الجمعة 2014/08/22

آخر تحديث: 15:11 (بيروت)

ناهد صلاح: أردتُ خلع المرارة عن مقموعات

الجمعة 2014/08/22
ناهد صلاح: أردتُ خلع المرارة عن مقموعات
"الصورة عندي بطل يسهم في هذه الحالة المتفاعلة مع الحقيقي والافتراضي"
increase حجم الخط decrease
ناهد صلاح كاتبة وناقدة سينمائية، تترأس حالياً قسم الفن في جريدة "الأسبوع" وهي نائب رئيس التحرير. شاركت في تأسيس الصحيفة وكتبت في مجالات عدة فيها، وهي عضو نقابة الصحافيين المصريين، وعضو مجلس إدارة الجمعية المصرية لكتّاب ونقاد السينما، والمدير المالي لمهرجان الأسكندرية السينمائي الدولي، وتشغل منصب الأمين العام لجمعية "بيت السينما". بدأت مشوارها الصحافي في مجلة "روز اليوسف" وتنقلت بين صحف مصرية وعربية عدة. صدر لها حديثاً "الحتة الناقصة" عن هذا المشوار وعن هموم السينما.
وكان لـ"المدن" معها هذا الحوار:


- "الحتة الناقصة" يضم أشكالاً متعددة من الكتابة، هل يمكن اعتباره مجموعة قصص قصيرة؟

* دخلت هذه التجربة بدافع عاطفي فيه مس من الحنين، حتى أنني ظننت أن التجربة هي التي اختارتني وكذا اختارني إيقاع الكتابة، كنت في حضرة الذكرى والواقع. كل شيء ينطق بي وأنا أكتب، فلا كان الشكل يعنيني ولا التصنيف. الحالة هي التي فرضت نفسها بكل عنفوانها وحملتني إلى هذا الفضاء الحر الذي تتلهف فيه الروح للتخلص من حيرتها بالحكي، متجاوزة كل القواعد النقدية المشغولة بالتصنيف والأسئلة الملحة: هل هي رواية؟ هل هي مجموعة قصصية؟ هل هي سيرة ذاتية؟ أم يوميات عن الحب والثورة في مجتمع كل ما فيه يفور بالغضب والتغيير؟ هي أسئلة لا تستغرقني كثيرًا، فكتابتي حرّة لا شيء يحددها غير الشغف بالحكي وصنع الأسطورة والتماهي مع التراثي، هذا الخيط الخفي الذي يقود إلى حاضر غير بسيط، فيتداخل الزمان والمكان. الخيالي والواقعي... الحقيقي والوهمي، ويتسع أفق الحكايا فتصنع التفاصيل الصغيرة قصصها الكبيرة، وعند هذه النقطة تكتمل دورة الحياة ويكمل إيقاع الكتابة دورته وتتخلى الروح عن السأم كأنها تصرخ: لازلت هنا!

- ثمة أشكال من سرد حكايات واقعية عن الطفولة، لماذا إذن لم تكتبي سيرة ذاتية خالصة؟

* أنا لم أنظر ورائي لأودّع الماضي، لكني أردت أن أستعيد ولو جزءاً من الصورة، ربما حاولت أن أدرك ما أصبحت عليه شخصيتي وتكويني الآدمي والثقافي والاجتماعي من خلال الولوج إلى عوالم كنت ظننتها منسية، فاكتشفت أنها محفورة في داخلي بشكل أدهشني أنا شخصيًّا ورماني الحنين إلى الديار والأهل، إلى أشخاص سكنوا وجداني بشكل معاند وعصي على الفهم، عدت وأنا أشعر بهذا النقصان في الذات أحاول أن أعثر على المفقود مني، أستعير من التفاصيل القديمة صورًا كاملة التكوين، وأجدني أتعاطف مع الضعف والخطايا وأنا مأخوذة بالحنين الجارف للماضي على طريقة المقولة الشهيرة لأوسكار وايلد: "من المضحك حقًّا أن هذه الأيام التعيسة التي نحياها سوف تصير في المستقبل أيام الماضي الجميلة". ولكن هذا لا يعني أني معنية بكتابة السيرة الذاتية أو مشغولة بالتأريخ لحياتي، فقط الكتابة هنا هي وسيلتي لإنقاذ روحي من "التوهان"، وإذا كان هناك ثمة توثيق فهو توثيق للحب من خلال قصصه وحواديته المتعددة التي تحمل المعنى الذي أردته وهو العثور على "الحتة الناقصة".

- في كتابك تسجيل لبعض الحكايات الشعبية مثل حسن ونعيمة وعزيزة ويونس، هل يمكن أن يفضي انشغالك بتلك الحكايات إلى تسجيلها في كتاب مستقل؟

* استخدام الحكايات الشعبية هنا لم يكن مجانيًّا، لكنه كان لتأكيد تجربتي الخاصة في الكتابة والحب، فالحكاية الشعبية هي مفتتح لحكايتي أنا الراوية وهي خلفية ملونة لعالمي المتخيل والواقعي في الحكايات الأخرى التي سردتها، حسن ونعمية، سي عبده وألمظ، عزيزة ويونس، ناعسة وأيوب، زبيدة ومينو، زليخة ويوسف، وشهرزاد، هي صياغتي للعالم الحر وقد أدّت وظيفتها في هذه التجربة حسبما تخيلتها كإشارات دالة على فكرة الحب وتنويعاتها قبل الولوج إلى الحكاية الرئيسية وهي قصة الحب الموجودة بين بطلين ينتميان إلى العالم الحديث ويتواصلان عبر "شات الإنترنت" وقبل التوغل في الذاكرة واستعارة حكايات الماضي وشخوصه، هي هنا أدت دورها وانتهى الأمر، فلا يشغلني حاليًّا تجميعها كعمل مستقل بذاته، ربما فيما بعد أفكر في ذلك، ولكن هذا أمر قائم على توجهاتي المستقبلية.

- المرأة حاضرة بشكل واضح منذ الجدة وحكاياتها، والأم كذلك، وهناك تسجيل لطقوس نسوية في القرية المصرية، كيف ترين وضع المرأة في الريف المصري؟

* المرأة في هذا الكتاب سبقت الفكرة، فهي الكائن الأكثر تعرضًا للقهر في واقع تعس وبائس دائم الإدانة لها، لذا قررت أن يكون الكتاب لها كما كتبت في الإهداء "إلى أمي/ وكل البنات والستات في حياتي/ كل واحدة منكن أسطورة تمشي على الأرض". أما عن ستي، فأنا ظلها الممتد".. أردت أن أخلع المرارة عن أية امرأة عانت وقمعت لأنها نشدت الحب، أو بدون أي سبب في مجتمع لم يرحمها، ووضع المرأة في الريف المصري كان انعكاسًا لهذه الصورة المغلوطة في مجتمع ذكوري لا يؤمن بالمرأة التي تعيش تجربة حب قد تكون هي الوحيدة في حياتها كلها بينما ترفع رايات النصر للرجل المتعدد العلاقات، ربما تكون الصورة تغيرت قليلاً في الوقت الحالي، لكنها على عهدها في أن إعلان الحب من كبائر العيوب، والمثير أن هذا القهر الاجتماعي للمرأة يقابله جهد عظيم منها لبناء المجتمع والعائلة متغلبة على كل مرارات الواقع.

- وأنت ناقدة سينمائية، كيف أثرت اهتماماتك تلك في الكتابة؟

* وما الحياة سوى فيلم طويل؟ بالطبع هي ليست "نكتة"، لكني حين أكتب تتغلب عليَّ الصورة، وهذا أمر واضح في كتاباتي عمومًا، ربما تأثرت بالسينما بحكم عملي ولكنني مهتمة دائمًا بالتفاصيل التي تصنع صورة وتكونها، كما لو كنت أنا شخصيًّا داخل الكادر أرتب الأشياء وأزيح بعضها فيما أقدم الآخر، هي لعبة تعلمتها منذ صغري من أمي التي لديها هذا الولع اللانهائي بالسينما حتى أنها كانت أكبر مصدر معرفي بالنسبة لي، وعلى أي حال أعود لأؤكد أن كتابتي هنا حرة غير ملتزمة بقواعد معينة وإن تأثرت بشيء معين فذلك طبيعي لأنه جزء من وجداني. على أي حال فإن الصورة عندي بطل يسهم في هذه الحالة المتفاعلة مع الحقيقي والافتراضي مما يزيد من الشغف ويخلق حالة من التشويق تشبه التشويق السينمائي.

- محادثات الإنترنت أخذت حيزًا كبيرًا من اهتمامك في هذا الكتاب، من خلالها خلقت واحدة من قصص الحب الافتراضية التي نراها كل يوم. هل هذا نوع من إدخال الوسائط الجديدة في الكتابة الأدبية؟

* ربما، لكن في تجربتي خصوصية يمتزج فيها الخاص بالعام، هي ليست قصة حب عادية أو مجرد حدوتة جمعت بين اثنين يعانيان من الفراغ أو الرغبة في البوح، فهي حدثت بوعي من الطرفين بكل ما يحيطهما من ظروف مجتمعية قاسية في عام ساخن مرت به مصر هو عام حكم الإخوان، كما أن الشكل الفني في الكتاب عمومًا له تفرده ويقودك إلى كتاب لا يحكي عن الحب فقط بين طرفين ولكنه تجربة تعيد تشكيل الحياة وفق قواعد الحب والتسامح وتتأرجح بين الماضي والحاضر عبر فضاء إلكتروني ولا تمنحك إجابة واضحة، بل تشدك معها إلى متاهة "الحتة الناقصة".

- ثمة "حتة ناقصة" في كل القصص وعند كل الناس، هل ساهم كتابك في عثورك على الناقص لديك في محاولة لإكماله؟

* كل ما أستطيع قوله إن الحب ألهمني، الحب بدءًا من القصص في التراث والدين إلى لعبة الشد والجذب بين بطلي الـ"الفايسبوك" مرورًا بالقصص المخفية في ثنيات المجتمع، اعتمدت الحب خطًّا بارزًا لا شك فيه وسعيت إلى ترميم الحكايا واستكمال "الحتة الناقصة"، وعلني أكون قد اكتملت بنقصان.
increase حجم الخط decrease