"أجه للقانون، عالفاضي ما أنت يا عدو
بتلعب دور الشاهد المحامي والقاضي"
في أغنية "غريب في بلادي"، وهي استعارة أخرى للتجربة الفلسطينية، يتحدّث نفار باسهابٍ عن فكرة الهوية الضائعة بين الحضور والغياب، كأن "نكون ضيوف الظلم ببيوتنا"، وأن "نضلّ قراب على أرضنا بعاد من وطنا"، وعن تفاهة العيش في ظلّ "دولة قانون" قائم على اسقاط شرعية وجودك.
المسموح اله ممنوع الي والمسموح الي مكروه الي
لأنه، ينكر كياني، محى وما زال
يمحي الواني، تاريخ ناسي أجدادي
أمّا أغنية "بروزاك"، للفرقة نفسها، فتسخر من الحلّ النفسي لمشكلاتٍ متجذّرة في النظام السياسي والاجتماعي، جاعلاً من المأساة الجماعية والكآبة مشكلة فرديّة يكون حلّها بالأقراص المهدّئة، لا بتصحيح أخطاء وجرائم تاريخية مثل سايكس بيكو وبلفور.
سايكس بيكو قسمني وقطعني، بلفور شلحني وشردني
كله مستورد، كله مستورد شغل أجنبي
وأنا بستنى، وأنا بستنى صنع بلدي
في واقعٍ من هذا النوع، تبدو الكآبة ورفض التطبيع مع واقعٍ ظالم بمثابة فعل مقاومة، أو كما تقول كلمات الأغنية "لا تكتبلي روشيتة، بديش تعطيني.. كآبتي وحرّة فيها". وهي لا تخاطب فقط الظالم "الفاشي"، وإنّما أيضاً النزعة الليبرالية التي تسعى إلى تلطيف وتبييض جرائمه، فتجيبه "خد ليبيراليتك وأحشيها زيريج.. في ثقوب في قناعكم الأبيض".
بعد المرحلة التأسيسية، التي تخلّلها الكثير من الجدال حول الأصالة مقابل التقليد واستيراد الأنماط الغربيّة، نجح صنّاع الهيب هوب في العالم العربيّ بتطوير أسلوب وخطاب يعكسان خصوصية تجربتهم، فما عاد هناك شكّ في أصالة هذه الموسيقى وصدقها.
من الأسماء التي تتصدّر مشهد الهيب هوب العربيّ اليوم، وتمنحه هويّة خاصّة، اسم "شب جديد" الذي قدّم أسلوباً فريداً من حيث طابعه السرديّ المفعم بالذاتيةّ. يتّخذ راب "شب جديد" الذاتية كمدخلٍ لصياغة سردية جماعية، فينتقل بسلاسة بين الشخصي والسياسي، بين شعور أنه "فارغ من الجوف" وبين تجربة الاعتقال التفتيش في المعابر. بمهاراته السردية، يوازن "شب جديد" بين السخرية والاعتزاز بالنفس والنقد الذاتي، بين فضح جرائم الشرطة الاسرائيلية ونقد فشل "الأمّة" العربيّة. بلسان مواطنٍ عربيّ لاذعٍ وساذجٍ على حدّ سواء، تشتم أغنية "أمريكا" كلّ من أميركا والشعب العربيّ وزعمائه، لتعود وتتملّق القادة العرب من أجل "فيزا". تتحدّث عن "تلطّخ الشعب العربيّ بالوحل"، عن "خيانة الاخوان"، عن صدّام حسين، وعن تعاطي المخدرات.
ثيمة أخرى كثيرة التكرار في الهيب هوب الفلسطيني، هي السفر والهجرة، ويتجلّى ذلك في أغنيات الرابرز المقيمين في الأراضي الفلسطينية أو في الخارج. "محراك" رابر فلسطيني كان لاجئاً في سوريا (اليرموك) قبل أن يضطر للجوء الى لبنان ابّان الحرب السورية، ثم هاجر إلى أوروبا، منذ عامين. قبل مغادرته العالم العربي، أصدر محراك أغنية وداع بعنوان "مسافرين"، تقارب مسألة السفر بوصفها مصيراً أبديّاً مشتركاً لا مفرّ منه.
باني حالي أكتر من مرّة مفكّر بسأل وبعدين
أهّل سهّل بوّس ودّع
منتلاقى بعدين
مالي مين الباع مين ولا إلي بكل الباعدين
مسافرين
هاي صار عادد السنين
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها