الإثنين 2014/11/03

آخر تحديث: 13:12 (بيروت)

الروائي أشرف الصباغ: لا أدب بلا أيديولوجيا

الإثنين 2014/11/03
الروائي أشرف الصباغ: لا أدب بلا أيديولوجيا
نجيب محفوظ الوحيد الذي امتلك منهجًا إبداعيًّا متكاملاً، وبالتالي امتلك رؤية بانورامية بخصوصية مصرية
increase حجم الخط decrease

أشرف الصباغ ليس مجرد قاص وروائي، رغم أنه أصدر حتى الآن أربع مجموعات قصصية وثلاث روايات. وليس مترجمًا فحسب، رغم نقله لمجموعة من الأعمال الأدبية والفكرية من الروسية إلى العربية. هو غير ذلك إعلامي، يقف أمام الكاميرا في أكثر المناطق توترًا في العالم بفعل الصراعات والحروب، وهو- وهذا هو الأهم- مثقف واسع الاطلاع وفاعل، يمثل حالة مصرية خالصة متوقدة، لا ينحاز إلى من في السلطة ولا إلى المعارضة، لأن له قناعاته التي يؤمن بها ويكتبها بلا توقف.. لهذا حاورناه:

* هل تجد الأمر طبيعيًّا أن يستمر كاتب خمسة عشر عامًا في كتابة رواية؟ لماذا كل هذا الوقت؟ أهو مجرد انشغال عن الكتابة أم صعوبات في الكتابة نفسها؟

- الأمر بشكل عام طبيعي جدًّا في ما يتعلق بظروف محددة تخص الكاتب أو العمل الأدبي، أو كلاهما. لكنه مع هذه الرواية غير طبيعي بالمرة، ما يدفعني لرواية قصة هذه الرواية، فقد بدأت الكتابة فيها العام 1987، لم تكن في ذهني كتابة رواية وإنما قصة قصيرة، وحاولت نشر هذه القصة، لكني فشلت، نظرًا لخريطة النشر في مصر آنذاك، ولكوني مجرد كاتب شاب غير معروف. هذا، رغم أني بدأت النشر فعليًّا العام 1985 في مجلة "القاهرة"، ثم "الثقافة الجديدة"، وانقطعت عن الكتابة والصحافة تمامًا بعد سفري في خريف 1987 إلى موسكو ولمدة 8 سنوات كاملة. وبعودتي إلى الكتابة في 1995، بدأت نشر قصصي القديمة في العديد من الدوريات المصرية والعربية، وأصدرت مجموعتين قصصيتين "قصيدة سرمدية في حانة يزيد بن معاوية" و"خرابيش" العامين 1996 و1997 على التوالي. وبعد عام أصدرت المجموعة الثالثة "العطش والتي ضمت قصة "يناير". وبدأت أعمل على إعادة كتابة هذه القصة حتى خرجت رواية "يناير" العام 2000 تقريبًا.
في الحقيقة، أنا لا أود التعرض لأحد أو اجترار جراح قديمة قد يكون غيري مر بها أيضًا، بل وبأقسى منها. هذه الرواية أعدت للنشر في هيئة الكتاب، ثم ألقيت في صندوق القمامة، فأعطيتها لإحدى دور النشر التي طبعت عددًا محدودًا جدًّا العام 2002، واختفت بعدها الرواية.
نعم، كانت هناك صعوبات في الكتابة، خصوصاً في ظل السفر المتواصل والانشغال بلقمة الخبز والانتقال من عمل إلى عمل. في نهاية المطاف، أجريت تعديلات طفيفة عليها، وهي في الحقيقة تعديلات تخص موضوع الزمن، وبعض التفاصيل الخاصة بسيكولوجية الاحتجاجات الشعبية والجماهيرية، وغيّرت الاسم إلى "رياح يناير"، ووضعتها على الرف، حتى أصدرتها مجددًا دار "العين" العام 2014، بعدما أصدرت مجموعتي القصصية الرابعة "صمت العصافير العاصية" العام 2013. أي ببساطة، رواية "مقاطع من حياة أبو الوفا المصري" التي صدرت في 2006 كتبت ونشرت، قبل أن ترى "رياح يناير" النور الحقيقي!

* كتابتك الأدبية عمومًا- ومنها رواية "رياح يناير"- تميل إلى الاستفادة من عالم السياسة والأيديولوجيا، ألا تعتقد أن السياسة تفسد الأدب؟

- لا أدب بلا أيديولوجيا. ولا أيديولوجيا بلا خطاب أدبي– ثقافي– معرفي خاص بها. المسألة كلها تكمن في الحِرَفيَّة، وجماليات الطرح. وأعتقد أن المدارس النقدية أيضًا تنطلق من أرضية الأيديولوجيا بصرف النظر عن المسميات الرقيقة والرشيقة. وإذا عدنا حتى للمدارس الكلاسيكية في نهايات القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، سنجد أن ذلك ينسحب بدرجات مختلفة حتى على المدارس والاتجاهات التي لم تستمر وتجد التربة الأيديولوجية التي ترعاها. وفي الرواية، حاولتُ مناقشة الأيديولوجيات وليس طرحها. قد يتكون انطباع بوجود "الواقعية الاشتراكية"، وهذا ليس عيبًا على الإطلاق، فالواقعية الاشتراكية كنزعة إبداعية تمتلك الحق في الوجود كغيرها من النزعات. غير أننا، إذا تخلينا قليلا عن النظرة المسبقة، سنجد أن الكثير من مبادئ "الواقعية الاشتراكية" قد هُدم. فليس هناك أي شكل من أشكال التطهير، لا للانتفاضات ولا للاحتجاجات، ولا حتى لإرهاصات الثورة. وسنجد أن الأبطال غير مقدسين، بل إن معظمهم يرتكب الأخطاء نفسها ويكررها. كما أنه لا خط مستقيماً لتطور الوعي عند الشخصية عبر خطاب أيديولوجي واضح وصارم ومباشر.. كل ما في الأمر أن هناك طرحًا اجتماعيًّا. وقد يكون ذلك هو السبب في إشاعة هذا الانطباع.

* تعيش في موسكو منذ ربع قرن، ودرستَ في جامعاتها رسالتك للدكتوراة، إلى أي مدى استفدت من نمط الحياة الروسية في حياتك الشخصية وفي كتاباتك؟

- لقد عشت بالفعل أكثر من نصف عمري في موسكو: موسكو السوفياتية، وموسكو ما بعد السوفياتية. استفدت الكثير علميًّا وثقافيًّا وإبداعيًّا. وترجمت من الروسية أكثر من 15 كتابًا بين الفن التشكيلي والمسرح والسياسة، مرورًا بالنقد الأدبي والتاريخ السياسي والأدب، إضافة إلى تأليف وإعداد عدد من الكتب الأخرى في الأدب والنقد والمسرح والسياسة.
لقد استفدت بالفعل من نمط الحياة الروسي المتنوع أصلاً، فروسيا دولة متنوعة الثقافات والأعراق، وبالتالي العادات والتقاليد، وتعملت الكثير بداية من علاقتي بالمرأة وانتهاء بالنظافة الشخصية، مرورًا بضرورة قبول الآخر والحوار معه.
وفي كتاباتي، لا أستطيع تحديدًا أن أتحدث كثيرًا، لأني تربيت على الأدب الروسي الكلاسيكي، والسوفياتي.. وعملية الاستفادة هذه هي عملية تراكمات. ربما أكون قد استفدت كثيرًا من كتّاب ما بعد انهيار التجربة السوفياتية، الذين ضربوا عرض الحائط بكل مرتكزات ومبادئ الواقعية الاشتراكية. لكني عندما قرأت أعمالهم، وترجمتُ نماذج منها، اكتشفتُ أنهم تمردوا نظريًّا. لكنهم لم يقوموا بأي قطيعة مع الأدب الروسي الكلاسيكي، ولا مع الواقعية الاشتراكية، وإن كانوا يتحدثون كثيرًا عن الحداثة وما بعد الحداثة.

* هل تعتقد أن الأحداث الكبرى في التاريخ المصري الحديث صورت كما ينبغي في الرواية، مثل: تظاهرات 1968 و1972، وتظاهرات يناير 1977، وحرب أكتوبر، وغيرها؟

- لا.. لم يتم تصوير أي شيء كما ينبغي. ربما يكون نجيب محفوظ هو الوحيد الذي امتلك منهجًا إبداعيًّا متكاملاً، وبالتالي امتلك رؤية بانورامية لها خصوصيتها المصرية الشديدة. محفوظ تمكن من التعامل مع الأحداث التاريخية برؤية وقدرة الكاتب الكبير، بعيدًا من المشاكل التقنية والحرفية، وتجاوزًا للطرح الأيديولوجي الضيق.

* كيف ترى الموجة الحديثة في الرواية المصرية التي تحاول الذهاب إلى قبح العشوائيات والتفسخ الاجتماعي والضياع والجنس؟

- هذه الموجة منتشرة في العالم كله. وهناك تيارات إبداعية كاملة مرت بها، وكانت ضرورية في عبورها من منطقة إبداعية إلى أخرى أكثر اتساعًا ورحابة وتعبيرًا ودلالة. المسألة مسألة وقت من جهة، حيث يلعب العامل الزمني أو الفارق الزمني بيننا وبين أوروبا دورًا مهمًّا. وكذلك مسألة تطور الكاتب نفسه على مستوى الوعي والتلقي والطرح من جهة أخرى. وعمومًا لا أدب من دون جنس أو تقاطع مع تركيبة المنظومة الاجتماعية والأخلاقية والدينية!

* هل تعتقد أن كتابة السيرة الذاتية تنتج روايات كبرى؟

- نعم. لكن بشرط أن يكون الكاتب قد وصل إلى مستوى عال جدًّا من التقنية والحرفية والحرية الداخلية! هنا فقط يمكن للسيرة الذاتية أن تنتج روايات كبرى. فلا روايات كبرى أو صغرى إلا وكانت تتضمن مشاهد وهلاوس وأوجاع تنتظر ذلك الوعي الباطن لالتقاطها وهضمها على مدى سنوات طويلة، لكي تخرج بعد ذلك في أشكال وتجليات أخرى.

* أين تضع نفسك بين روائيي جيلك.. باعتبارك صاحب تجربة خاصة، وإنتاج أقل، إذا ما قيس ذلك على أي منهم؟

- هذا أصعب سؤال يمكن تلقيه. وربما لو جاء في امتحان، لرسبتُ على الفور. وفي كل الأحوال قد يكون الإنتاج على مستوى "الكيف" هو ما يهمني، وإن كان من الضروري الاهتمام بموضوع "الكمّ" أيضًا. وأعتقد أني عوّضت الكمّ والكيف معًا بمجموعة الكتب التي أصدرتها خلال السنوات العشرين الماضية والتي تمثل بانوراما معرفية متنوعة. وأظن أن هذا هو ما يتجه إليه العالم في الوقت الراهن: الرؤية البانورامية المرتكزة على ما تم إنجازه بالفعل من اكتشاف جسيمات دقيقة في العلوم، وتطبيقاتها في الوقع. وكذلك على ما تم الوصول إليه من تقنيات وأفكار وموضوعات في الكتابة عمومًا، والكتابة الأدبية على وجه الخصوص.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها