الثلاثاء 2015/07/21

آخر تحديث: 18:23 (بيروت)

الحركة الكشفية في النبطية: لا مفر من تنفيذ الأوامر

الثلاثاء 2015/07/21
الحركة الكشفية في النبطية: لا مفر من تنفيذ الأوامر
لا يخفى على أحد إرتباط الجمعيات الكشفية اليوم بشكل وثيق بالأحزاب الطائفية (فايسبوك: كشاف التربية الوطنية فوج كفررمان)
increase حجم الخط decrease
في العام 1912، جاء محمد عبد الجبار خيري من الهند وجلب معه "الكشاف المسلم" إلى لبنان. وهو كان أول الجمعيات الكشفية التي تأسست في منطقة الجنوب. وتبعه كشاف "التربية الوطنية"، "الجراح" و"العاملي". 


في لقاء لـ"المدن" مع مفوض "كشاف التربية الوطنية" في صيدا والنبطية ومرجعيون من عام 1961 إلى 1976 إبراهيم شمس، تحدث عن تاريخ الحركة الكشفية في منطقة النبطية. فبحسب شمس، تأسس كشاف "التربية الوطنية" في أوائل الخمسينات، أما كشاف "الرسالة الإسلامية" فتأسس في السبعينات "وكان رئيسه نبيه بري". ثم تأسس "كشاف المهدي" في الثمانينات. وأفاد شمس بأن "هناك قانوناً ينص على أن الجمعيات الكشفية التابعة لوزارة التربية هي وحدها التي يحق لها دخول المدارس الرسمية، غير أن العديد من الجمعيات غير الوطنية، بل والمذهبية، تدخل المدارس الرسمية اليوم وتبث أفكارها في عقول التلاميذ".


لا مفر من تنفيذ الأوامر
إنضم محمود إلى كشاف "التربية"، التابع رسمياً لوزارة التربية، في قرية كفررمان الجنوبية. إنتسب إليه منذ الصغر ولا يزال ناشطاً فيه وهو الآن في الواحد والعشرين من عمره، حتى بات بعتبره المكان الذي "ربيت فيه"، حسب قوله. وهو لم يغادره لأنه أحب الحياة الكشفية التي علمته الكثير. يقول محمود: "علمني الكشاف أن أعتمد على نفسي وأن أتأقلم مع الحياة البرية وأتعايش مع الطبيعة وأصبح جزءاً منها، وذلك بفضل المخيمات التي ينظمها". يعترف محمود أنه لا يحبذ تنفيذ الأوامر "لكن في الكشاف لا مفر من تنفيذ أوامر القادة". أصبح محمود بدوره قائداً اليوم ويقر بأن "هناك لذة في إعطاء الأوامر".

غير أن فرض القوانين والعقوبات يحدث أحياناً كثيرة بشكل عشوائي وفي العديد من الجمعيات الكشفية. يعتبر شمس ذلك غريباً عن أسس الكشاف وقيمه "فالضرب ليس مسموحاً، لكنه يمارس في العديد من الأفواج. ولا يجدر بالكشاف أن يشجع الديكتاتورية".

في قرية محمود عدد من الجمعيات الكشفية الأخرى. يوضح محمود أن الكشاف الذي ينتمي إليه "يختلف عن الأخرين لكونه ينظم النشاطات على مدار السنة وفي كل المناسبات، الصغيرة والكبيرة، على عكس أي كشاف آخر يجري نشاطاته في مناسبات معينة دينية أو سياسية". كما أن الجمعيات الأخرى تابعة لأحزاب سياسية في حين أن هذا الكشاف ليس له أي طابع ديني أو سياسي.

لياسمين، زميلة محمود في الكشاف، تجربة مغايرة. هي لم ترتقي لتصبح قائدة لأن وجودها في الكشاف لم يتجاوز بضعة أشهر، "فأنا لم أتحمل تنفيذ الأوامر، بالأخص في المخيمات، ولم تعجبني الطقوس التي تشبه التدريب العسكري والعلاقة العمودية بين القائد والعنصر. لست بحاجة لمدرسة أخرى تنتج قيمها الخاصة وتفرضها علي". غير أن أكثر ما أحبته ياسمين هو "إجراء الكشاف للمهرجانات التي يتخللها الرقص والموسيقى. وهما شيئان نفتقد إليهما في الجنوب".

ويضم فوج "كفررمان" فرقة "قدامى الكشاف" التي تضم عناصر وقادة سابقين في الكشاف. ويفيد قائد الفوج شكيب سلامة بأن "ستين بالمئة من عناصر الكشاف يبقون أوفياء له وينضمون إلى فرقة القدامى، التي تقيم نشاطات مشابهة للفرق الأخرى لكن بمستوى فكري آخر".


الكشاف والمقاومة
لا يخفى على أحد إرتباط الجمعيات الكشفية اليوم بشكل وثيق بالأحزاب الطائفية. أما في فترات الحرب، خصوصاً أثناء الإجتياح الإسرائيلي، "فقد أسست كل الأحزاب، الوطنية وغيرها، جمعياتها الكشفية الخاصة ومن دون ترخيص، فقد كانت فترة حرب"، وفق شمس. ففي هذه الفترة، كانت مهام عناصر الكشاف الأساسية هي تقديم العون لـ"الدفاع المدني" والإسعاف. أما عن الوقت الحاضر، فيرى شمس أنه "من المهم وجود جمعيات كشفية تحرض الفتيان ضد العدو الذي يتربص بالجنوب، وأن تدربه على حمل السلاح والمقاومة".

ويستذكر سلامة فترة الحرب مع إسرائيل، فيحكي "عن تحريض الكشاف للمواطنين ضد العدو، مما أدى إلى محاربته لنا وملاحقته لعناصرنا وللقادة. فقد كان لكشاف التربية دور عملي وميداني، بالإضافة إلى دوره في المقاومة الثقافية، كما قدم 17 شهيداً".


الإنضباط قبل أي شيء
كشاف المهدي هو من أكثر المؤسسات الكشفية إنتشاراً في الجنوب. إنضمت إليه فاطمة في قرية "شوكين" الجنوبية حين كانت في التاسعة من عمرها، وإضطرت إلى مغادرته في التاسعة عشر من عمرها عند زواجها. فبالنسبة إليها "البيت مسؤولية كبيرة، وكذلك الكشاف، لذا لم أرد أن أقصر في أي منهما". يجمع كشاف "المهدي" بين التربية الدينية والأخلاقية والترفيه. وأول ما جذب فاطمة إليه كان الترفيه والصداقة، "لكنني شيئاً فشيئاً بدأت التربية الدينية تثير إهتمامي". أما عن إحتفالات الكشاف، فتبدأ بتلاوة القرآن وكلمة لرجل دين، ويتخللها عرض مسرحي ومن ثم يبدأ المولد، حيث يفصل الجنسين عن بعضهما، وتقول فاطمة: "ندبك فقط خلال المولد، ليس هناك رقص خلاعي".

تضم نشاطات الكشاف تعليم القرآن، والسلوكيات وأنشطة فنية كالمسرح والأشغال اليدوية. وتُفصل الإناث عن الذكور في الأنشطة كلها. لا يزعج هذا الفصل فاطمة بل تعتبر أن "هكذا أفضل". أما في المخيمات، فيبيت الصبية في البرية، في حين تعود الفتيات إلى بيوتهن عند الآذان. وعن النشاطات الخارجية كحملات التنظيف أو التزيين، تقول فاطمة "غالباً ما يقوم بها الشباب، لا نحن".

تصف فاطمة الكشاف بـ"المدرسة المتكاملة، فهي للدنيا كلها، بعكس المدرسة الأكاديمية". وتضيف: "علمتني هذه المدرسة المساعدة والخدمة الاجتماعية وأصول الكلام وبناء الشخصية". في حديثها عن الكشاف، يتكرر مصطلح "إنضباط". فبالنسبة لفاطمة، كل شيء في الكشاف يحدث وفقاً للإنضباط "كاللعب، الرقص في الموالد، وحتى تعامل الفتاة مع أهلها، فقد أصبحت الفتيات أكثر إنضباطاً بفضل الكشاف، إذ بتن يحترمن أهلهن وينفذن أوامرهم". وهي تشير إلى أنها إكتسبت قيم الكشاف وجعلتها جزءاً من كينونتها فبدأت بنقلها إلى "الأخوات الأخريات".

تؤكد فاطمة أن لا علاقة للكشاف بأي حزب سياسي، بل هو مجرد "جمعية كشفية إسلامية". إلا أن الحقيقة هي أنه لا يمكن فصله عن "حزب الله"، فهو حاضر في كل مهرجانات الحزب ونشاطاته، وعناصره يحملون الأعلام الصفراء في مسيراتهم. وقد يكون مصدر التجنيد الأول لعناصر الحزب.

يتفق شمس وسلامة على أن "كشاف التربية" كان جامعاً للجميع، في حين أن الجمعيات الأخرى محسوبة على جهات سياسية ودينية معينة. وقال شمس أن "العديد من أفواج كشافة التربية حوربت من قبل جمعيات قوى الأمر الواقع، لكن الفوج الذي حافظ على قوته هو فوج كفررمان". فبقي هذا الفوج "جامعاً للمحايدين والخارجين عن الإصطفافات الطائفية".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها