الثلاثاء 2014/09/02

آخر تحديث: 19:07 (بيروت)

المليحة وغنائم الحرب

الثلاثاء 2014/09/02
المليحة وغنائم الحرب
سيقلع حتى سيراميك المطابخ أيضاً
increase حجم الخط decrease
منذ الإعلان عن سقوط المليحة، لم تتوقف عمليات النهب والسرقة للبلدة، التي اعتبرت مستباحة من قبل مليشيات النظام، وكل ما فيها هو غنائم حرب. لا شيء يخرج من المليحة اعتباطاً؛ فالنهب سياسة منظمة ووفق قطاعات، وهي خبرات طورها الضباط والشبيحة حينما نهبوا أحياء في حمص والقصير ويبرود والنبك وغيرها. حيث يتقاسم الضباط المسؤولون عن بلدة المليحة، وصف الضباط والشبيحة، الغنائم، ويأخذون حصصهم من عمليات البيع للمنهوبات، والتي تتم عبر شاحنات صغيرة، تنقل كل شيء؛ من الأثاث والسجاد إلى الأدوات الكهربائية وأدوات المطبخ. 

تتم عملية النهب عبر تخصصات، ووفق قدرات الذين سيبيعون، فهناك شاحنات مخصصة للأدوات الكهربائية وأخرى للأثاث، بل أن هناك شاحنات متخصصة لألعاب الأطفال. وتمتد منافذ بيع المسروقات عبر البلدات الخاضعة لسيطرة النظام حول المليحة؛ من جرمانا، إلى كشكول إلى حارة الدير، إلى الدويلعة. وهناك شاحنات تمّت مشاهدتها في باب توما، وفي المزة 68، وكذلك في شارع الثورة، أو ما يعرف ب"سوق الحرامية". ويمكن أن يتم البيع إما لمحلات الأثاث القديمة، أو لمحال جديدة فتحت خصيصاً لهذه الغنائم. وهناك البيع المتفق عليه سلفاً، حيث يتفق بعض التجار الصغار مع شبيحة الدفاع الوطني على بضائع معينة. وهناك من يأخذ المسروقات الصغيرة إلى منزله؛ فمعظم الشبيحة من الفقراء؛ ثم يبيعون قسماً، ويستعملون القسم الأخر.

أسعار البضائع المسروقة زهيدة، فمثلاً يباع البراد بـ 30 ألف ليرة سورية (200 دولار)، بينما يبلغ سعره في السوق حوالي 180 ألف ليرة (حوالي 1000 دولار). وتباع مضخات الماء "الموتورات" بـ 4 ألاف ليرة، في حين يصل سعرها الحقيقي إلى 18 ألفاً. وتباع حمولة سيارة أثاث صغيرة بين أربعين وخمسين ألف ليرة، بينما في السوق يزيد سعرها عن مائتي ألف ليرة. 

تصف سيدة مشاهداتها للمسروقات: "رأيت فرن غاز مغلف بعناية، وكأن مالكته تركت المليحة، ولكنها لا تريده أن يتسخ". وتضيف "رأيت براداً جديداً عليه صورة أولاد صغار يحضنون بعضهم، ورأيت سيارة ممتلئة بألعاب الأطفال". وتقول بحزن "بهذه الأغراض أحلام وضحكات مسروقة، وأصوات أطفال كان بدهن يكبروا ما بعرف وين صاروا".

تعتبر المليحة بلدة ثرية؛ تعيش من الصناعة والزراعة، وفيها أثرياء دمشقيون أشتروا عقارات ولا سيما بعد عام 2000، بسبب قربها من دمشق. وعلى الرغم من أن أكثر من أربعين بالمائة من البلدة الآن مدمر بالكامل، إلا أن مصالحة سابقة عقدت في المليحة، وفرت فيها الكهرباء، مما سمح بنقل الكثير من الأدوات الكهربائية إليها من الغوطة، خلال العام الماضي. الأمر الذي جعلها تحتوي على ثروات كبيرة بالنسبة لقطعان الشبيحة، ولا يزال النهب جارياً منذ ثلاثة أسابيع ولم ينته بعد. أحد النشطاء يؤكد أن الجبهة الإسلامية تركت المليحة تسقط لاعتبارات تخص جيش الإسلام، وربما هناك توافق على سقوطها كذلك. ويضيف بأنها ستنهب بالكامل، و"سيقلع حتى سيراميك المطابخ أيضاً"، فلدى الجيش السوري "خبرة واسعة في هذا المجال منذ كان في لبنان". 

النوعية الجيدة للمسروقات تغري على الشراء، وهناك أناس في المناطق المجاورة للبلدة يشترون المسروقات انتقاماً من المليحة، لأنها أذاقت الويل للمناطق المحاذية لها وللجيش وللدفاع الوطني. ولكن أغلبية السكان يرفضون ذلك، فهم يعتبرون هذه الأشياء مسروقة ولا يجوز اقتنائها. تقول شابة إن مشادة كلامية وقعت بينها وبين والدتها؛ فالأم اشترت براداً لأن برادهم معطل وغير قابل للإصلاح، ولكن الصبية رفضت ذلك، وقالت "إما أنا وإما هذا البراد". وتبرر الأم موقفها، بأنه إن لم تشترِ هذا البراد سيشتريه أخرون، وهم بحاجته بكل بساطة.

بلدة المليحة وما يحصل فيها، هو مثال بسيط لما يحدث في كل سورية، من دمار وقتل ونهب واجتياح، وأعمال منظمة لصالح الشبيحة وأسرهم، لإنهاء جميع حواضن الثورة. 
increase حجم الخط decrease