الأحد 2017/04/23

آخر تحديث: 00:55 (بيروت)

البصمات الخفية في هجوم باريس

الأحد 2017/04/23
increase حجم الخط decrease

ماذا استفاد تنظيم الدولة الإسلامية من هجوم باريس الأخير؟.. من يدقق في التفاصيل والظروف التي تحيط بالتنظيم في الداخل السوري والعراقي، لا يلحظ مكمن الفائدة، ولا يرى إلا صورة عبثية لآيديولوجية التنظيم المعلنة، التي تبدو وكأنها ستارة لعوامل أخرى غير معلنة.


فإذا كان "داعش" يريد جلب المزيد من المتعاطفين إليه، فيبدو أن ذلك الأسلوب بات مستهلكاً، وغير مجدٍ، بعد فقدان التنظيم لمعظم سبل التواصل اللوجستي البرّي مع الأراضي التركية، التي كان يمرعبرها، معظم الراغبين بالالتحاق به.


وإذا كان "داعش" يريد رفع معنويات مقاتليه، أو جذب شيء من التعاطف معه، فذلك لا يبدو مجدياً هو الآخر، بينما التنظيم يتلقى الخسائر الميدانية، الواحدة تلو الأخرى، الأمر الذي يجمع مراقبون على أنه سيحصره ويرده إلى مساحات صحراوية بعيداً عن المدن الحضرية، في وقتٍ قريب، وإن كان ذلك لا يعني بطبيعة الحال، نهايته.


توقيت هجوم باريس، وارتباطه بأجواء الانتخابات الرئاسية الفرنسية، يُوحي بأن المستفيد أطراف أخرى، لا علاقة لها بتنظيم الدولة، ويبدو أن الأخير نفّذ الهجوم خدمةً لها، نتيجة اختراقات أمنية في أوساط قيادته، أو بموجب تبادل مصالح سرّي غير معلن بينه وبين تلك الأطراف.


في مقدمة تلك الأطراف، يأتي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي خاب أمله نسبياً في دونالد ترامب، بعد أن تمكنت النخبة التقليدية في واشنطن من كبح جماح الرجل، وتطويعه للسير وفق الأجندات المُعدة في أوساط تلك النخبة.


لطالما راهن بوتين على اليمين المتطرف الأوروبي لغايات عديدة، منها، تهديد الوحدة الاجتماعية والسياسية للمجتمعات الأوروبية، حسبما يقرّ بذلك خبراء روس. فالرئيس الروسي يعتقد أن صعود الحركات القومية الأوروبية سيقود في نهاية المطاف إلى تفكيك الاتحاد الأوروبي، ومن ثم، تهديد استقرار المجتمعات الأوروبية ذاتها، من الداخل، عبر الصراع بين المتعصبين قومياً فيها، وبين الليبراليين ومؤيدي الهجرة ودمج العناصر المهاجرة.


نظرية سبق أن أقرتها قيادات من النخبة الأوروبية منذ عام تقريباً، حينما ألمحت إلى أن الروس يريدون عبر إطالة أمد الصراع في سوريا، والدفع بالمزيد من المهاجرين من خلال تركيا إلى الأراضي الأوروبية، تهديد استقرار المجتمعات الأوروبية، بالدرجة الأولى.


ومن هذا المنطلق، راهن بوتين على مارين لو بان، مرشحة اليمين المتطرف الفرنسي، والتي وصلت إلى مسافة من كرسي الرئاسة، لم تحلم بها، لا هي ولا والدها، منذ أكثر من عقد ونصف العقد من الزمان.


أيضاً، يستفيد بشار الأسد، من هجوم باريس. لوبان تدعمه، وتدافع عنه. ما يعني أن فوزها سيحذف واحدة من كبريات دول العالم، من قائمة الداعمين الأكثر مصداقية، للمعارضة بسوريا.


وهكذا يمكن القول أن هجوم باريس، الذي تبناه "داعش"، يخدم بوتين والأسد أكثر مما يخدم "داعش"نفسه. ونستطيع أن نقول أن ذلك الهجوم يحمل بصمات هذين الطرفين بالذات.


أما لماذا تبنى "داعش" الهجوم؟. فالإجابة تتعلق تحديداً بعبثية سياسات التنظيم واستراتيجياته، التي تستعصي على الفهم إلا إن تم النظر إلى محصلة سياسات التنظيم، على أنها، ليست نتاج قيادة متماسكة خاضعة لتوجه محدد، بقدر ما هي نتاج مجموعة متداخلة من المواقف، الأمر الذي يؤكد أنها مخترقة، ومن أعلى هرم القيادة فيها. ولا يعني ذلك بأي حال من الأحوال، بأن "داعش" صنيعة استخباراتية صرفة، بقدر ما هي قوة متطرفة مخترقة بحرفية عالية من أجهزة استخبارات متعددة، في مقدمتها، أجهزة استخبارات الأسد.


لكن، ما سبق يقودنا إلى نتيجة حتمية، إن اعتمدناه كنظرية مرجحة في تفسير هجوم باريس الأخير، هي، أن النخب الغربية التقليدية الممسكة بزمام معظم مؤسسات الدولة في دول الغرب، لا بد أنها على إطلاع وثيق على حقيقة الاختراق المخابراتي عالي المستوى لنظام الأسد، في أوساط قيادة "داعش"، وعلاقة هجمات "داعش" بمخططات ومصالح روسيا والأسد. ذلك أن تبادل المصالح بين "داعش" والأسد، ظهر جلياً في أكثر من مرة، ميدانياً، واقتصادياً (في صفقات النفط)، وسياسياً وإعلامياً. وكذلك، تبادل المصالح بين "داعش" وروسيا. حيث تتجنب الأخيرة استهداف مواقع "داعش"، إلا ما ندر.


هل يغيب عن النخب الغربية التقليدية، رؤية تبادل المصالح الجلّي هذا؟.. الجواب الأقرب للمنطق، هو أن تلك النخب تعلم ذلك تماماً، لكنها تغض الطرف عنه، لأنها أيضاً مستفيدة من تبادل المصالح هذا، بل هي طرف فيه أيضاً.


وهنا تتقدم نظرية صناعة العدو، إلى الواجهة، في تفسير كيفية فهم نخب الغرب لدور "داعش"، في إنعاش قدرة تلك النخب على التحكم في شعوبها، وتوجيهها نحو الوجهة المأمولة لديها، حتى لو كان ذلك عبر صندوق اقتراع، يتمتع بنزاهة شبه مطلقة.




increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها