الأحد 2024/03/10

آخر تحديث: 08:07 (بيروت)

رَتْقُ "تحرير الشام" برعاية تركية

الأحد 2024/03/10
رَتْقُ "تحرير الشام" برعاية تركية
increase حجم الخط decrease

من المبالغة القول إن "الفتق اتسع على الراتق" في معرض تحليلنا لمستقبل الحراك التظاهري ضد "تحرير الشام"، بشمال غربي سوريا. فقائد الهيئة، أبو محمد الجولاني، يستعيد اليوم دوره كضابط للتوازنات بين الأجنحة المتصارعة داخل فصيله. ونجاحه في استعادة هذا الدور، يبدو مشفوعاً برعاية خارجية، تركية، بصورة خاصة.


وإن كنا، على الأرجح، لن نعرف تفاصيل تلك الصفقة التي على أساسها، أطلق الجولاني سراح أبرز رموز "جناح الشرقية" داخل "تحرير الشام"، العراقي – أبو ماريا القحطاني، إلا أننا نستطيع تلمس الخطوط العريضة لتلك الصفقة، وموقع الأتراك منها. فحليف القحطاني، قائد "جناح حلب" داخل الهيئة سابقاً، والمنشق عنها مؤخراً، جهاد الشيخ – المعروف بـ أبي أحمد زكور- كان قد تعرّض لمحاولة اعتقال من قوة خاصة تتبع لـ "تحرير الشام"، في إعزاز بريف حلب الشمالي، في كانون الأول/ديسمبر الفائت، أنقذته منها، قوة عسكرية – أمنية تركية، حررته، ونقلته إلى معبر عسكري على الحدود التركية – السورية. بعد ذلك بشهر، بدأ الجولاني خطواته لإقفال ملف "العملاء". وظهر الجولاني في الأسابيع الأخيرة، بمظهر الضَعف، معتذراً عن "الإجراءات المسلكية" –التعذيب- ضد الموقوفين على خلفية هذا الملف، وأعلن براءتهم، وعوّض بعضهم مادياً، وشكّل لجنة قضائية للتحقيق في التجاوزات التي رافقت عمليات التوقيف والتحقيق.


الإجراءات الأخيرة للجولاني، تمثّل ارتداداً عن انحيازه لـ "جناح بنّش" داخل الهيئة، والذي ميّز موقفه منذ مطلع الصيف الفائت. فقادة هذا الجناح هم من حرّضوا ضد المعتقلين على خلفية ملف "العملاء". واتُهموا باستغلال هذا الملف لتصفية منافسيهم في جناحَي "الشرقية" و"حلب". وكان لافتاً، أن تشهد مدينة بنّش بريف إدلب، تظاهرات ضد الهيئة. وهو ما يؤيد التقارير المتداولة عن استياء في أوساط قادة "جناح بنّش"، جراء إطلاق سراح الموقوفين على خلفية ملف "العملاء"، بم فيهم، القحطاني نفسه. 


 واللافت، في البيانات الرسمية للهيئة، التي صدرت في الأسابيع القليلة الفائتة، غياب أية إشارة لاتهامات الفساد التي كانت قد وجهت سابقاً، للقحطاني وزكور. وكان القيادي الشرعي داخل الهيئة، عبد الرحيم عطون -وهو أحد رموز "جناح بنّش"- قد علّق على اعتقال القحطاني، قبل نحو خمسة أشهر، بأنه، وفي سياق التحقيقات الجارية في قضية "خلايا الاختراق لصالح بعض الدول"، تبين ضلوع القحطاني في العديد من قضايا الفساد والابتزاز المالي لعدد من التجار، وأن الهيئة تحدثت لأولئك التجار لتبيان الحقيقة، وأعادت "الحقوق لأصحابها". وفي كانون الأول/ديسمبر الفائت، علّق عطون نفسه، على المحاولة الفاشلة لاعتقال زكور في ريف حلب، بأن الأخير متورط في أعمال وتجارات مشبوهة مالياً، وفق شهود عيان من "كثيرٍ من التجار".


وبذلك، لم تغلق قيادة الهيئة، ممثلةً بـ الجولاني، ملف "العملاء" فقط، وبصورة مفاجئة ودراماتيكية، بل وأغلقت أيضاً ملف اتهامات الفساد لقائدَي جناحَي "الشرقية" و"حلب"، أيضاً. أحد التفسيرات المتداولة لذلك، وفق مصادر إعلامية، هي مخاوف الجولاني من أن يكشف قائد "جناح حلب"، أبو أحمد زكور، معلومات حسّاسة يمتلكها، بصورة تضرّ بالهيئة ضرراً فادحاً، خاصة على صعيد العلاقة مع تركيا. ولا يبدو حصر الضرر بالعلاقة مع تركيا، مقنعاً، ذلك أن زكور كان بحوزة الأتراك فعلياً، ومن المستبعد ألا يكونوا قد حصلوا على كل المعلومات التي تهمهم، والتي بحوزته. الأمر الذي يحيلنا إلى نوع آخر من المعلومات التي يملكها زكور، تتعلّق بالتمويل الخارجي للهيئة، بوصفه الممسك بزمام هذا الملف، قبل أزمة الثقة الأخيرة بينه وبين الجولاني. فـ زكور، وُصف من جانب وزارة الخزانة الأمريكية، -في معرض فرضها لعقوبات ضده في أيار/مايو المنصرم-، أنه المشرف على المحفظة الاقتصادية والأذرع المالية لـ "هيئة تحرير الشام" في الخارج. 


إنقاذ الأتراك لـ زكور من محاولة الاعتقال، قبل ثلاثة أشهر، بدا المنعطف الذي عكَس مسار الأمور، وردّ الجولاني إلى سابق عهده، ساعياً للتوفيق بين جناحَي "الشرقية" و"حلب"، وخصمهما، جناح "بنّش". مما يؤشر إلى رغبة تركية في رعاية تماسك الهيئة، وبقيادة الجولاني نفسه، لكن بعد تسجيل نفوذ أكبر للأتراك، ممثلاً بجناحَي "الشرقية" و"حلب"، اللذين استعادا قوتهما داخل الهيئة، بدعمٍ تركي. أما الجولاني، فقد وجد أن ذهابه بعيداً في مسار الانحياز لجناح "بنّش"، لا يعني فقط، خسارة المحفظة الاقتصادية والأذرع المالية الخارجية، وفضح أسرارها، بل أكثر من ذلك، هو يعني فقدانه لحظوته لدى الأتراك، بوصفه قائد فصيلٍ يمكن التفاهم معه، والوصول إلى قواعد لإدارة اللعبة في ذاك الحيز من الجغرافيا السورية، اللصيقة بالتراب التركي.


وفيما تطالب التظاهرات في المدن الإدلبية، بإسقاط الجولاني، يجري العمل الآن، على قدمٍ وساق، لرتق "الفتق" الذي أحدثه ملف "العملاء"، داخل بنية الهيئة. وحالما يتمكن الجولاني من استعادة التوازنات، وإقناع المتصارعين الأقوياء على التصالح -خشية انهيارٍ لا يخدم مصلحة أيٍ منهم-، وحالما ينسحب هؤلاء من المساهمة في عملية تأجيح الشارع، سيصبح استيعاب بقية الأطراف التي تحض على التظاهرات، أمراً متاحاً أكثر. إما بالطرق الناعمة، أو بشيء من العنف الأمني المضبوط، والمشفوع بتماسك الهيئة من الداخل. 



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها