللامنطق، ليس مصاباً بالفصام ولا يخون نفسه.

اندرسون مخرج عصيٌّ على التصنيف، حتى عندما يصرح أنه استلهم الفيلم من "سارق الدراجة" لفيتوريو دو سيكا. خبرية غريبة كون لا شيء مشتركاً بين الفيلمين. هل اعجابنا الكبير به يحتم علينا أن نصدق كل ما يقوله؟

حتى لاس فون ترير لم يخفِ اعجابه بأندرسون. فعندما كانا يتسابقان معاً على "السعفة" في كانّ عام 2000، كل منهما بفيلمه، اعتبر المخرج الدنماركي ان اندرسون هو الأكثر استحقاقاً لـ"السعفة". في النهاية، خطفها ترير عن فيلمه "راقصة في الظلام".

لجنة التحكيم برئاسة الموسيقار الفرنسي الكسندر دبلا فضلت فيلم أندرسون على 20 فيلماً آخر مثل "بردمان" لاليخاندرو غونزاليث ايناريتو و"ثلاثة قلوب" لبونوا جاكو و"بازوليني" لآبيل فيرارا. أفلام اخرى اثارت مشاركتها في مسابقة البندقية غضب بعض النقاد. من هذه الأفلام "القطع" لفاتي أكين و"نوبي" لشينيا تسوكاموتو.

بعض المتابعين اعتبروا ان لائحة الجوائز تدل على ميل اكاديمي لدى اعضاء لجنة التحكيم (يشارك فيها السينمائي الفلسطيني ايليا سليمان)، وبعضهم الآخر فرح بفوز المخرج الروسي اندره كونتشالوفسكي (77 عاماً) بجائزة "الأسد الفضي" ــ  ثاني الجوائز من حيث الأهمية وهي تُسند لأفضل اخراج ــ وذلك عن فيلمه "ليالي ساعي البريد البيضاء".

بعد غياب فترة عن تقديم أفلام مهمة، يعود كونتشالوفسكي بقوة من خلال فيلم يذكرنا في بعض جوانبه بمعلمه اندره تاركوفسكي. الفيلم عبارة عن يوميات، يجري ما يمكن تسميته بـ"الأحداث" وسط طبيعة خلابة ومساحات خضراء وبحيرة يعبرها ساعي بريد مرتين في اليوم ذهاباً واياباً الى قرية يسكنها بعض الروس، وهو (ساعي البريد) صلة الوصل الوحيدة بينهم وبين العالم. عمل مبهر لدرجة اننا لا نعود نعرف اذا كان ما نراه روائياً او وثائقياً. اياً يكن، فنحن امام فيلم استعاري يتيح لكونتشالوفسكي ان يعزف نغمة جديدة بنوتة قديمة.

أما جائزة لجنة التحكيم الكبرى، فاسندت إلى فيلم "نظرة الصمت" للمخرج الاميركي جوشوا اوبنهايمر. هذا المخرج ذاع صيته العام الماضي بعدما قدّم في برلين (وقبله في تورونتو) فيلماً وثائقياً اسمه "فعل القتل" عن مجرمين يعترفون أمام الكاميرا بأفعال شنيعة ارتكبوها خلال عملية تطهير الشيوعيين في اندونيسيا عام 1965. عدم قدرته على التحدث مع ضحايا هذه المجازر المنظمة بسبب الخوف، جعله يروي الحكاية من وجهة نظر الجلادين، الأمر الذي اعطى فيلماً يضحك ويبكي في آن معاً. في هذه التتمة، منح اوبنهايمر الكلمة لشقيق أحد الذين قُتلوا خلال تلك الحملة التي قادتها السلطة ضد الشيوعيين. النتيجة: 98 دقيقة نغوص خلالها في تراجيديا انسانية لا تزال تلقي بظلالها على الواقع الاندونيسي، كون المجرمين لا يزالون في مراكز القوة، والمصالحة مع الماضي لم تتم بعد.

ونال الفيلم الايراني "حكايات" لرخشان بني اعتماد جائزة السيناريو. هذا الفيلم معاينة للواقع الايراني، تتطرق من خلاله المخرجة بجرأة معينة الى مواضيع لا يتم تناولها في السينما الايرانية، كالمخدرات والأم العزباء والدعارة. اما جائزة لجنة التحكيم الخاصة، فذهبت الى الفيلم التركي "سيفاس" للمخرج الشاب كانّ مودجيسي الذي برع في تصوير حكاية صبي وكلبه المصارع. يبقى جائزة التمثيل التي استحقها كل من آدام درايفر والبا رورفاكر عن دورهما في "قلوب جائعة" لسافييرو كوستانزو.

مفاجأة الدورة 71 تمثلت في حصول فيلم "ذيب"، وهو باكورة المخرج الأردني الشاب ناجي ابو نوار، بجائزة أفضل مخرج في قسم "اوريزونتي". الفيلم يحمل ملامح وسترن وتجري أحداثه في الصحراء العربية في اوائل القرن الماضي. صبي من البدو وشقيقه يتركان قبيلتهما ليصبحا ملاحقين من قبل مَن لا يريدون لهم الخير.  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها