الأحد 2014/07/20

آخر تحديث: 13:21 (بيروت)

"شاطئ رملة البيضاء": ليس للدولة مَن يدافع عنها

الأحد 2014/07/20
increase حجم الخط decrease
نظّمت جمعية "نحن"، أمس، في فندق "كراون بلازا" في الحمرا، نقاشاً عاماً في شأن "التحديات أمام استعادة وتفعيل رملة البيضاء كشط شعبي"، جمع إلى ممثلين عن منظمات من المجتمع المدني، وزارة الأشغال العامة والنقل وبلدية بيروت. وتحدث خلال اللقاء المدير العام للوزارة عبد الحفيظ القيسي، المدير التنفيذي لـ"نحن" محمد أيوب، وعضو مجلس بلدية بيروت رشيد الأشقر، "ممثلاً نفسه" لا البلدية، على ما قال.

     

النقاش هو جزء من حملة بعنوان "بيضا رملتنا"، التي تقودها "نحن"، وهي جمعية تهتم بقضية المساحات العامة في لبنان. وتهدف الحملة إلى جعل شاطئ الرملة البيضاء مساحة عامة تستقطب الجميع. والتركيز على هذا الشاطئ يرجع إلى كبر حجمه واستقطابه لعدد كبير من الناس كونه موجوداً في العاصمة ككثافة سكانية. ومن أهداف النقاش أيضاً رفع مستوى الوعي العام في شأن شاطئ الرملة البيضاء والتحديات التي تواجهه، والبحث في إمكانية جعله شاطئاً عاماً آمناً، جاذباً، ونظيفاً. 


مد وجزر


تركّز النقاش على الـ80% من الشاطئ التي تمتلكها شركات خاصة، والقلق من إمكانية خسارة هذا الشاطئ كمساحة عامة ومجانية. " نحن تجربة ناجحة وإنما مهددة، فنحن لا نعرف متى يقررون استثمار الرملة البيضاء كدالية الروشة وعندها من يمنعهم؟"، يقول أيوب.
وقد اتصفت العلاقة، خلال لقاء أمس، بين ممثلَي السلطة التنفيذية والبلدية بالمدّ والجزر، إذ أشاد كل طرف بداية بـ"إنجازات" الطرف الآخر، وكأن الطرفين منفصلان عن بعضهما البعض وعن الدولة، التي اتهمت بالتقصير وكأن الطرفين من خارجها. على أن هذا "التشابك" تطور، في النقاش في ما بعد، ليصبح أقرب إلى "تعازم" على تحمّل المسؤولية، لينكر كل من الطرفين مسؤوليته في هذا المجال. فـ"البلدية يدها مبتورة"، و"الوزارة لا تتلقى التمويل الكافي لإقامة مشاريع".

لكن هذا الهدوء لم يستمر طويلاً. اشتدت بعدها حدة تقاذف المسؤولية، حين كذّب القيسي إدعاء الأشقر بفقر البلدية، قائلاً له "لا تقولوا إن لا أموال لديكم، فبلديتكم هي من أغنى البلديات". أضاف: "إن المواطن لا يرى شيئاً من المشاريع التي يفترض إستثمار هذا المال فيها".

 

الخاص والعام

 

انتقل النقاش إلى مستوى آخر حين بدأ الكلام عن معضلة امتلاك الشركات والأفراد لشواطئ لبنان، بعد مناشدة أيوب الحكومة اللبنانية "شراء شاطئ الرملة البيضاء". هنا ظهر عدم إلمام المتحدثين بالقوانين، وهو جهل يكشف المشكلة الحقيقية، وهي ليست في عجز الدولة قانونياً عن استملاك أو استرجاع شواطئها البحرية، وإنما في سيطرة القطاع الخاص على القطاع العام من خلال الجهات السياسية المتحكمة بالقطاعين. وأختُتمت "المسرحية" بإستنتاج الأشقر بأن "الملك الخاص مقدّس في لبنان، ولا يمكننا التعرض له"، مشيراً إلى أنه، هو أيضاً، يأتي من القطاع الخاص، والعمل البلدي هو وظيفته الثانوية. "أنا مجبر على إحترام الملك الخاص"، قال الأشقر مفترضاً أن ذلك يبرر إمتلاك البعض لشاطئ شعب بأكمله.

 

تدخّل بعدها أيوب وممثلو المجتمع المدني موضحين أن "القانون يجيز للدولة استملاك الأملاك الخاصة في حال وجود منفعة عامة، ومن هنا فإن القانون لا يمنح القدسية المطلقة للأملاك الخاصة".

واستكمل ممثلا الجهات الحكومية رفع المسؤولية عنهما بتحميلهما مسؤولية تلوّث الشاطئ، بالأوساخ والصرف الصحي، للمواطن. وبهذا أغفلا دور القوانين والتنظيم المدني في الحد من هذه المشاكل. لكن وحتى في ظل دفاعهما عن الدولة أو الهروب من مظلتها، إعترفا أن "العمل في هذه الأجهزة هو عبارة عن مبادرات فردية لا أكثر".

وذكر أيوب، من جهته، مشاكل أخرى يعاني منها الشاطئ ومنها الأوتوستراد الذي سماه بـ"جدار الفصل العنصري" لأنه يفصل بين المدينة وبحرها ما يقطع الصلة بين سكان بيروت وشاطئهم، خصوصاً أن هذا الجدار يمتد إلى صيدا. وأشار أيوب إلى أن "هذا لا يحصل في دول العالم الأخرى". وأضاف "هناك مشكلة حقيقية، وهي أن الناس لا ينزلون إلى شاطئهم". كما إعتبر أيوب أن بيروت تفقد ارتباطها باسمها والذي يعني "المياه الجوفية" إذ أن مياهها الجوفية أصبحت كلها مياه بحر مالحة. "وحتى أزمة الشاطئ هي أزمة هوية وانتماء يعاني منها الشعب اللبناني في شتى المجالات"، وفق أيوب.

 

ألف ليرة سنويا!

 

بعد أن تمنى القيسي "ألا نكون جميعاً ضحايا الدولة"، عبّر عن أمله بـ"تحسن الأمور". وتعقيباً على ذلك، زوّد أيوب الحاضرين بجرعة من التفاؤل قائلاً: "هذا ليس موضوع أمل، نحن سنستعيد شاطئ الرملة البيضاء كشاطئ شعبي، وسنوقف مشروع دالية الروشة، وسنفتح حرش بيروت". وجرب المتحدثون قدر المستطاع عدم إدخال النقاش في متاهات السياسة اللبنانية، وأنهى مدير "نحن" النقاش بالقول إن "هذه المبادرات لا تغيّر النظام، وإنما تجهز الأرضية لخرق النظام السائد. ولكن أي مسألة كهذه تتقاطع فيها قضايا سياسية عديدة".

وكان من بين مداخلات الحاضرين، مشاركة لافتة لسيدة غاضبة، توجهت بحرقة وصوت منفعل إلى ممثلي الدولة، طالبة تفسيراً لموضوع استئجار مستثمرين لشاطئ لبناني بألف ليرة لبنانية سنوياً لمدة 99 سنة. وقالت لمدير عام وزارة الأشغال "أطلب منك أن تطلع على الموضوع وتجد له حلاً أو أن تسجل اسمي، فأنا أريد أن أستئجر شاطئاً". 

increase حجم الخط decrease