الخميس 2014/09/25

آخر تحديث: 15:10 (بيروت)

"مشاعر مختلطة": قصة لبنانية جديدة عن العنصرية

الخميس 2014/09/25
increase حجم الخط decrease

"عند مين بتشتغلي؟" ليس سؤالا عاديا، في طرحه ولا في وقعه أيضا. وهذه جملة تسمعها كل لبنانية ذات بشرة داكنة، اذ يظن اللبنانيون أن كل امرأة سمراء هي خادمة تنظف البيوت. ذلك أن المجتمع اللبناني مليء بأمثال هذه التنميطات العنصرية، وهذا ما تطرق اليه المعرض الفوتوغرافي بعنوان "مشاعر مختلطة" (Mixed Feelings) الذي انطلق أمس في "AltCity" في الحمرا ويستمر إلى 1 تشرين الأول، لينتقل بعدها إلى حرج بيروت و"الجامعة الأميركية في بيروت"، والذي يجمع بين صور وأقوال للبنانيين ببشرة داكنة، ويحاكي الواقع العنصري الذي يتعرضون له في بلدهم.

افتتاح المعرض، أمس، تخلله نقاش مع وديع الأسمر، أحد مؤسسي "الحركة الفرنسية اللبنانية للدفاع عن اللبنانيين المعتقلين تعسفياً"، و"المركز اللبناني لحقوق الإنسان"، بهدف "تفكيك مسألة العرق والعنصرية في لبنان والتدقيق فيها وخلق الحوار معها". كما عرض وثائقيان قصيران قدمت فيهما فتاتان من جنسيات مختلطة شهادتهما عن تجارب يومية مثقلة بالتمييز العنصري. فتقول إحداهما: "أصبحت لا أخرج من المنزل من دون أن أرتدي مريول المدرسة كي يدرك الناس أنني تلميذة ولست صانعة أجنبية فيتوقفوا عن مطالبتي بتنظيف بيوتهم. نعم أنا سوداء لكنني لبنانية مثلهم ترتاد المدرسة".

هذا المعرض هو مبادرة من تنظيم نسرين كاج ومارتا بوغدانسكا التي قالت لـ"المدن"، وهي المصورة التي التقطت الصور لوجوه المشاركين، "نحن لسنا منظمة وإنما فريق مؤلف من شخصين. نظمنا هذا المعرض بدعم من بعض الإختصاصيين كالأسمر، وقد اخترنا أن يكون المشروع مزيجاً بين البصري والاجتماعي. على أن هذا المعرض ستليه معارض أخرى".

لم تعرض المسألة المُعالجة في المعرض بشكل سطحي، بل نوقشت أسبابها وأبعادها السياسية، بالإضافة الى المجالات المختلفة التي يتقاطع معها موضوع اللون في لبنان كالطبقية والتمييز الجنسي. وقد علق أحد الحاضرين بأن "تقليص الموضوع إلى مسألة عرق يكفي لتنظيم مشروع كهذا لكنه لا يحل المشكلة. فحلها يتطلب منا الرجوع إلى الجذور التاريخية والسياسية للصراع، وهي قيام الإنسان الأبيض بتحقير الأفريقي الأسمر من أجل إستعباده في افريقيا". وردت كاج بأن "جعل العرق موضوعاً رئيسياً للعمل الفني هو من أجل منحه سياقاً يساعدنا في فهم أساليب تجلي العنصرية في لبنان".

وأشارت كاج الى أن العنصرية في لبنان ليست مسألة فردية وانما بنيوية ومؤسساتية متجذرة في قوانين الدولة. فبحسب الأسمر "الدولة اللبنانية لا تشرّع قوانين رادعة للعنصرية"، وهذا في أفضل الأحوال. أما في أسوئها، "فهنالك قوانين عنصرية بحد ذاتها كنظام الكفالة للعاملات الأجنبيات". من هنا أهمية العمل القانوني في هذا المجال. ولفت الأسمر، في حديث لـ"المدن" إلى أن "المركز اللبناني لحقوق الإنسان يعمل على الصعيدين التوعوي والقانوني. لكن الشق القانوني هو الأهم، فالإنسان في طبيعته سلطوي وحين توضع القوانين التي تمنعه عن التسلط سيشعر حينها بأن هذا التصرف خاطئ". وأضاف: "الطريقة الوحيدة لتقليص العنصرية هي بإرسال العنصريين الى السجن، لكن جل ما يمكننا فعله كجمعيات حقوق انسان هو أن نصرخ.. ولا حياة لمن تنادي". وبحسب كاج "تلجأ الحكومة دائماً الى حجة أن في البلد مشاكل أكبر وأكثر الحاحاً من ايجاد حل للعنصرية".

كما أشار الأسمر الى أن أزمة العنصرية في لبنان هي أمر استجد في السنوات الـ15 الماضية. وهذا لأن "اللبنانيين يعتبرون أنفسهم أرفع شأناً من غيرهم". وقال أحد المشاركين ساخرا إن "العنصرية تجري في حمضنا النووي، نحن اللبنانيين"، مشيراً إلى وجود عنصرية بين اللبنانيين أنفسهم إذ أن "ما يحدد هويتنا هو العرق والطبقة الإقتصادية". وغالباً ما يتقاطع هذان المكونان الاجتماعيان، فالعامل الأجنبي ليس ذي بشرة ملونة فحسب، بل هو من طبقة اجتماعية دنيا. وقد سردت، في هذا السياق، تجارب أشخاص يقومون بإستعراض ممتلكاتهم المادية كالسيارات الفخمة من أجل ابعاد تهمة "العامل الأجنبي" أو "الخادمة" عن أنفسهم. والحل، بالنسبة لأسمر، يرتكز على "توحيد جهود كل المنظمات والناشطين في هذا المجال في مشاريع موحدة وشاملة".

من جهة أخرى أشار الأسمر الى "أزمة التزام يعاني منها المجتمع المدني والشعب اللبناني ككل". وهو في سبيل توكيد ذلك أحصى في لبنان أكثر من عشرين جمعية حقوقية تعمل في هذا المجال، لكن أقل من عشرة منها فحسب تنظم تظاهرات وتحركات على الأرض. "فعلى الفايسبوك يظهر أن خمسة ألاف شخص سيشاركون، لكنّهم في الحقيقة يكونون 15 فردا".

ونبّه أحد المشاركين الى خطورة العنصرية وغياب أي قوانين لردعها. اذ تودي بضحاياها الى اللجوء لأساليب عنفية في الدفاع عن أنفسهم. وقال، بجدية لا تخلو من السخرية، "استعملت ما يراه الناس ميزة سلبية، وهو عرقي، كميزة ايجابية، فان تعرّض أحد لي، ضربته". وأضاف: "علمتهم أن يحترموني بأن أظهر لهم أن قوتي البدنية تمنحني سلطة وقيمة أعلى".

increase حجم الخط decrease