الأحد 2017/12/17

آخر تحديث: 09:06 (بيروت)

إدلب في جنيف وسوتشي

الأحد 2017/12/17
إدلب في جنيف وسوتشي
مخيم لاجئين في ريف إدلب (غيتي)
increase حجم الخط decrease
يأمل الروس أن يحيكوا في سوتشي "طائفاً سورياً". ولا يمانع الأسد أو الإيرانيون، ما دام ذلك "الطائف" سيكون على قياس الأسد، وبقماش إيراني. لكن، قبل أن يلعب بوتين دور الحائك، سيكون مضطراً للمشاركة في جولة قذرة أخرى، هذه المرة في إدلب، لقاء منحه مكانة شرفية، كقائد للتحالف الإيراني – الأسدي.


لذلك يمكن لبشار الأسد أن يتحمل إهانات أخرى من حليفه الروسي، من قبيل تلك التي تلقاها قبل أيام في حميميم، ما دام الأمر لا يعدو كونه تكتيكاً إعلامياً، يخدم حملة انتخابية داخلية في روسيا. أما الأداء الاستراتيجي الروسي، السياسي والميداني، في سوريا، فلم يتغير، وما زال في صالح الأسد، وكذلك إيران.

قبل أسابيع، تساءلنا في هذه الزاوية عما قيل للأسد في سوتشي، حينما استدعاه بوتين في لقاء أثار الكثير من الجدل. وحينها، أشرنا إلى رواج نظريتين، إحداهما تقلل من قيمة ما دار في ذلك اللقاء، مرجحةً أنه لم يتجاوز التنفيس عن غضب روسي ناجم عن إعلان النصر على "داعش"، من طهران ودمشق، قبل موسكو. والأحداث التالية، أكدت أن ذلك ما حدث بالفعل. ويبدو أن الإيرانيين والأسد مستعدون لمنح بوتين، المكانة الشرفية، كقائد للتحالف، ما دام ذلك يعني أن الروس سيواصلون دعم ما يخدم مصالح الأسد والإيرانيين أيضاً. فقد كشف أداء وفد النظام التفاوضي في جنيف8، أن الرهان الروسي هو على سوتشي، لتكون الساحة الخاصة بالحلفاء الثلاثة، لترسيم الخاتمة السياسية للأزمة السورية، ومن ثم منحها مباركة دولية على مضض، في جنيف تاسعة أو ربما عاشرة.

وبذلك، يمكن الجزم بأنه لا نيّة روسية، أو ربما لا قدرة، للضغط باتجاه حل سياسي جاد في سوريا. فالأسد يمكن أن يقبل الإهانة، ما دام كرسي حكمه، وسلطاته النوعية، لن تُمس. والإيرانيون مستعدون لمنح الروس شرف القيادة، ما دام الروس مستعدين لمنحهم، في المقابل، مساهمة طيرانهم في حرب شعواء على المعاقل الأخيرة للمعارضة السورية، حيث تظهر إدلب، بوصفها الوجهة المقبلة. فيما يتم الإجهاز على الغوطة الشرقية باستراتيجية الحصار والتجويع.

بكلماتٍ أخرى، الحل في سوريا، وفق مفهوم التحالف الثلاثي، الروسي – الإيراني – الأسدي، هو حل عسكري. وحوار سوتشي، وفق تصوراتهم، سيكون مجرد إخراج سياسي للاستسلام المأمول من جانب المعارضة. أو على الأقل، هذا ما يريده الإيرانيون والأسد، والروس مضطرون للانخراط فيه، وإلا، فسيخسرون كل مكاسبهم في الساحة السورية. لأنه في الميدان، لا قوة روسية، دون الظهير البري الإيراني.

ما يؤكد الخلاصة السابقة، ذلك الحراك العسكري المتسارع، من جانب الإيرانيين وميليشيات نظام الأسد، باتجاه إدلب، بغطاء جوي روسي. وفي وقتٍ يُعلن فيه بوتين للشعب الروسي، سحب معظم قواته من سوريا، ويباشر طيرانه حرباً شرسة جديدة في الميدان السوري. أما الأتراك فينسحبون من المشهد، حتى الآن، بعدما حصلوا على الحدود الدنيا المتاحة لهم، والتي لا يمكن لهم التخلي عنها، وهي عزل كانتون عفرين، ومنع الأكراد من التقدم نحو البحر.

ومن المرتقب في الأيام المقبلة أن تشتد حملات النظام، المدعمة إيرانياً، وبالغطاء الجوي الروسي، نحو إدلب. تلك البقعة التي تضم أضخم حاضنة شعبية مناوئة لنظام الأسد، في منطقة خارجة عن سيطرته، تذهب تقديرات إلى أنها تتجاوز 4 ملايين سوري. كما أن تلك البقعة تضم أقوى الفصائل المناوئة لنظام الأسد، المتبقية على خريطة الميدان، وهي هيئة "تحرير الشام"، وذلك بغض النظر عن ملاحظاتنا على أدائها السياسي.

وحالياً، باتت الكرة في ملعب الفصائل الفاعلة في تلك البقعة من التراب السوري. وفي مقدمتها، "تحرير الشام"، إلى جانب باقي الفصائل، من قبيل، "أحرار الشام"، و"الزنكي"، والفصائل الأخرى الأصغر حجماً. إن لم تعِ تلك الفصائل خطورة المرحلة، وتتحرك سريعاً لتوحيد صفوفها، فستكون الخاتمة مريرة، لها جميعاً.

المؤشرات الأولية، توحي باستيعاب الفصائل الكبرى لخطورة الموقف. فقد تواردت أنباء أولية عن اتفاق مصالحة عُقد بين "تحرير الشام"، و"أحرار الشام". وما زال الغموض يلف مصير محادثات تجري مع فصائل أخرى، في مقدمتها "الزنكي"، لتشكيل غرفة عمليات مشتركة، أو على الأقل، الاتفاق على تقسيم الجبهات في مواجهة قوات النظام والإيرانيين المتقدمين.

الروس والإيرانيون، ونظام الأسد، يراهنون على تحقيق إنجاز ميداني نوعي، في إدلب، قبل سوتشي المرتقبة في شباط المقبل. وهي الخطوة الأخيرة، ربما، قبل ترسيم "طائف سوري". هناك، يراهن الروس على تمريره دولياً في جنيف، وسط انكفاء أميركي يكتفي بما حصّله الحليف الكردي شمال شرق سوريا، بوصفه أداة الضغط القادرة على جلب الروس والإيرانيين إلى طاولة المفاوضات لترتيب المشهد السوري. فموارد الطاقة التي يسيطر عليها الأكراد المدعومون أميركياً، لا غنى عنها لاستقرار اقتصاد نظام الأسد، من دون أعباء إضافية على إيران. وبالتالي، سيضطر الروس والإيرانيون، ونظام الأسد، إلى التفاهم مع الأميركيين، الذين جزموا باستمرار تواجدهم العسكري في سوريا، بـ2000 جندي، لدعم حلفائهم الأكراد على الأرض، فيما طائراتهم تؤمن الغطاء الجوي لهم.

لكن، قبل الوصول إلى لحظة التفاهم المنتظرة بين الروس والإيرانيين من جهة، وبين الأميركيين من جهة أخرى، يسعى الفريق الروسي – الإيراني – الأسدي إلى استكمال لوحة سيطرته، لتشمل المناطق السورية كافة، باستثناء تلك الخاضعة للغطاء الأميركي في شمال شرقي نهر الفرات، وفي الجنوب السوري، وفي بعض الجيوب الصغيرة من البادية السورية.

ولا نعرف بعد إن كان الإيرانيون سيصدقون في تهديداتهم، مستقبلاً، ويذهبون بعيداً في مناوشة القوى التي تحظى بغطاء أميركي، في تلك البقع من سوريا. لكن، في الوقت الراهن، يبدو جلياً أن اهتمام الإيرانيين والأسد سينصب على إدلب، في الفترة التي تفصل بين فشل جنيف8، وبين بدء أعمال مؤتمر الحوار السوري المرتقب في سوتشي، بعد شهرين. وسيبقى المشهد غامضاً، وجلاؤه وقفٌ على أداء الفصائل المناوئة للأسد في تلك البقعة الكبرى المتبقية خارج سيطرته، في إدلب والأرياف المجاورة لها في حلب وحماة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها