الأحد 2018/02/25

آخر تحديث: 08:22 (بيروت)

سربرنيتشا..سوريّة

الأحد 2018/02/25
سربرنيتشا..سوريّة
increase حجم الخط decrease

لا نعرف بعد، إن كان القرار الدولي الذي حمل الرقم 2401، كان بغاية ترتيب مساومة تكون بموجبها عفرين مقابل الغوطة، أم أنه كان نتاج خشية روسية من "سربرنيتشا" سوريّة.


سيماطل النظام، ربما بضوء أخضر روسي، ساعات، وربما أيام، قبل الانصياع لنص القرار. لكنه على الأرجح، سينصاع في نهاية المطاف. لأن خلاف ذلك، يعني عبثية روسية في العلاقات الدولية، بصورة لا معنى لها. فالروس هم من دعوا لمناقشة الأمر في مجلس الأمن، وقد وافقوا على القرار، بعد إدخال التعديلات التي طلبوها.


لكن، لماذا طلب الروس الذهاب إلى مجلس الأمن لمناقشة التطورات في الغوطة؟.. أحد الأجوبة المرجحة، هو أن الروس أرادوا استباق إحراج غربي لهم، عبر مشروع قرار دولي لوقف المذبحة في الغوطة، حسب وصف أكثر من مسؤول غربي. وهو ما حدث لاحقاً. أي أن الغرب طرح بالفعل، عبر الكويت والسويد، مشروع قرار، اضطرت روسيا إلى النقاش حوله.


لكن، هل كانت روسيا تخشى فقط الإحراج الدبلوماسي، لذلك انصاعت لترتيبات المنظمة الدولية، بل كانت من الداعين للجوء إليها؟.. الجواب ببساطة، لا. فالروس استخدموا الفيتو مراراً لإفشال قرارات سابقة في مجلس الأمن، ولم يكن الإحراج الدبلوماسي الدولي، يسبب لهم أي إشكالية. لكن، ما حدث في الغوطة، هو أنها لم تكن مؤهلة للتحول إلى حلب ثانية. هي كانت مرشحة لأن تكون "سربرنيتشا" أخرى، في سوريا، هذه المرة.


"سربرنيتشا" البوسنية، تلك المجزرة المهولة التي راح ضحيتها أكثر من 8 آلاف مسلم، عام 1995، والتي أحرجت المجتمع الدولي برمته، وأجبرت الغرب على التحرك العسكري السريع والصارم ضد الصرب، كانت محتملة في حالة الغوطة.


فالفصائل لم تكن مستعدة للتسليم. ورفضت تكرار سيناريو حلب، بالانسحاب من الجيب المعارض المجاور لدمشق. وبخلاف شرقي حلب، التي كان هناك على ما يبدو، توافق إقليمي – دولي، على تسليمها للنظام، بقيت الغوطة ذات قيمة استراتيجية في نظر مناوئي روسيا وإيران في سوريا. نقصد، الأمريكيين والأوروبيين، ولاعبين إقليميين.


لا يعني ذلك أن الأمريكيين كانوا في وارد القيام بتحرك عسكري عاجل لإنقاذ الغوطة، حسبما روّجت وسائل إعلام روسية. لكن الأمريكيين كانوا واضحين بأن استخدام الكيماوي، في الغوطة، من جديد، قد يعني اضطرار الأمريكيين للتدخل العسكري، واستهداف النظام. لماذا التلويح بالكيماوي؟.. هي ببساطة، رسالة تذكير للأسد، وحليفيه الإيراني والروسي، بأن الخط الأحمر الذي حكم الصراع المسلح في سوريا، منذ بدايته، وحتى اليوم، ما يزال قائماً. هذا الخط الأحمر ينص على عدم وقوع مجازر كبرى، تحرج حكومات العالم الغربي أمام شعوبها. فأي مجزرة، تسبب بمقتل أعداد مهولة من المدنيين، بصورة مباشرة، ومُكثّفة، كفيلة بتغيير قواعد اللعبة من جانب الغرب، والتخلي عن قاعدة الإبقاء على نظام الأسد في دمشق، ومن ثم التدخل العسكري الحاسم ضده.


ومع تكثف الحملة العسكرية للنظام وحليفيه الروسي والإيراني على الغوطة، ساهم صمود فصائل الغوطة، وأهلها، ورفض غالبيتهم القبول بسيناريو التهجير، في فتح الباب على مصراعيه، لمقتلة عظيمة قد تحدث إن استمر التصعيد العسكري على هذه الوتيرة من القوة.


تصوّر لو قُتل بضعة آلاف من سكان الغوطة دفعةً واحدةً، ونُقلت صور وفيديوهات تلك المقتلة للرأي العام العالمي.. لن يكون هناك أي إمكانية، حينها، إلا للتحرك الدولي المباشر ضد الأسد. وحينها، لن تجد روسيا بُداً من التسليم بالتخلي عنه، وبتغيير كامل قواعد اللعبة، لأنها فشلت في ضبطها وفق القواعد المتفق عليها لسنوات.


لا نعرف إن كانت فصائل الغوطة قد حصلت على ضمانات دعم، من قوى خارجية، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي دفعها إلى التمسك بموقفها، وعدم النزول عند مطلب التهجير والانسحاب من الغوطة، رغم تطور المفاوضات التي كانت تجري قبل أيام من تصاعد الحملة العسكرية. أو أن العكس هو ما حدث. أي أن إصرار فصائل الغوطة على عدم القبول بسيناريو شرق حلب، أجبر الغرب على تكثيف دعمه السياسي لها، عبر الضغط باتجاه قرار دولي لوقف إطلاق النار، خشية حصول مذبحة كبرى تُحرج الغرب نفسه، فيضطر للتدخل العسكري المباشر.


وأياً كان الطرف الذي دفع الآخر، للتمسك بالغوطة، إلا أن ذلك كان كفيلاً بالتلويح بسيناريو "سربرنيتشا" أمام ناظِرَي بوتين. وفهمت روسيا سريعاً الرسالة، فكان انصياعها لوقف إطلاق النار، بعد تلكؤ.


ورغم أن القرار الدولي، يحمل صيغة المطالبة، ولا يتضمن ضمانات أو عقوبات على الأطراف التي ستخرقه، مما يتيح هامشاً أطول للمماطلة من جانب النظام وداعميه الإيراني والروسي، حيال تنفيذه.. إلا أن مهلة المراجعة أمام مجلس الأمن، بعد أسبوعين، كفيلة في التسريع بوقف العملية العسكرية، وإلا، فإن العبثية الدبلوماسية الروسية في مجلس الأمن، ستؤدي بموسكو إلى خسارة ورقة القوة الناعمة التي تملكها على الصعيد الدولي، وستصبح القوى الدولية الأخرى في حل من أي إجماع دولي قد يحدث في مجلس الأمن. الأمر الذي سيضر بروسيا، أكبر الضرر. لأنها ستفقد أي مصداقية على صعيد العلاقات الدولية، بوصفها، قوة كبرى.


ولن يكون البند المتعلق بعدم شمول القاعدة والنصرة بوقف إطلاق النار، مبرراً كافياً للروس، للاستمرار في دعم حملة النظام ضد الغوطة، بعد أن أعلنت فصائل الغوطة استعداد مقاتلي "تحرير الشام"، للمغادرة، إلى جانب تأكيد أكثر من مسؤول دولي، وغربي، أن الحديث عن وجود النصرة في الغوطة، ذريعة واهية، إذ أنهم لا يتجاوزون 300 مقاتل، وسط أكثر من 400 ألف مدني.


يبدو أن ذلك البند خاص بمصالح الأمريكيين، الذين ما يزالون يمارسون نشاطاتهم العسكرية، شرق سوريا، بذريعة محاربة مقاتلي داعش، المتبقين في تلك المنطقة. وهو بند يخلّص الأمريكيين من إحراج البند الرئيسي في القرار الدولي، الذي يتحدث عن وقف العمليات العسكرية في كامل الأراضي السورية.


البند الأخير بالذات، موجّه، على ما يبدو، لتركيا تحديداً. بخلاف روسيا، التي تستطيع متابعة دعمها لحرب النظام على إدلب، بذريعة "النُصرة"، المتواجدة بشكل نوعي هناك، لا تستطيع تركيا أن تفلت من نص القرار. فهي تشن حرباً على عفرين، بذريعة حزب العمال الكردستاني، الذي لا يعتبر تنظيماً إرهابياً، وفق لوائح مجلس الأمن، التي اعتمدها القرار.


بكلمات أخرى، يبدو أن توافقاً روسياً – غربياً، استهدف إحراج تركيا، بموجب القرار الدولي الجديد، الذي يطالب بوقف العمليات العسكرية في كامل الأراضي السورية، التي تشمل عفرين، بطبيعة الحال. هذا التوافق، ربما تم بشكل غير مباشر، بسبب تلاقي المصالح بين الغرب وروسيا، المستائين من استمرار العملية العسكرية التركية ضد عفرين.  


الخارجية التركية، علّقت سريعاً على القرار الدولي، ورحبت به، لكنها أكدت أنها ستستمر في عمليتها ضد عفرين. لذلك، من المبكر الجزم إن كانت معادلة "عفرين مقابل الغوطة"، قد حكمت المساومات التي أدت إلى ولادة القرار الدولي.


لكن، بكل الأحوال، يبدو جلياً أن القاعدة الرئيسية التي حكمت نزاع القوى الدولية والإقليمية في سوريا، منذ بدايته، وحتى اليوم، ما تزال قائمة بقوة. ومفادها بإيجاز، ممنوع وقوع "سربرنيتشا" جديدة، وإلا فإن كل قواعد اللعبة ستتغير.



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها