الجمعة 2014/07/11

آخر تحديث: 16:39 (بيروت)

من مصر إلى غزّة.. "سكّة" السيسي مقطوعة

الجمعة 2014/07/11
من مصر إلى غزّة.. "سكّة" السيسي مقطوعة
رئيس المخابرات المصرية قام بزيارة غير معلنة إلى الأراضي المحتلة التقى خلالها مسؤولين اسرائيليين (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
كانت تنهيدة رئيس الوزراء إبراهيم محلب، معبرة للغاية. تنهيدة اختصرت وجهة نظر السلطة المصرية الحالية في ما يحدث في غزة، وكان لسان حاله يقول عندما سٌئل عن غزة فى المؤتمر الصحافي مساء الخميس: ما باليد حيلة. لم ينطقها معالي دولة رئيس الوزراء صراحة، لكنه قال: "شيء محزن اللي بيحصل لإخوانّا فى غزة". 


هكذا تدار السياسة المصرية فى ثوبها الجديد. جمل عاطفية خالية من أي معنى أو رسالة، أسوة بالرئيس "الحنين" عبد الفتاح السيسي. وعلى ذكر الرئيس، يخطر في البال وعده خلال حملته الانتخابية، أنه بمجرد تعرض أي بلد عربي لأي خطر فإن مصر ستكون إلى جواره، "مسافة السكة"، لكن سكّة غزّة تبدو بعيدة جداً بين الأقوال والأفعال. 


كل المؤشرات والإشارات تقول، بل تؤكد، أن الموقف الرسمي المصري تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة مرتبك، ولا يتناسب مع خطاب رئيس دولة يقدم نفسه دوماً فى ثوب عروبي، حصد على إثره دعماً سياسياً ومالياً، ولاسيما من دول الخليج.


وحتى تتكشف وتتضح وجهة نظر الدبلوماسية المصرية في ما يحدث، لا بد من قراءة بيان وزارة الخارجية الأول، الذي أصدرته عقب بدء الغارات الإسرائيلية، وساوى بين القصف الإسرائيلي المتواصل، وصورايخ حماس التي تسقط على تل أبيب! 
هذا بالضبط ما كانت دبلوماسية حسني مبارك تقوله، لكن فى استحياء وخجل أكثر. البيان طالب أيضاً الطرفين بضبط النفس وعدم التصعيد، وكأننا أمام بيان يتحدث عن حرب بين قوتين متكافئتين!


 أما بيان الرئاسة الذي صدر قبل ثلاثة أيام، فحّمل إسرائيل مسؤولية تأمين أرواح المدنيين الفلسطينيين، بوصف إسرائيل قوة احتلال، طبقاً لاتفاقيات جنيف. وهذه أيضاً صيغة تنم عن فشل وارتباك فى التعامل مع أول موقف سياسي حقيقي يواجه الرئيس الجديد عبدالفتاح السيسي. فالرجل الذي تعهد بإغاثة أي ملهوف فى المنطقة العربية، من المحيط إلى الخليج، لم ينطق بكلمة واحدة بشأن ما يحدث من قتل وحشي للأطفال والمدنيين غزة، ولو على سبيل ذر الرماد في عيون المتربصين به.


اللافت فى كل ما يحدث، أن الارتباك طال أيضاً أرفع الأجهزة الأمنية، بعد زيارة رئيس المخابرات المصرية، اللواء محمد تهامي، ولقائه مسؤولين اسرائيليين إثر بدء العدوان، وهي زيارة لم تكشف عنها مصر بل أعلنت عنها إسرائيل، من دون نفي أو تأكيد من جانب مصر. تمثل هذا الارتباك في عدم الاهتمام بإصدار بيان على لسان الرئاسة، يوضح طبيعة زيارة المسؤول المصري، وإلى أين وصلت مفاوضاته مع الجانب الإسرائيلي، أو على الأقل من هو المسؤول عما يحصل، الفلسطينيون أم الإسرائيليون؟


كل هذه الأسئلة لا تجد إجابة لدى السلطة المصرية الغارقة في بحر المشاكل الداخلية، من اقتصاد وأمن، ومناوشات بين الرئيس من جهة ورجال الأعمال من جهة أخرى، بسبب إصرار السيسي على تبرع رجال الأعمال لصالح صندوق "تحيا مصر".


بطء رد الفعل المصري، والتعامل بجدية، ومن منطلق الأمن القومي مع الحرب على غزة، لا يعني سوى أن هناك التباساً ما زال موجوداً، أو مقصوداً، لدى الإدارة المصرية للتفريق بين غزّة معقل حركة حماس كأحد أفرع جماعة الإخوان المسلمين، وبين سكان قطاع غزة المدنيين، وهم بالأساس فلسطينيون ليس بالضرورة أن يكونوا منتمين إلى حماس.


لكن بعيدا عن ذلك، قالت مصادر مطلعة لـ"المدن" أن اتصالاً هاتفياً جرى بين الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، أكد فيه الأول أن مصر تسعى لوقف العدوان، لكن جهودها تذهب أدراج الرياح بسبب ممارسات "حماس".


هذه بالضبط وجهة النظر التي كرسها الإعلام المصري منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، حيث انتشرت في البرامج صيغة أن سبب ما يحدث ممارسات حماس الحمقاء- قالتها مذيعة- ذراع جماعة الإخوان المسلمين في غزة، وأن مصر لديها من المشاكل والأزمات ما يستحق النظر إليها والعمل على حلها بعيداً عن التورط في حرب ليس لمصر فيها ناقة ولا جمل. 


هذه النغمة عزفها عدد من الإعلاميين مستندين في حملتهم على غضب شعبي من حركة حماس، التي ارتبطت بجماعة الاخوان المسلمين إبان حكم الرئيس المعزول، محمد مرسي، حيث تم الترويج  في ذلك الوقت إلى أن حماس تشتري السولار، وتنقله إلى القطاع، مما ساهم فى غلائه وشحّه. كل هذه الأكاذيب خلقت حاجزاً بين "رجل الشارع" وحركة حماس، التي كانت حتى وقت قريب رمزاً للمقاومة الباسلة، ولعب عليها الإعلام مستغلاً الأزمات الداخلية الكثيرة التى تعاني منها مصر.


الأزمة الآن ليست في حماس. الأزمة الحقيقية أن السلطة الجديدة تخلط بين صراعها مع الإخوان، وبين حماية الأمن القومي المصري، المتمثل في حماية غزة ووقف العدوان الإسرائيلي عليها، لكن ذلك بعيد جداً، ويبدو أنه آخر هموم السلطة، لدرجة أنها أقدمت على إغلاق معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة!
increase حجم الخط decrease