الإثنين 2014/09/08

آخر تحديث: 15:45 (بيروت)

جوبر.. جبهة ستبقى مشتعلة في دمشق

الإثنين 2014/09/08
جوبر.. جبهة ستبقى مشتعلة في دمشق
قوة الجبهة تعود إلى مجلس جوبر المحلي، لما له من دور رئيسي في المعارك، وعدم خضوعه للمجالس الموحدة في الغوطة
increase حجم الخط decrease
ما إن اقتحم النظام بلدة المليحة، حتى بدأ هجوماً هو الأشرس منذ بداية الثورة، على حي جوبر الدمشقي، أحد مداخل الغوطة الشرقية؛ وعلى الرغم من كثافة النيران لم يستطع النظام التوغل في الحي، أحرز تقدماً بسيطاً فقط من جهة "التربة الجديدة"، حيث الأبنية القديمة، وتستمر فيها معارك الكر والفر.

يساهم في منع قوات النظام من التقدم في الحي، ازدحام البيوت القديمة المتلاصقة مع بعضها، حيث تتمركز فيها قوات المعارضة المسلحة، وأهمها "لواء هارون" المشكل من أبناء حي جوبر، كما توجد مجموعات من ألوية وفصائل أخرى من خارج الحي. وتأتي قوة جبهة جوبر من وجود مجلس محلي، له دور رئيسي في دعم الجبهة، وتأمين الكثير من مستلزماتها، وعدم خضوعه للمجالس المحلية الموحدة في الغوطة. هذا المجلس، المدعوم من تجار "جوابرة" موجودين في الخارج، كان قد رفض وجود قوى جهادية في الحي، وقد أخرج مؤخراً عناصر جبهة النصرة منها. وهو يشرف على الجبهة والألوية المحسوبة على الحي، وفيه غرفة عمليات مشتركة، تقوم بالتخطيط المسبق للعمليات، وتخضع لها كافة الفصائل، بما فيها جيش الإسلام نفسه. وفي هذا السياق، يأتي تعاون المجلس المحلي مع لواء هارون الرشيد، في رفض اتخاذ أي هيئة أو تشكيل في الغوطة الشرقية، للقرارات نيابة عن الحي، ويساهم في ذلك رفض "الجوابرة" تلقي الدعم المالي من الدول الإقليمية، وقد يعود إلى خلافات قديمة بين أهل جوبر والغوطة؛ حيث يعتبر الجوابرة أنفسهم أبناء دمشق، في تمايز عن أبناء الغوطة "الريفيين".

تجاور البيوت والعمارات الكثيف، سمح للثوار بالصمود بعتادهم الخفيف. وساعدهم في ذلك، عدم قدرة النظام إدخال دباباته، وهو ما كلفه خسائر كبيرة في محاولاته المتكررة للاقتحام الميداني؛ حيث يعرف مقاتلو جوبر الأرض جيداً، ومن شبه المستحيل هزيمتهم في أرضهم. وبالتالي من غير الممكن اقتحامه ميدانياً، وهو ما يتطلب تدمير الحي بأكمله. ويذكر أن الضربات الجوية لم تتوقف أبداً، وفاق عددها الأربعين غارة جوية خلال أقل من أسبوع.

حجم الدمار الكلي في الحي وصل إلى 50 في المئة، وقرابة 40 في المئة نسبة الدمار الجزئي للأبنية. ويؤكد أحد المقاتلين، أنه لا يمكن الدخول إلى الحي ما لم يتم تدمير بالكامل. ويشار إلى أن جوبر تحاذي وتلاصق أحياء العباسيين والقصور والزبطاني على امتداد أكثر من ستة كيلومترات، وهو ما يعقد المعركة بسبب تداخل العقارات. ولا تزال تقطن جوبر قرابة 600 عائلة.

قوى المعارضة المسلحة الرئيسية المتواجدة في الحي هي: "ألوية الحبيب المصطفى" التي تضم "لواء هارون الرشيد"، ولم يُسجل لها انسحابات من المعارك. وهناك "جيش الإسلام"، الذي يسجل له الكثير من الانسحابات، ولكنه يخضع لغرفة العمليات المشتركة. وهناك "لواء شام الرسول" و"فيلق الرحمن" و"الاتحاد الإسلامي"، ومجموعة من الفصائل الصغيرة المستقلة. 

 النظام كما يبدو لن يتخلى عن جبهة جوبر هذه المرة، لأنه بالسيطرة عليها سيؤمن العاصمة، وقد يفتح "المتحلق الجنوبي" المعطل منذ سنوات. وبسقوط جوبر، يمكن ان تسقط القابون التي فيها وقف إطلاق نار وليس هدنة.

ربما لن يتراجع النظام عن حملته على جوبر، بسبب تقارير تتحدث عن أن التحالف الدولي ضد داعش لن يتحالف مع النظام، وسيجبر الأخير على الدخول بحل سياسي لإنهاء الحرب، وربما إسقاطه. وهذا ما يفسر شدة المعارك، وتصاعدها المستمر. وفي حال سقطت جوبر سيتم التضييق كثيراً على الغوطة الشرقية، بدءاً بحي القابون المجاور، ويحتمل أن ينقل النظام معركته الجديدة إلى داريا في الغوطة الغربية، كأخر معقل قريب للمعارضة من قلب العاصمة. حينها سيثبت النظام الهدن في كل من برزة والعسالي وكثير من المناطق المحيطة بدمشق. 

ويذكر بأنه من أسباب ثورة هذا الحي واستمرار جبهته، أن الحكومة أقامت في أراضي جوبر أوتستراد "المتحلق الجنوبي" في الثمانينيات، ولم تعوض أصحاب الأراضي الممتدة من الكباس إلى حرستا. كما تمت إقامة اوتستراد أخر، ولم يدفع للأهالي ثمن الأرض. وهناك أيضاً موضوع الدباغات، حيث تم نقلها من جوبر إلى عدرا شمال دمشق، وأجبر تجار الحي على شراء أماكن لورشهم هناك، ولم يعوض أصحاب الورش إلا بشكل رمزي، وهو ما أضرّ بمصالح عشرات التجار، وآلاف العمال. ويضاف إلى ذلك نقمة قديمة، تتعلق بأعداد المعتقلين السياسيين الكبيرة من أبناء الحي، الذين لا يزال مصيرهم مجهولاً منذ الثمانينيات.

خطورة المعارك دفعت النظام إلى إغلاق ساحة العباسيين الرئيسية في دمشق، وتحويل طرق المواصلات بعيداً عنها. في حين تهتز دمشق بأكملها، بسبب شدة القصف الجوي على جوبر.
 
لكن صمود حي جوبر، منذ بدء الحملة، يضعف احتمال انتصار النظام، ما لم تتغير شروط المعركة نفسها، سواء لجهة المقاتلين أو لجهة المعارضة. ولكن تسليم جوبر أمر غير وارد بسبب وجود فصائل محلية، ولا تخضع لسياسات زعيم "الجبهة الإسلامية" زهران علوش، واشتراطات المال السياسي الإقليمي. 
increase حجم الخط decrease