الأحد 2016/08/21

آخر تحديث: 19:38 (بيروت)

مورو لـ"المدن": قضيتنا الحرية وليس الحكم الإسلامي

الأحد 2016/08/21
مورو لـ"المدن": قضيتنا الحرية وليس الحكم الإسلامي
راشد الغنوشي والباجي قايد السبسي وعبدالفاتح مورو خلال المؤتمر العاشر لحركة النهضة (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease

تمكّن نائب رئيس "حركة النهضة" عبدالفتاح مورو من أن يكون شخصاً استثنائياً بين الإسلاميين. فأفكاره التي طرحها منذ 30 عاماً انتصرت لها "النهضة" مؤخراً؛ يجمع مورو بهندامه الوطني بين التراث التونسي وعمامة الشيخ تأصيلاً لهويته الوطنية، أما هويته الاسلامية فهي محط نقاش بين الاسلاميين انفسهم، ذلك أن مورو يقدم المفهوم المدني على المفهوم الديني في العمل السياسي، ما جعله محط انتقاد الكثيرين ممن يشتغلون في الاسلام السياسي.

"المدن" التقت مورو على هامش مشاركته في المخيم الشبابي لرابطة الطلاب المسلمين في لبنان، وكان معه الحوار التالي:


"ليست قضيتي حكماً إسلامياً، وإنما الحرية التي تضمن بقائي واستمراري ومن شأنها ان تكون ملاذي وملاذ كل الاسلاميين لو انقلبت الامور السياسية عليهم وباتوا خارج الحكم" يقول مورو.


ولكن ماذا عن المفهوم الملتبس للحرية عند الاسلاميين، وفهمهم لها على انها تفريط بالثوابت وخروج عن الاصول الاسلامية؟


- نحن اضطهدنا لسنوات كإسلاميين، ومورست بحقنا شتى انواع التعذيب، فلا افهم اليوم لماذا يفرط الاسلامي بحقه أن يكون حراً على المستوى السياسي والدستوري والقانوني، وأن ينعم بحقه بأن يختار لنفسه ما يشاء، من دون استغلال مفهوم الحرية على شكل انحرافات سلوكية. الحرية بالنسبة الى الاسلاميين هي ملاذهم لعدم استمرار الاستبداد، وادعوهم الى النضال لأجلها.


لا يلغي مورو الفكرة القائمة على ان نظرة الاسلاميين للحرية تعني استباحة الممنوعات والمحرمات وفعل الموبقات تحت عباءة الحرية، لكن يستبعد ان تنتهي الحريات في بلاده تونس الى فوضى. ويقول:


- في مجتمعنا هناك موروث يضع ضوابط، ولكن للأسف فإن مجتمعاتنا الاسلامية بشكل عام لا تفهم معنى الحرية، لأننا لم نمارسها وأخشى أن يكون طبع في جنياتنا حب الديكتاتورية وتسهيل الظلم للحاكم.


لكن مورو يعود ليقول بأن الموروث نفسه "يعطل فكرنا وتصرفاتنا، وهو تراكم لأحداث وعادات وتقاليد تجعل مجتمعاتنا تحت نير الاستبداد، لذلك لا ادرك لماذا لا يناضل الاسلامييون من اجل الحرية التي تحفظ وجودهم، وهي من صلب الشريعة الاسلامية القائم في ذاته على مفهوم الحرية، فالتوحيد بالنسبة لنا هو تعبير المرء عن عدم خضوعه لأي مؤثر خارجي الا ما يقرره هو لنفسه، وهذا معنى الحرية الاساسي".


إن الارادة المعطاة للانسان هي ارادة عالمة، فحرية الانسان قائمة على الفهم والادراك؛ ادراك المصلحة وتحقيقها، وهي ليست مطلقة بمعنى انه لا يمكنه الاعتداء على حقوق الاخرين.


الله لم يلغ حق الانسان في حريته كونه متوقعاً أن يخطىء، فسمح له ان يخطىء ليتجرأ على الحرية والابداع وان لا يخاف اذا اخطأ بل ضمن له ان يتوب وتقبل توبته حفاظا على حقه في الابداع والحرية في الخيار.


تونس وحكومة الشاهد

يرى مورو أن مطالبة "النهضة" بتمثيل أوسع لها في الحكومة الجديدة هو حق لها، ولكن "النهضة" لم تضع شرطاً مسبقاً للدخول الى الحكومة بحقائب معينة. ويوضح "أن نطلب 6 حقائب ونحصل على أقل من ذلك ليس بالامر الخطير إذا كانت المصلحة الوطنية تقتضي ذلك"، ويذكر أن رئيس "حركة النهضة" راشد الغنوشي عرض الأسماء المطروحة من قبل الحركة على رئيس الحكومة الجديد يوسف الشاهد، وهي تضم كفاءات من شباب ونساء.


يضحك مورو من قول المعارضة إن حكومة الشاهد هي "حكومة المحاصصة"، ويسأل "كيف تشكل الحكومات إذاً؟ نحن اخذنا باعتبارين عند تشكيل الحكومة الجديدة، الاول: أن يكون توزيع الحقائب على حجم الوزن السياسي للاحزاب المشاركة فيها. والثاني: أن يكون الوزراء من الكفاءات نظراً لحاجة البلد إليهم، وبالتالي وجهة نظر المعارضة غير معتمدة في تشكيل الحكومات".


يؤكد مورو أن "النهضة" تدعو لدولة مدنية، وفي التاريخ الإسلامي ليس هناك من دولة دينية بمفهوم القداسة، بل دولة يتم اختيار رئيسها، وهو يسيرها، وتوجد مؤسسات تراقب وتحاسب. "نحن لا ندعو الى حكم ديني، ومن يخاصمنا من الاسلاميين وغيرهم في هذا المجال نقول لهم لا تفقهون تاريخاً. راجعوا عقولكم وتاريخكم، إن الحكم في الاسلام حكم مدني والحاكم مسؤول امام شعبه يعينه ويعزله، وهو يحكم باسم الشعب لا باسم الله، وشعبنا في النهضة كله يدرك ذلك ولهذا يرفض حكم الملالي والحكم الديني"، يوضح مورو.


البعض اتهم "حركة النهضة"، بفصل نشاطها الدعوي عن السياسي، بأنها تلقّت إملاءات خارجية لإحداث ذلك التغيير اللافت. يستهزىء مورو من ذلك الحديث، ويقول:

- إذا كانت الاملاءات الخارجية تغير القناعات فهذا أمر خطير جدا، نحن مارسنا هذا الامر قبل الإعلان عنه، وقررنا أن نعرض أنفسنا على الشعب ليختارنا، وليس على المشايخ والملالي.

التجربة المصرية درس لتونس

يرى مورو أن تجربة حكم الاخوان في مصر تجربة خاصة، ويعتبر أن النزاع ليس بين اسلاميين ومدنيين، وإنما بين "مدنيين وحكم العسكر"، الذي حكم مصر لعشرات السنوات وتأصل في الحكم، فلما ربح الاسلامييون الانتخابات وأرادوا أن ينزعوا بعض الصلاحيات من العسكر ثاروا عليهم ووضعوهم في السجن. ويعتبر مورو أن أي حزب غير الاخوان (غير إسلامي)، إذا ما أراد أن ينزع صلاحيات العسكر "سينتفض عليه الجيش ويسجنه".


"النهضة"، بحسب مورو، أدركت خيوط اللعبة في مصر، وأسقطت التجربة على تونس. "كان الزلزال المصري أساسياً لنا"، حيث ساهم في استفاقة بعض القيادات النهضوية التي "كانت تنادي باستمرارنا في الحكم ونحن غير مؤهلين". يتابع مورو:


- دعوت الحركة الى عدم البقاء في الحكم، فالشارع التونسي لم يتهيأ لحكم الاسلاميين بعد، وفي الاصل الحكم لديه آلياته التي ليست لدينا. ومن يريد الدخول في ميدان لا يعرفه لا ينكب عليه مباشرة من دون تحسسه، لذا علينا ان نعزز حضورنا في المؤسسات وصناعة الكفاءات، فالدولة لا يحكمها الا اهل الاختصاص واصحاب الكفاءات، ونحن لم نصنع كفاءات تكفي للحكم فكيف نحكم؟ علينا تدريب الشباب على الحكم عبر الممارسة من داخل المؤسسات ذات المستوى الثالث والرابع، حتى يمكننا بعد فترة ان نصل الى امكان الحكم في المؤسسات ذات المستوى الاول والثاني.


من هذا المنطلق، لا يرى مورو أن الاسلام هو من فشل في مصر، وإنما "أشخاص لم تتوفر لهم الامكانات التي تمكنهم من الحكم، ولم يدركوا ان للحكم آليات، إن لم تكن لديك وأنت أفهم الناس، فلن تستطيع أن تحكم".


على الحركات الاسلامية ان تتطور والا اضمحلت


"على الاسلاميين أن يدركوا أنه آن الاوان لأن يكونوا جزءاً من الدولة". يكرر مورو هذه العبارة. ويقول:

- آلياتهم في البكاء والسجن والاقصاء لم تعد تنفع، عليهم ان يساهموا في ايجاد الحلول لمشاكل مجتمعاتهم وان يتحولوا الى اختصاصيين في الزراعة والهندسة والتنمية وإلا ما كانوا من أهل السياسة، فالدعوة الى الله لها اهلها، وما لا يفعله الكثيرون من الاسلاميين انهم لا يطرحون بدائل لمشاكل شعوبهم، لذلك يبقون على هامش الدولة منبوذين بعيدين عن القرار.

على الحركات الاسلامية ان تتطور كما فعلت النهضة والا اضمحلت. الواقع المطروح في تونس اليوم هو واقع مشاركة في الحكم، اي تغيير جذري في علاقة الحركة بالدولة، كنا على هامشها وخاصمناها وخاصمتنا وسجنتنا، والآن نريد أن نكون حركيين من داخل الدولة، وأن ندافع عن الدولة ومؤسساتها، سواء كنا في الحكم أو خارجه، ولا حياة لأي حركة اسلامية خارج الكيان الوطني والدولة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها