الإثنين 2015/04/13

آخر تحديث: 15:33 (بيروت)

سرد ليلى بعلبكي: ذاكرة صراع ما قبل الحرب

الإثنين 2015/04/13
سرد ليلى بعلبكي: ذاكرة صراع ما قبل الحرب
دعت بعلبكي الشباب إلى النجاة بأنفسهم من "قمع الحكام وسحق القوى الغازية"
increase حجم الخط decrease
في العام 1958 صدرت "أنا أحيا" الرواية الأولى للكاتبة اللبنانية ليلى بعلبكي. في العام نفسه، اندلعت أحداث في لبنان وصفها البعض بـ"البروفا الأولى للحرب الأهلية". وعلى خلاف ما يشعر به اللبنانيون من نوستالجيا لبيروت الستينات الخالية من المشكلات التي يُعتقد أنها ولدت مع الحرب الأهلية، تظهر وثائق من تلك الفترة تناقضات كانت تعيشها بيروت وتنذر بحرب ما. 



الصراع
سبقت روايات ليلى بعلبكي الثلاث الحرب الأهلية، اذ صدرت مجموعتها القصصية الأخيرة بعنوان "سفينة حنان إلى القمر"، في العام 1964. هذا قبل أن تهاجر نهائياً من لبنان مع إندلاع الحرب الأهلية في العام 1975، منهية بذلك سيرتها الروائية، التي كان متوقعاً لها أن تحصد نجاحاً بعد الضجة التي حظيت بها روايتها الأولى "أنا أحيا" لفترة طويلة بعد صدورها.

وبالرغم من عدم تضمن رواياتها إلا القليل من الإيحاءات عن الوضع السياسي والنزاعات في لبنان، إلا أنها "تعج" بالتناقضات التي يعاني منها أي مجتمع قبل دخوله في حرب. وأولى هذه التناقضات تتجلى عبر الصراع بين "الأنا" والمجتمع الخارجي. ففي حين تتسم مجموعتها القصصية الأخيرة بعزلة البطلة عن واقعها الخارجي وتركيزها على كينونتها كإمرأة، تتضمن روايتاها الأخريان صراعاً أوضح بين الفردية والذاكرة الجماعية لفترة ما قبل الحرب، اذا صحت التسمية. ويمكن قراءة هذا الصراع من خلال الشخصيتين الأساسيتين في "أنا أحيا"؛ البطلة الثرية المدللة التي تعتبر أن فرديتها هي سبيلها إلى الثورة على المجتمع. والبطل الفقير، وحامل الفكر الشيوعي، الذي يحتقر فردية البطلة ويرى أن الثورة الشعبية هي الحل الوحيد.

تقع روايات بعلبكي في المرحلة الإنتقالية بين حربين عالميتين وحرب أهلية مقبلة، لهذا فالصراع فيها يتمحور حول الأنا التي تآكلت في الحروب السابقة وعادت لتتآكل في الحرب الأهلية، كذلك ثمة في شخصياتها جميعها سمة من سمات الحرب الأهلية، أي الغربة داخل الوطن. وقد يكون هذا سبباً في غياب الكتابة النسوية عن الفترة التي تلت كتابات بعلبكي. فما بدأته لم يكمله أحد من بعدها، في تلك الفترة.


اليمين واليسار
في "أنا أحيا" أيضاً صراع واضح بين اليمين واليسار. فالبطلة كانت تعمل في مؤسسة إعلامية تهدف إلى نشر الدعاية الرأسمالية، كما أن أبيها من أغنياء الحرب العالمية. تتخبط البطلة مع فكرة أن مصدر عيشها وأسرتها هو فساد أبيها واحتكاره لبعض المنتجات. حبيبها، في المقابل، يمقت طريقة عيشها. هو رجل حزبي، يحمل قضية ومشروعاً يتلخصان في محاربة كل ما تمثله البطلة. هو يلمح بإستمرار إلى أن الحرب بينهما آتية لا محال.


العلاقة مع مصر
شهد لبنان في تلك الفترة علاقة متوترة مع مصر انقسمت خلالها الأطراف اللبنانية بين المطالبة بالإتحاد مع مصر (جمال عبد الناصر) أو التحالف مع الغرب. تشير رواية "أنا أحيا" إلى هذه العلاقة من خلال تجارة الأب الإحتكارية بين مصر، لبنان وبريطانيا. كما تصف البطلة كيفية استغلال والدها للأوضاع السياسية المتزعزعة لزيادة ثروته.

كما يبدو أثر مصر واضحاً في تلك الفترة من خلال قيام القضاء اللبناني بمحاكمة بعلبكي لإحتواء مجموعتها القصصية الأخيرة على تعابير فاضحة، وذلك إثر إنتقاد الصحافة المصرية لها بشكل لاذع. والجدير بالذكر أنها كانت المرة الأولى التي يحاكم فيها كاتب لبناني جراء رواية كتبها.

في كتابات ليلى بعلبكي ما يسبق معاصريها. فهي التي "سبقت الحركة الطلابية في لبنان" في محاضرتها "نحن بلا أقنعة"، على حد تعبير خالدة سعيد في كتابها "يوتوبيا المدينة المثقفة". وقد دعت بعلبكي، خلال هذه المحاضرة، جيلها إلى خلع أقنعة الكبار ورفض قيمهم السياسية وحتى قوانين الدولة التي "لا معنى لها إن كانت لا تخدم الانسان وتحييه".

دعت بعلبكي الشباب إلى النجاة بأنفسهم من "قمع الحكام وسحق القوى الغازية" ومن "قيم البطولة" التي يمثلها هؤلاء الحكام. وبعد سنوات عديدة على هذه الدعوة، وقع شباب لبنان فريسة ما حاربته بعلبكي. فكانت الهجرة ملاذها الوحيد.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها