الأحد 2015/01/25

آخر تحديث: 16:32 (بيروت)

25 يناير.. الهروب من حالة اللامبالاة

25 يناير.. الهروب من حالة اللامبالاة
ميدان التحرير 2011
increase حجم الخط decrease

مساء 24 يناير 2011 كان النقاش الدائر بين الجميع على شبكات التواصل الاجتماعي هو: ما جدوى الخروج والتظاهر؟ تحول السؤال الى نبرة سخرية تحيل كل ما سيحدث الى ذكريات حركة كفاية (أول حركة احتجاجية ضد نظام مبارك)، بضعة أفراد يفترشون سلم نقابة الصحافيين بوسط القاهرة ويهتفون: يسقط حسني مبارك. وما بين السخرية  والحماس، قضى المصريون ليل الرابع والعشرين من يناير.


كنت فى هذه الفترة أحد المسؤولين عن موقع " الدستور الأصلي" بعدما جرى تفخيخ الجريدة بإقالة رئيس تحريرها الصحافي إبراهيم عيسى، وكان الموقع هو المعبر عن الصحافيين الذين اختاروا الرحيل معه.


في شقة صغيرة غير مجهزة كان الموقع الالكتروني. وبحكم العادة كنت أمر على ميدان التحرير كل صباح. ظهر الخامس والعشرين من يناير لم يكن الميدان مختلفاً عما سبق من استعداد الشرطة فى مثل هذه الحالات. تأهب وانتشار لقوات الأمن، مدرعات تقف على مداخل الميدان، كسل واضح ينتاب الجنود المتأففين من "شوية العيال" الداعين للتظاهرات، مجند يمسك بهراوة ويلوح بها في الهواء للعابرين في الكعكة الحجرية بحسب وصف الشاعر الراحل أمل دنقل.


قابلت فى هذه اللحظة زميلاً مهمته تغطية أخبار الميدان للموقع، ضحكت فور رؤيته وعاجلته بالسؤال: الثورة راحت عليها نومه ولا ايه؟


واصلت السير باتجاه عملي، حركة الشارع عادية إلا من تحفز أصحاب المحال القريبة من الميدان، أسئلة تشغلني وأنا أنظر للعيون المتربصة بالمارة: ما الهدف والجدوى من الصراخ والهتاف ضد مبارك ونجليه وحزبه وشلة منتفعيه؟ ما القيمة المضافة لهذا اليوم الذي يوافق عيد الشرطة المصرية؟ ما السبيل إذا وجدنا أنفسنا- نحن المعنيين بمستقبل هذا البلد- نجري فى شوارع وسط المدينة هرباً من طلقات الغاز الخانق؟


كل الأسئلة تجمعت وأنا أجلس على المكتب واستقبل الأخبار الواردة من محافظات وشوارع مصر، خبر تلو آخر يؤكد أن شيئاً ما يتكون، غضب يتبلور ويتشكل ويستعد للظهور، وربما الانفجار فى وجه سلطة نجحت فى خلق حالة من تسطيح المشاعر بعدما جرفت وعي الناس الى منطقة اللامبالاة.


كان التلفزيون المصري يبث في الثانية من ظهر ذلك اليوم فيلم "يوم من عمري"، وكان عبدالحليم حافظ يغني فى لوعة" يوم من عمري هو اليوم اللي اتهنيت فيه واللي بكيت منه وعليه". قطع غناء حليم هتاف تظاهرة صغيرة تخترق شارع قصر النيل القريب من الميدان، تبعتها مسيرة أخرى للمحامين باتجاه الميدان، ثم ثالثة للصحافيين وعدد من شباب الأحزاب السياسية. فى نفس اللحظة كانت هناك تحرك لمسيرة من إمبابة، وثانية من ميدان مصطفى محمود.


نزلت من المكتب فى اتجاه الميدان، المسافة ليست بعيدة، لكن أن أسمع صوت الهتافات من هذا المكان فهذا معناه.. لم أكن أعرف بالضبط.


الغضب عدوى وكذلك الهتاف. في الرابعة كانت كل الوقائع تشير بوضوح إلى شيء ما، لم يكن معروفاً لكن صداه يتردد بشكل ملموس بين الجميع، أعداد غفيرة فى الميدان، شرطة مذعورة تجري هرباً من طوفان البشر. جنود الأمن المركزي يقفزون فوق الأسوار الحديدية  ويخلعون ملابسهم الميري. مشهد يعني الكثير لمن شهد وشاهد تجبر وتغول الشرطة فى الشوارع. إذاً هي ثورة أو انتفاضة.. لا يهم، هي حركة شعبية جاءت في موعدها تماما.


ساعتها كنت أغني وأنا أسير وسط الجموع: يوم من عمري هو اليوم اللي اتهنيت فيه"..


هدأت حدة الاشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين، كل طرف أخذ يرتب أوراقه، الأمن انسحب، والثوار (ظهرت هذه الكلمة فى الخامسة مساءاً عندما استولى المتظاهرون على مدرعة شرطة) بدأوا فى تأمين مداخل ومخارج الميدان. كنت أسير وأشاهد وأدون ما أرى. سياسيون وصحافيون ينتمون للمعارضة كان ظهورهم مقصوراً على شاشات الفضائيات، يقفون الآن وسط الشباب الغاضب والسعيد بالانتصار المؤقت على داخلية حبيب العادلي، هتاف "الشعب يريد إسقاط النظام يتردد في كل مكان بالميدان، الدعوات للاعتصام والمبيت من دون مطالب واضحة، النقاشات الجانبية ، السؤال المزعج: وماذا بعد؟


نجحت قوات الشرطة في فض المحتدشين في الميدان بدقائق. سيل من قنابل الغاز حولت العرس إلى مأتم، الكل يجري ولا يعرف من كثافة الغاز إلى أين المسير، حرب عصابات بين الشرطة والمحتجين بدأت بعد منتصف الليل حتى صباح السادس والعشرين من يناير.


أتذكر كل اللحظات بعد أربع سنوات فأجدني أكمل الأغنية التى كنت أغنيها : يوم من عمري .. بكيت منه وعليه.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها