الثلاثاء 2015/12/15

آخر تحديث: 14:02 (بيروت)

اتحاد طلاب مصر.. "ثقب ابرة إلى المجال العام"

الثلاثاء 2015/12/15
اتحاد طلاب مصر.. "ثقب ابرة إلى المجال العام"
"لا يُتوقع أن يخرجوا ويهتفوا ضد الدولة، أو يطالبوا بسقوط النظام، إلا اذا حدث شيء بضخامة 2011" (getty)
increase حجم الخط decrease
بعد شهر على بدء الانتخابات الطلابية في الجامعات المصرية، انتهت أخيراً بفوز المستقلين بإتحاد طلاب مصر، الذي يعد ممثلاً لكل اتحادات الكليات والجامعات. وهذه الانتخابات هي الأولى بعد توقف دام عامين، حيث أجريت آخر انتخابات في بداية العام 2013، قبل الإطاحة بمحمد مرسي من رئاسة الجمهورية، وهي الانتخابات التي فاز فيها طلاب "الاخوان المسلمين".


والحال إن تحديات كثيرة تواجه الإتحاد الجديد، كما يقول عمرو الحلو نائب رئيس اتحاد طلاب مصر لـ"المدن"، اذ "لا يوجد مقر للاتحاد حتى الآن، ولا هيئة معاونة أو آليات للتواصل بشكل جيد مع اتحادات الجامعات، ولا نعلم من أين سنمارس عملنا. وما زالت الرؤية غير واضحة بعد، فنحن في مرحلة الإجراءات الرسمية التي تسبق انعقاد الاتحاد".

وقد وصف برنامج الاتحاد الجديد بالجيد، حيث رأى كثير من النشطاء أنه يتماشى مع روح ثورة يناير. ويلخص الحلو البرنامج لـ"المدن" بـ"الإفراج عن الطلبة المعتقلين على ذمة قضايا من دون أن يكونوا متورطين في أعمال عنف، بالإضافة إلى أننا سنسعى لإصدار قانون الطلاب، خصوصاً مع قرب انعقاد البرلمان، كما سنحاول جعل مسألة الإنفاق الحكومي على التعليم أكثر شفافية، فمن حق الطلاب أن يعلموا كم يُصرف على المدن الجامعية وعلى التكافل والنشاط، وستتم مناقشة هذه المسائل بالتفاصيل بعد اجتماع الاتحاد بشكل رسمي".


تعطيل واستبعاد مرشحين
خلال سنتي الانقطاع حاولت وزارة التعليم العالي والمجلس الأعلى للجامعات إخلاء الساحة الجامعية من طلاب الإخوان المسلمين والحركات الثورية، لصالح كيان طلابي على تنسيق مع الوزارة وأجهزة الدولة، يدعى "صوت طلاب مصر" التابع لحزب "مستقبل وطن"، الذي يرأسه رئيس اتحاد طلاب مصر السابق محمد بدران. ورأى المسؤولون أنه من الصعب إجراء انتخابات في ظل الأجواء الساخنة في العام الدراسي 2013 -2014، عندما اشتعلت المواجهات بين الشرطة وطلاب معارضين لعزل مرسي، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، بالإضافة إلى الاعتقالات والفصل من الجامعة. كما تأخر صدور تعديل اللائحة الطلابية التي تجرى على أساسها الانتخابات.

وفي العام الدراسي التالي 2014- 2015، هدأت الأجواء واستقر الوضع الأمني نوعاً ما، لكن الانتخابات تعطلت، هذه المرة أيضاً، بسبب تأخر تعديل اللائحة، وعندما صدرت كان موعد الانتخابات الذي حددته اللائحة الجديدة في الاسابيع الست الاولى من العام الدراسي قد فات. كما كانت اللائحة تسمح بشطب المرشحين الذين صدرت بحقهم عقوبات تأديبية في الجامعة.

وفي العام الدراسي الحالي وقبل حلول موعد الانتخابات بأيام، صدر تعديل جديد مفاجئ يغير طريقة الانتخاب ويضع شروطاً جديدة على المرشح، أبرزها أن يكون معروفاً عنه ممارسة نشاط سابق، وعدم انتمائه إلى جماعة محظورة، وهي بنود سمحت باستبعاد المرشحين غير المرغوب بهم، حيث تم بالفعل استبعاد عدد كبير من الطلاب وصل إلى 1500 طالب.


فوز المستقلين
لكن بعد كل هذه العراقيل، وصل المستقلون إلى أعلى مناصب هرم الاتحادات الطلابية. ويعتبر الحلو أن لوصول المستقلين إلى الاتحاد مزايا وعيوباً، فـ"كوننا مستقلين سيساعد في عدم تعرض الاتحاد للقولبة في إطار معين، أو تعرضه للتشويه من خلال تشويه التيار الذي ينتمي إليه، كما يساعد الإتحاد على أن يقف على مسافة واحدة من الجميع. لكن مشكلة المستقلين أنه لا يوجد تنظيم قوي يدعمهم، غير أنه يمكن الاستعاضة عن ذلك بتقوية الاتحادات الطلابية في الكليات والجامعات".

في المقابل، يرى الباحث في المرصد الطلابي في "مركز حرية الفكر والتعبير" محمد عبد السلام أن "غياب الإخوان المسلمين عن المشهد ألقى بظلاله على التنافس الانتخابي، اذ قبل ذلك كان هناك طرف معروف بوجوده التاريخي، وكان يستقطب انتخابياً، وفجأة اختفى هذا الطرف. وفى ظل تخوف الطلاب من إعلان انتماءاتهم السياسية، بدت المنافسة للرأي العام والطلبة كأنها منافسة بين مستقلين ومستقلين، لكن الفرق في قدرة كل طرف على الحشد والنشاط داخل الكليات، وهذا مهم جداً لأن الانتخابات لم تنتج شعارات سياسية أو تنافساً انتخابياً".

ويؤكد عبدالسلام على أهمية فوز المستقلين في الانتخابات، اذ أن "قيمة هذه التحالفات أنها بُنيت على استقلالية الطلاب، بعيداً عن تأثير وتوجيه النظام السياسي، والرغبة فى إعادة الحياة للاتحادات والأنشطة الطلابية والاتفاق على قضايا طلابية ملحة مثل قضايا الحريات والسكن الجامعي ومجالس التأديب. هكذا، كانت هذه الانتخابات مختلفة لأنها فتحت مساحة للحركات الطلابية والمستقلين من ثقب ابره، ثم كسرت جمود سنتين وفتحت مساراً لعمل طلابي سلمي، يملك رؤية في مجال عام مغلق بالضبة والمفتاح".


تاريخ الحركة الطلابية
بعد تولي جمال عبد الناصر حكم مصر في العام 1954، حظر العمل السياسي، ولم يستطع أحد التحرك سوى في نطاقي "الاتحاد الاشتراكي" و"منظمة الشباب"، وهذا ما استمر إلى العام 1968، أي بعد عام واحد على النكسة. وقد حصلت في هذا العام انتفاضتان طلابيتان اعتراضاً على الأحكام المخففة التي صدرت بحق الضباط المتهمين بالاهمال خلال الحرب. تلا هاتين الانتفاضتين انتفاضات أخرى في عهد الرئيس أنور السادات، كما في العامين 1971 و1972 استعجالاً للحسم في قضية احتلال سيناء التي أعلنها السادات ولم ينفذها. وكانت آخر الانتفاضات، التي عرفت بـ"انتفاضة الخبز"، في العام 1977، احتجاجاً على رفع الأسعار، وأطلق عليها السادات اسم "انتفاضة الحرامية". ومع صعود مبارك للسلطة، أغلق المجال مجدداً، وركز الحراك الطلابي، الاسلامي في أغلبه، على التضامن مع أحداث عربية مثل غزو العراق والانتفاضتين الأولى والثانية في فلسطين، من دون تعاطٍ في الشؤون الداخلية.

وتعتبر الباحثة السياسية نوران أحمد أن الوضع العام الآن يختلف عنه في مرحلة عبد الناصر، اذ "أننا حالياً في لحظة مختلفة، هي لحظة أزمة، لكن ليست بحجم هزيمة 1967، وما زال هناك مجال للمناورة. كما أن الجيل الحالي مارس ويمارس السياسة منذ 4 أو 5 سنوات، أما في عهد عبد الناصر فلم يكن هناك سياسة في البلد، وكان النظام يحقق انجازات على الأرض، ويسحب كل الأوراق من تحت يد غيره، وقد كانت ثقافة الناس السياسية وروافد المعرفة والثقافة والتنشئة المختلفة والاتصالات تحت سيطرة النظام إلى حد كبير. لذلك فإن محاولات النظام الحالي إرجاع الأمور إلى ما كانت عليه هي محاولة خارج الزمن".

تضيف نوران: "الحركة الموجودة حالياً واقعية في مطالبها، بمعنى أنها لا تقول نريد أن نفوز في انتخابات اتحاد الطلبة من أجل مصر وقيم الاشتراكية العالمية مثلاً، بل هم براغماتيون، وهذا ما يدفعهم إلى القول أنهم يريدون أن يحققوا ما يريده الطلاب من مطالب عادية ومنطقية. وفي الوقت نفسه، يعلمون أن لحظة 2011 والتظاهر والهتاف انتهت، والآن مرحلة النفس الطويل ومحاولة المزاحمة في أي مساحة للتواجد والاستمرار، وبالتالي لا يُتوقع أن يخرجوا ويهتفوا ضد الدولة، أو يطالبوا بسقوط النظام، إلا اذا حدث شيء بضخامة 2011، بحيث سيكونون جزءاً من سياق أكبر".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها