الخميس 2017/03/02

آخر تحديث: 01:25 (بيروت)

تسوية الإغتصاب

الخميس 2017/03/02
تسوية الإغتصاب
أخرج الثنائي مسألة العنف الجنسي من سياقها الاجتماعي الأكبر (Getty)
increase حجم الخط decrease
انتشر مؤخراً على مواقع التواصل الاجتماعي، فيديو يجمع بين ضحية إغتصاب والمعتدي عليها. يعرض الفيديو خطاباً من جملة خطابات TED، المشهورة بطرحها أفكاراً "ملهمة"، حيث يتشارك طرفا الجريمة (الضحية ثورديس إيلفا، والمعتدي توم ستراينجر)، رواية تجربتهما، والترويج لإطلاق كتابهما المشترك "South of Forgiveness" (جنوب المغفرة).

في خطابهما، أعلمنا كل من ستراينجر وإيلفا أن علاقة غرامية كانت تجمعهما في سنوات المراهقة، انتهت باغتصاب ستراينجر لإيلفا، ومغادرته فوراً إلى بلده الأم، وإنقطاع التواصل بينهما. لسنوات عديدة، ظل شبح حادثة الاعتداء الجنسي يلاحق إيلفا، إلى أن قررت مراسلة ستراينجر، محدثةً إياه عن العنف الذي أخضعها له، وعن رغبتها "بإيجاد المغفرة". أجابها ستراينجر، بما اعتبرته إيلفا "اعترافاً موثقاً" لما إقترفه. مهد ذلك إلى علاقة مراسلة بين الإثنين، استمرت ثماني سنوات، قبل أن يقررا اعتلاء المسرح وإطلاق كتابهما الذي يخبر ما حدث، من منظارهما.

بداية، لا بد من الإشارة إلى حق إيلفا في تقديم روايتها والتعبير عن تجربتها بالطريقة التي تراها مناسبة. لكن في ضوء ردود الفعل التي استقبلت هذه التجربة بإيجابية مفرطة، لا مفر أيضاً من الحديث عن المغالطات التي يعج بها هذا المشهد، والتي تجعله شديد البعد عن المثالية التي يدعيها.

للمرة الأولى، وفيما يعد سابقةً في تاريخ قضايا الإغتصاب، وقف طرفا الجريمة على خشبة مسرح واحدة، فاحتلا المساحة المكانية والكلامية نفسها، والأضواء نفسها. تساوت الضحية مع الجاني في خطاب TED "الملهم"، وهي المساواة نفسها التي يستعرضها الكتاب من خلال إنصاف وجهتي النظر. لكن، رغم هذه المساواة الظاهرية، تفوق ستراينجر من حيث كمية التصفيق والثناء الذي تلقاه، والذي وصل إلى حد مكافأته لكونه "المغتصب الحسن"، الذي اعترف بسوء ما ارتكبه. كأنه قام بفعل خيرٍ يكفر له عن ذنوبه.

لننظر إلى سمات هذا المغتصب الحسن. يركز ستراينجر في خطابه على صفاته كإنسانٍ جيد، فهو "رياضي، طالب علوم اجتماعية، صديق لأناس طيبين، وابن وأخ محب"، وفق تعبيره. وبفضل هذه الصفات، استنتج ستراينجر أنه ليس "شخصاً سيئاً". دفعه هذا التحليل المنطقي إلى الإعتقاد أن صفاته الجيدة، وهي أقرب إلى الإمتيازات منها إلى الميزات، تمحو الذنب الذي اقترفه.

من جهة أخرى، سمحت هذه الفرصة لستراينجر بالإستفادة من التغطية الإعلامية، بالإضافة إلى المنافع المادية التي سيحققها له الكتاب. ورغم إشارة موقع الكتاب الإلكتروني إلى أن "توم سيتبرع بجزء من الأرباح التي سيجنيها إلى مؤسسات خيرية"، إلا أن أقل إستفادة مادية أو معنوية لمغتصب- على حساب فعل الإغتصاب نفسه- هي أمر غير مقبول، بالمعايير الإنسانية والسياسية لقضية الإغتصاب، وغير منصف لضحايا العنف الجنسي، بل ومستفز لهن/م.

في هذه "المصالحة"، أخرج الثنائي مسألة العنف الجنسي من سياقها الاجتماعي الأكبر، ووضعاها في إطار شخصي جداً، مستمد من القيم والمثاليات الدينية. تفترض هذه المصالحة أن الطريقة الوحيدة لمواجهة مخلفات العنف الجنسي هي المغفرة، والسبيل الوحيد للخلاص من العار هو مسامحة الجاني. وهذا ما عبرت عنه إيلفا في قولها: "بصرف النظر عما إذا كان يستحق مغفرتي أم لا، كنت أنا أستحق السلام. وهكذا، وضعت حداً لشعوري بالعار". 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها