الأحد 2014/07/27

آخر تحديث: 12:59 (بيروت)

"داعش".. تنظيم مالي يمنع الفساد

الأحد 2014/07/27
"داعش".. تنظيم مالي يمنع الفساد
حظيت خطة أبو الأثير بإعجاب ابو بكر البغدادي القائد العام للتنظيم، فأخذ بها بحذافيرها (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
بسط تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" مؤخرا سيطرته على مناطق واسعة شرق سوريا بعد تمكنه من القضاء على جميع التنظيمات السلفية الجهادية الاخرى التي كانت تنازعه النفوذ في محافظتي الحسكة ودير الزور، كان على رأس هذه التنظيمات جبهة النصرة، التي كانت تضع يدها على أكبر ثلاثة أبار نفط في سوريا وهي بئر عمر، بئر الملح، بئر التنك، وهي جميعها موجودة في محافظة دير الزور.
 
تغلب التنظيم على منافسيه من المجموعات السلفية الجهادية الاخرى في سوريا، جاء بعد سيطرته على مناطق واسعة في العراق، وبالتالي حصوله على موارد مالية كبيرة من خلال سيطرته على مؤسسات استراتيجية عراقية، كبنك الموصل الذي سلب منه التنظيم حوالي نصف مليار دولار كانت في خزائنه.
 
يحظى التنظيم أيضاً بموارد مالية ضخمة في المناطق السورية التي بسط عليها سيطرته في الأشهر الأخيرة، فهو يحصّل من مشتركي شبكات الكهرباء والماء والاتصالات الأرضية في محافظة الرقة وأرياف حلب الشرقية، رسوماً شهرية ثابتة بغض النظر عن وصول الخدمات أو عدمها، كما أنه يحصّل من مستأجري أملاك الدولة الإيجارات الشهرية التي كان يدفعها المستأجرون من السكان لمؤسسات الدولة المالكة لهذه العقارات، بالإضافة إلى سيطرته على جميع الأراضي الزراعية العائدة ملكيتها للنظام.

وضع التنظيم يده خلال صراعه مع مختلف فصائل الثوار على أملاك منتسبي الفصائل التي أعلنت الحرب عليه مع بداية العام الحالي، شملت هذه السيطرة مساحات واسعة من الأراضي الزراعية بالإضافة إلى كمية كبيرة من العقارات السكنية والتجارية في مدينة الرقة وريفها وريف حلب الشرقي ومدينة دير الزور وأريافها، وارياف مدينة الحسكة الشرقية والجنوبية.
 
الموارد المالية الكبيرة التي أصبح يتمتع بها التنظيم مكنته من بناء مؤسسات أمنية يحافظ من خلالها على سيطرة محكمة على المناطق التي بسط نفوذه عليها، كما مكنته من تطوير قدراته العسكرية التي اعتمد عليها في توسع مناطق سيطرته، كل ذلك بفضل الادارة المالية المركزية التي أقامها التنظيم، والتي جعلت كل هذه الموارد المالية الضخمة التي يحوزها تصب في ما يسميه التنظيم بـ"بيت مال المسلمين".
 
وكان القيادي في تنظيم "داعش" عمرو العبسي، المعروف باسم أبو الأثير الشامي، قد وضع النظام المالي للتنظيم بعد أن اقترح على قائد التنظيم أبو بكر البغدادي، تطبيق نظام مالي متكامل يتمكن التنظيم من خلاله من حفظ المكاسب المالية التي يحصل عليها من الضياع الذي أصاب الموارد المالية للتنظيمات السلفية الاخرى المنافسة لتنظيم داعش.
 
ويقول أبو صفية السوري، أحد المنشقين عن التنظيم لـ"المدن" عن كيفية إقرار الإدارة المالية للتنظيم، أن أبو الأثير الذي كان والياً لحلب في صيف العام الماضي أرسل كتاباً مطولاً لأبو بكر البغدادي، أرفقه ببحث بعنوان "فتنة الغنائم"، شرح فيه مدى الترهل الذي أصاب التنظيمات العاملة في سوريا بسبب عدم وجود نظام مالي يضمن حفظ أموال وغنائم هذه التنظيمات، فجبهة النصرة وحركة أحرار الشام ومختلف كتائب الجيش الحر كانت تفتقد إلى آلية تنظيم للأموال والأملاك التي كانت تبسط سيطرتها عليها، حيث كانت هذه التنظيمات تقوم بتقسيم الأموال على قادة الكتائب المشاركة في العمل العسكري الذي أدى لاكتساب هذه الأموال، بدون أن يكون لديها نظام لتجميعها وتسخيرها لخدمة المصلحة العامة لهذه التنظيمات.

وبحسب أبو صفية، اقترح أبو الأثير في كتابه أن يقوم أبو بكر البغدادي بإقرار نظام مالي يقوم على وضع جميع الأموال التي يكتسبها التنظيم في انتصاراته العسكرية في صندوق واحد، يعود الاشراف المباشر عليه لأمير التنظيم، من دون أن يقوم التنظيم بتوزيع أي حصص من الغنائم التي يكتسبها على العناصر المشاركين في العمليات العسكرية، في المقابل أقترح أبو الأثير أن يُوضع نظام رواتب متكامل يضمن للعناصر الكفاية المادية، بالإضافة لوضع نظام عقوبات تطبق على العناصر الذين يقومون بالتعدي على الأموال التي يغتنمها التنظيم.
 
ويتضمن النظام المالي الذي أقترحه أبو الأثير أيضاً، تأسيس ما أُطلق عليه في ما بعد اسم "ديوان الغنائم"، الذي تسجل فيه جميع الاموال التي يحوز عليها التنظيم بعد انتصاراته العسكرية، بحيث تبقى هذه الاموال مسجلة ليتم تحويلها في ما بعد إلى "بيت مال المسلمين"، الذي يشكل المالية العامة للتنظيم.
 
حظيت خطة أبو الأثير بإعجاب ابو بكر البغدادي القائد العام للتنظيم، فأخذ بها بحذافيرها، وعمّم على الأمراء المحليين في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم تعليماته القاضية بتطبيق هذه الخطة، التي مكنته من خلال سيطرته على جميع أموال الكتائب التابعة للتنظيم وأسلحتها من ضمان ولاء جميع هذه الكتائب.
 
في المقابل أقر التنظيم نظاماً للرواتب والمكافآت لعناصره، حيث يتقاضى العنصر المقاتل راتباً يتراوح بين 300 و500 دولار أميركي كراتب شهري، مع حصوله على مكافآت في حال مشاركته في عملية عسكرية كبيرة انتهت بإحراز التنظيم تقدماً مهماً.
 
وتطبيقاً لخطة أبو الأثير كذلك، وضعت قيادة التنظيم نظاماً للعقوبات على العناصر الذين يتعدون على أموال التنظيم أو يجاوزون الصلاحيات الممنوحة لهم بالمداهمة والمصادرة حين يقومون بأخذ أموال أعداء التنظيم وحيازتها لملكهم الخاص. أطلق التنظيم على هذه الافعال اسم "الاحتطاب"، ويعاقب مرتكبها من عناصره باتباع دورات شرعية في سجون التنظيم، قد تصل في حال التكرار إلى الإعدام.
 
هذا النظام المالي الذي طبقه "داعش" مكنه من التفوق على الحركات السلفية الجهادية الاخرى المنافسة له، ذلك من خلال تسخير جميع الموارد المالية لخدمة المصلحة العليا لتنظيم "داعش"، على عكس حالة الترهل والفساد التي قضت على فرص التنظيمات السلفية الجهادية الاخرى في بناء منظومة مركزية موحدة، تضمن لهم حيازة إمكانات مادية موازية للإمكانات التي تمتع بها "داعش".
increase حجم الخط decrease