الأحد 2018/04/15

آخر تحديث: 12:26 (بيروت)

سوريا ونظرية "قبو العالم"

الأحد 2018/04/15
increase حجم الخط decrease

هل سمعت بـ "قبو العالم"؟، هي نبوءة بأن عناصر حانقة من دول منهارة، ستدفع شعوب الغرب إلى التقوقع على الذات. وستكون النتيجة، فقدان مصدر رئيسي لثراء الغرب وشعوبه. وسوريا اليوم، تنتمي لـ "قبو العالم". ودونالد ترامب وإدارته، في ضربتهم العسكرية لنظام الأسد، فجر السبت، ساروا خطوة جديدة بهذا الاتجاه. اتجاه خسارة أبرز مزايا المجتمعات الغربية، التي تشكل مصدراً لثرائها وتقدمها. وهي الانفتاح على العالم.


قبل سنة ونصف السنة، قرر أكثر من نصف البريطانيين، الخروج من الاتحاد الأوروبي. بعيد ذلك، انتخب أكثر من نصف الأمريكيين، دونالد ترامب، الشعبوي سليط اللسان، والذي ينادي بـ "أمريكا أولاً"، رئيساً. فيما كانت باقي دول الغرب تكافح بصعوبة تجنباً لوصول اليمينيين إلى كراسي الحكم فيها.


كل ذلك بدأ مع موجة اللجوء الضخمة التي ولدتها الحرب السورية عام 2015. في البداية، رحب بعض الأوروبيين، ولاحقاً، بدأت أعراض الميل للانعزال تزداد، مع ازدياد حدة ووتيرة العمليات الإرهابية التي أطلقها "داعش" في عقر دار الغرب.


هي نبوءة أطلقها قبل عقدٍ تقريباً، دبلوماسي بريطاني عريق، عمل مستشاراً لطوني بلير، هو روبرت كوبر. إذ حذّر في كتاب شهير له، حمل اسم "تحطم الأمم: النظام والفوضى في القرن الحادي والعشرين"، من أن دولاً تنتمي لما أسماه بـ "قبو العالم"، قد تشكل تهديداً للدول المتقدمة التي وصفها بـ "عالم ما بعد الحداثة".


تبنى يوشكا فيشر، وزير خارجية ألمانيا الأسبق، ذلك التحليل، وذهب به حتى نهايته، مؤكداً أن انكفاء أمريكا عن العالم، ستكون أثمانه باهظة على العالم أولاً، ولاحقاً على الأمريكيين أنفسهم.


دول منهارة، أو في طريقها للانهيار، يسودها العنف الداخلي والإرهاب، والمجازر، وربما الإبادة الجماعية. ويتفشى فيها الجوع. وتُنتهك فيها حقوق الإنسان، بمنتهى الوحشية. شعوب هذه الدول التي أسماها كوبر بـ "قبو العالم"، قادرة على التواصل مع العالم الأول، عبر التكنولوجيا المتطورة. لكن هذا التواصل سيكون سلبياً. فاللامبالاة من جانب الغرب الغني والقوي، حيال مآسي شعوب "قبو العالم"، سيكون ثمنه، فوضى عارمة. ومع التكنولوجيا، يمكن لهذين العاملين "الفوضى والتكنولوجيا" معاً، تدمير التاريخ.


لم يخطئ كوبر وفيشر في نبوءتهما. فـ "داعش" نتيجة أولية لفوضى سوريا والعراق، والوحشية التي عُوملت بواسطتها، حواضن شعبية محددة في هذين البلدين، وسط لامبالاة غربية، وفي أحيان، تواطؤ غربي، لصالح استمرار الأنظمة الحاكمة. "داعش" تلك، مرشحة للاستنساخ مرة أخرى، ما دامت عوامل ظهورها، متاحة.


وبالفعل، تمكنت العمليات الإرهابية التي نفذتها عناصر محسوبة على "داعش"، من دفع المزيد من الغربيين إلى المناداة بالانكفاء عن مجتمعاتهم، بعيداً عن أي انفتاح على الآخر. والانفتاح، بأبعاده الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، هو رأسمال العولمة، التي هي مصدر رئيسي لثراء الغرب. ومع انكماش فرص العولمة، أكثر فأكثر، يصبح الغرب، ومعه العالم، بأكمله، عُرضة للانكماش الاقتصادي، ونتائجه المعيشية السلبية.


ببساطة، إن تعامل الغرب، بلامبالاة، حيال مآسي شعوب، في مناطق يعدها هامشية بالنسبة لمصالحه، ستكون نتيجته، "التهابات"، سرعان ما تتفاقم لتنعكس على الغرب نفسه، في نهاية المطاف.


هذا ما يحدث في سوريا، هذه الأيام. ولم يخطئ أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، حينما وصفها بأنها أكبر خطر على الأمن والسلام الدوليين.


يتطلب الأمر في سوريا، تسوية إقليمية – دولية، تُنهي مأساتها. لكن الغرب لا يملك الإرادة لفرض هذه التسوية، رغم امتلاكه القدرة على ذلك. لأنه ببساطة، حتى اللحظة، يعتقد أن سوريا، هامشية بالنسبة لمصالحه. ونقصد هنا، بصورة رئيسية، الولايات المتحدة الأمريكية.


وبخلاف الغرب، يبدو أن الروس أكثر من يدرك نوعية المخاطر التي يمكن أن تُقوّض المجتمعات الغربية. لذا هدد سيرغي لافروف، قبل أيام، بطوفان من اللاجئين، يجتاح أوروبا، إن حصل صدام عسكري مباشر في سوريا.


بالفعل، تجنب الأمريكيون صداماً كهذا. هم ببساطة، حافظوا على الحدود الدنيا من هيبتهم، ووجهوا إهانة معنوية للروس. لكن، على أرض الواقع، سينكفئ الأمريكيون مجدداً لشؤونهم الداخلية، ويتركون "الالتهاب" في سوريا، يتفاعل، إلى أن يولد "داعش" جديد. ويدفع العالم بأكمله، الثمن باهظاً.



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها