الأربعاء 2015/07/29

آخر تحديث: 18:14 (بيروت)

لبنان الأربعينات والخمسينات: رواية أخرى

الأربعاء 2015/07/29
لبنان الأربعينات والخمسينات: رواية أخرى
بيروت في العام 1948 (Getty)
increase حجم الخط decrease
قد لا يكون كافياً ما سجل عن "لبنان الأربعينات والخمسينات"، أو قد تكون هناك حاجة إلى تحدي ما كُتب عن تلك الفترة. لهذه الأسباب نظّم "معهد الدراسات العربية" و"قسم الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في جامعة جورج مايسون" ورشة عمل بحثية كان نتيجتها جلسة نقاش في "الجامعة الأميركية في بيروت"، أمس، بعنوان "لبنان في الأربعينات والخمسينات: جلسة نقاش"، عرض خلالها أربعة باحثين نتائج أبحاثهم. والمشروع هو بالتعاون مع "المركز اللبناني للدراسات" و"مركز الدراسات العربية والشرق أوسطية في الـAUB". 



مصارف لبنان
إستعرض الأستاذ في "قسم التاريخ في جامعة رايس Rice" هشام صفي الدين بحثه بعنوان "التنظيم المصرفي في لبنان ما بعد الحرب العالمية الثانية: عرقلة التطور، التنظيم الداخلي والغلبة القانونية". وقد تمحور هذا البحث حول النظام المصرفي اللبناني في السنوات العشرين الأولى من الإستقلال. وتركز بحثه على "البنك المركزي"، الذي جاء تأسيسه بعد معارضة أصحاب المصارف لفكرة "تدخل الدولة". وقد قاد هذه الحملة النائب الراحل بيار اده، الذي شارك في تأسيس "جمعية مصارف لبنان" التي حملت على عاتقها "التصدي لمحاولة الدولة وضع ضوابط على عمل المصارف، كما ضغطت من أجل عدم إقرار قانون لتنظيم العمل المصرفي"، وفق صفي الدين. وقابلها تظاهرات شعبية وتوقيع عرائض من أجل تأسيس "البنك المركزي" وذلك في فترة الخمسينات. وأضاف صفي الدين: "كانت الجمعية تعتبر أنه لا يجوز المس بأسس النظام المصرفي".


الحركة العمالية
من "النظام المصرفي" إلى "الحركة العمالية"، إنتقلت الأستاذة في "قسم الدراسات الشرقية والأفريقية SOAS في جامعة لندن" ليا أبو خاطر إلى نقيض الفقرة الأولى، في بحثها المعنون بـ"التعبئة العمالية من أجل بناء الدولة في لبنان بين 1943 و1958"، الذي سعى للإجابة على هذين السؤالين "كيف أثر نضال العمال على إقرار قانون العمل؟ وهل كان لقانون العمل آثاراً سلبية على الحركة العمالية والتنظيمات النقابية؟".

تعتبر سنوات الأربعينات والخمسينات "الفترة الذهبية للحركة العمالية في لبنان"، كما وصفتها أبو خاطر، "وهي كانت جزءاً من إطار سياسي أوسع". وتمثلت المعركة حينها بين "النقابات المقربة من الدولة وبين إتحاد النقابات المرتبط بالحزب الشيوعي اللبناني". وبعد أن شهدت المؤسسات حركة إضرابات وتحركات مطلبية وبعد تنظيم تظاهرات عديدة من قبل عمال شركة الكهرباء، والريجي، والمرفأ وغيرها من المؤسسات التي يقوم عليها الإقتصاد الوطني، عندها دعا رئيس الجمهورية بشارة الخوري إلى مناقشة قانون للعمل في العام 1944. وقد فرض "إتحاد النقابات" إجراء تعديلات على القانون، أبرزها تغيير مصطلح "جمعية" إلى "نقابة".

إلا أن القانون لم يكن خالياً من العيوب، "فهو أقصى عاملات المنازل، والمزارعين"، وفق أبو خاطر، "كما أنه لم يتضمن مصطلح إضراب، ولم يحم العمال الناشطين نقابياً من الطرد". بل جرد هذا القانون العمال من الإنجازات التي كانوا قد حققوها عبر نضالهم، "فهم كانوا قد أسسوا نقابات قبل إقرار القانون، فجاء القانون ليلغي شرعية النقابات غير المرخص لها. كما لم يحم القانون النقابات بل قلص من تأثيرها".


لبنان في الإعلانات
كان العرض الثالث لبحث الأستاذة في قسم العمارة والتصميم في الـAUB زينا مصري بعنوان "خلخلة الدولة: تخيل لبنان في الإعلانات السياحية". وقد إستعرضت مصري صورة لبنان التي رسمتها الإعلانات في فترة الأربعينات والخمسينات، والتي توجهت إلى السياح. وراقبت مصري مسار تغير هذه الصورة وتبدلها. فبعد إستقلال لبنان مباشرةً، سوقت الإعلانات للسياحة الجبلية، أي للإصطياف في جبل لبنان، ومن هنا جاءت تسمية "سويسرا الشرق". فقد ركزت الدعاية السياحية على تشابه طبيعة لبنان الجبلية مع الطبيعة السويسرية. وقد كان لذلك بعداً سياسياً وطائفياً لإرتباط جبل لبنان "بفكرة الدولة اللبنانية الحديثة القومية والمسيحية". وقد تأسست حينها "المفوضية العامة للسياحة والإصطياف كجزء من وزارة الإقتصاد".

إلا أن هذه الثقافة السياحية بدأت تتغير شيئاً فشيئاً فإنتقلت إلى الساحل، وتوجهت إلى السياح الأوروبيين، في حين أنها كانت تسعى قبل ذلك لإستقطاب السياح العرب، فكانت تصف لبنان بـ"المنتجع الصيفي للدول العربية". وأضافت مصري: "تحولت من سياحة جبلية إلى سياحة مُدنية مركزها بيروت، فبدأت صخرة الروشة تظهر بشكل مكثف في الإعلانات، وبدأت تكثر الفنادق على شاطئ بيروت، إلى أن تحولت بيروت إلى موقع سياحي".


المجالان العام والخاص
تمحور النقاش الأخير حول "إرث القوانين القديمة والنضال من أجل المشاعات"، وهو بحث مهندسة العمارة ومؤسسة مجموعة "ديكتافون" عبير سقسوق. والحال إن الخصخصة التي نشهدها اليوم وتجريد المدن من مجالها العام قد بدأ منذ ذلك الوقت. فقد تحول لبنان في تلك الفترة إلى "بلد خدمات وتجارة فكان التركيز على المطار والمرفأ والفنادق"، وفق سقسوق. وأشارت سقسوق إلى أن الروشة "كانت مكاناً زراعياً، والدالية كانت ملتقى لكل سكان المدينة". إلا أنه تم التخلي عن ذلك في مقابل "بناء منتجعات وفنادق على كل الشاطئ من قبل مهندسين جاؤوا من عائلات نافذة ودرسوا في الغرب".

وقد حدث في تلك الفترة أن "أعطت البلديات حق إستثمار الشاطئ لسياسيين وأصحاب أموال، مما حصر رواد هذا الشاطئ بفئة واحدة من سكان المدينة". وقد حصل الأمر ذاته في مدينة صيدا، حيث بُني منتجع على مساحة الشاطئ، لكنه لم يعد موجوداً اليوم. وتقول سقسوق: "المثير للسخرية هو كون سكان صيدا، الذين لم يدخلوا إليه قط، بل كانوا يرونه من بعيد، يتحسرون عليه اليوم. وهم يؤيدون بناء منتجع خاص جديد على المساحة العامة الوحيدة الباقية على الشاطئ، لاعتقادهم أن هذا ما تحتاجه المدينة".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها