السبت 2014/08/02

آخر تحديث: 11:54 (بيروت)

داعش: منظومة استخباراتية لتثبيت الولاء للدولة

السبت 2014/08/02
داعش: منظومة استخباراتية لتثبيت الولاء للدولة
أحد الأمنيين في اجتماع "التوبة" التي قبلها التنظيم من مسلحي عشيرة الشعيطات بدير الزور قبل يومين
increase حجم الخط decrease
يسيطر تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام "داعش" على مساحات واسعة شرق سوريا، ويفرض على مناطق سيطرته قبضة أمنية حديدية بواسطة مؤسسات أمنية تقوم بمراقبة كل ما يجري في مناطق سيطرة التنظيم، بل حتى أنها تقوم بمراقبة تحركات وآراء مقاتلي التنظيم وعناصره.

على رأس الاجهزة الأمنية التابعة لـ"داعش" يأتي جهاز "أمن الدولة الاسلامية" وهو تشكيل داخل التنظيم مؤلف من مئات العناصر غير السوريين ممن يتميزون بالولاء الشديد لقائد التنظيم، أبو بكر البغدادي.

يُعرف العناصر التابعون لأمن الدولة الإسلامية بـ"الأمنيين"، وهم مجموعة من المهاجرين (مقاتلون غير سوريين) مجهولي الهوية بالنسبة للسكان وعناصر التنظيم الآخرين، فهم يُعرفون فقط من خلال اسم حركي يقومون بتغييره بين الحين والآخر، ولا يظهرون للعلن في مناسبات الاعدام والجلد التي يجمع التنظيم السكان لحضورها من وقت لأخر في المدن والبلدات التي يسيطر عليها.

يحظى أولئك بقدر كبير من المهابة والرعب في مناطق سيطرة التنظيم. فلهم الكلمة العليا في السجون الأمنية والسجون السرية التابعة للتنظيم، من دون أن يكون لهم أي دور في الاشراف على السجون الجنائية، وسجون المخالفات، التي يشرف عليها جهاز "الحسبة" التابع للتنظيم أيضاً.

وكان التنظيم قد أفتتح عدداً من السجون الأمنية في المدن التي يسيطر عليها، وأوكل الإشراف عليها للشخصيات الغامضة التي يتهامس الجميع واصفاً اياها بـ"الأمنيين". في مدينة الطبقة (شرق حلب 300كم) أفتتح التنظيم سجنا أمنياً يعرف بين السكان بسجن "البرج" (نسبة إلى برج في مديرية استصلاح الاراضي الزراعية قرب المدينة يتم فيه حبس من يعتبرهم التنظيم خطرين إلى درجة استثنائية). 


عبد السلام الأحمد، شاب في أوائل العشرينات كان يعمل مع إحدى كتائب "لواء التوحيد" في منطقة السجن، يقول لـ"المدن" متحدثاً عن إقامته لأربعة أشهر في هذا السجن قبل أن يتم إطلاق سراحه بعد صفقة تبادل مؤخراً، إن المكان معزول عن العالم بالكامل، المعتقل فيه لا يمكن أن يرى الشمس ولا يمكن أن يسمع أي شيء سوى أصوات أنات وصراخ المعتقلين الآخرين الذين يتعرضون للتعذيب.

ويضيف "لقد تم اعتقالي من منزلي إبان انطلاق المواجهات بين لواء التوحيد وتنظيم داعش. فتم جلبي إلى هذا السجن، أُدخلت إليه وأنا معصوب العينين، تم رميي في منفردة مساحتها 2 متر مربع لمدة عشرة أيام بدون أن يكلمني أحد. بعد ذلك تم التحقيق معي مرات عديدة".

ويتابع "كان أمنيو التنظيم يحققون معي، دائماً ما كانوا ملثمين، حتى إن السجانين لا يمكن أن يروا وجوههم أو يتعرفوا إليهم، كانوا يطلبون مني قوائم بأسماء كل من يعمل أو يتعاون مع كتائب الثوار، كما كانوا يطلبون مني معلومات تفصيلية عن الأموال والاسلحة العائدة للكتائب والتشكيلات العسكرية. حاولت التكتم على المعلومات قدر الامكان بالرغم من أساليب التعذيب القاسية التي تعرضت لها والتي لم يكن التعليق على "البلنغو" أقساها (التعليق على البلنغو يتم من خلال ربط رجليّ ويديّ المعتقل معا إلى الخلف ومن ثم تعليقه من هذه النقطة وسكب الماء البارد عليه أو تعريضه للحرق أو ربط وعاء إلى صدره ووضع جرذ داخل هذا الوعاء ليقوم بنهش لحم صدر المعتقل)".


وأضاف "عندما فشلت كل أساليب التعذيب بانتزاع معلومات كبيرة مني، قام الأمني الذي كان يحقق معي بعرض مبلغ مالي كبير، عشرون ألف دولار أميركي، مقابل الخروج من المعتقل ومواصلة العمل مع كتائب الثوار وتوريد المعلومات له بشكل دوري. رفضت ذلك مدعيا أني لا أرغب بمواصلة العمل المسلح، وخصوصاً مع حالة الفوضى الحالية".

بعد انتهاء التحقيق مع عبد السلام تم تحويله إلى "مهجع التبادل" في السجن، وهو المهجع الذي يجمع فيه التنظيم مختلف معتقلي كتائب الجيش الحر ممن يقرر أمنيو تنظيم داعش عدم إعدامهم بهدف مبادلتهم مع أسرى للتنظيم في يد تلك الكتائب.

بالإضافة إلى المعتقلين من كتائب المعارضة في سجون "أمن الدولة الإسلامية" تحوي هذه السجون أيضا على معتقلين من منتسبي تنظيم "داعش" نفسه، حيث يقوم "أمنيو" التنظيم بشكل سري مستخدمين أسماء مستعارة تُظهر أنهم عناصر عاديون في التنظيم بجولات ميدانية على حواجز التنظيم ومقراته ونقاطه العسكرية، فيراقبون تحركات عناصر التنظيم واحاديثهم ويقومون برفع تقارير دورية إلى القادة المحليين المرتبطين مباشرة بقائد التنظيم العام أبو بكر البغدادي، يقومون من خلال هذه التقارير بتقييم أداء وأفكار كل عناصر ومنتسبي التنظيم بحيث يحافظ القادة المحليون على إطلاع دائم على تحركات وأفكار عناصرهم.


ويقوم الأمنيون في سياق عملهم هذا باقتراح اعتقال بعض العناصر، الذين يبدو عليهم التذمر من أوامر القادة المحليين، ليتم اعتقال هؤلاء من قبل الدوريات الأمنية ومن ثم إيداعهم في ما يسمى بـ"مهجع الأخوة" بهدف إخضاعهم لدورات "شرعية" لإعادة تسيير قناعاتهم وفق
الخط الذي يرسمه "أمنيو" التنظيم.


أبو البراء، أحد عناصر جبهة النصرة الذين رفضوا قتال تنظيم داعش، تم اعتقاله وتحويله إلى "مهجع" الأخوة في سجن "أمن الدولة الاسلامية" الذي اتخذه التنظيم في مبنى القصر العدلي في مدينة الباب بريف حلب الشرقي. يتحدث أبو البراء عن فترة اعتقاله قائلاً لـ"المدن": "تم اعتقالي من منزلي الكائن في ضواحي مدينة الباب، بعد تحقيق قصير معي تبين للأمني الذي كان يحقق معي أنني لم أشارك في قتال تنظيم داعش، فقرر تحويلي إلى مهجع الأخوة ليتم بعدها اخضاعي للدورة الشرعية التي قام بها ثلاثة من أمنيي التنظيم، تبين لي من لهجاتهم أنهم تونسي ومصري وعراقي، قاموا بإعطائنا دروساً عن ضرورة الطاعة المطلقة للأمير وعدم عصيان أوامره، وعن عقائد الولاء والبراء وغيرها من الامور التي يعتمد الأمنيون على ترسيخها في عقول منتسبي التنظيم بهدف تحويلهم إلى آلات تنفذ ما تؤمر به بدون تفكير". وأضاف "تمكنت في النهاية من التهرب من العمل مع التنظيم بعد أن أقنعت الأمني التونسي بأني معيل لعائلة كبيرة ولا يمكنني الابتعاد عنهم".


بالإضافة إلى ما ذكر من سجون، يشرف أمنيو التنظيم على مجموعة سجون سريّة يتخذونها في العادة في أماكن قصيّة خارج المدن والبلدات التي يسيطر عليها التنظيم، وينقل إلى هذه السجون السريّة المعتقلون الذين يقوم التنظيم بخطفهم سراً دون أن يتبنى مسؤولية اعتقالهم، كما يُعتقد أن أمنيي التنظيم يحتفظون بالصحافيين السوريين والأجانب الذين أختطفهم التنظيم في هذه السجون.

تتم في هذه السجون جميع عمليات التصفية السريّة التي يقوم بها التنظيم، ولا توجد معلومات دقيقة عن أعدادها أو أعداد المعتقلين فيها، إلا أن السكان في ريف حلب الشرقي يتحدثون عن مزارع قام التنظيم بالاستيلاء عليها شرق بلدة بزاعة، ومن ثم تحويلها إلى سجون سرية، ذلك أن التنظيم أقام حواجز في المنطقة بهدف منع السيارات العابرة للطرقات من الاقتراب من هذه المزارع.

increase حجم الخط decrease