الأحد 2017/12/10

آخر تحديث: 00:35 (بيروت)

أزمة القدس تريح الأسد

الأحد 2017/12/10
أزمة القدس تريح الأسد
increase حجم الخط decrease

ربما، تنفس بشار الأسد، الصعداء، حينما اندلعت أزمة اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل. فقبل أيام، كانت تصفية علي عبد الله صالح، قد ضيّقت الهوامش المتاحة للأسد. ولاح شبح تكرار هذه التجربة، في حالته.


لا يختلف وضع بشار الأسد كثيراً عن وضع نظيره الراحل، علي عبد الله صالح. هناك فوارق دون شك، لكن هناك قواسم مشتركة كثيرة. فهما، بقيا عائمين بالاعتماد على تناقضات خصومهما وحلفائهما، في آن. لذا، فإن غرق صالح أخيراً، لابد أنه لاح أمام ناظري الأسد كثيراً، خلال الساعات التي أعقبت تصفية الرئيس اليمني المخلوع.


وكما أن صالح، كان يلعب على رؤوس الثعابين، حسب الوصف الرائج. كان وما يزال الأسد كذلك. لكن الفارق أن ثعابين صالح، كانت داخلية، بصورة رئيسية، فيما الثعابين التي يلاعبها الأسد، هي قوى إقليمية ودولية، متناقضة المصالح، جميعها متفقة على إبقائه  إلى حين.


حياة الأسد، اليوم، هي رهن استمرار التوازنات القائمة، بين كلٍ من الإيرانيين والروس والأمريكيين (ومعهم الإسرائيليون). لكن تلك التوازنات معرضة للاختبار بشدة. بقاء تلك التوازنات، قد يضمن بقاء الأسد. واختلالها لا يعرض سلطة الأسد للخطر فقط، بل قد يعرض حياته نفسها، للخطر. وكما كانت نهاية تجربة صالح، تراجيدية. لا يمكن أن تكون نهاية الأسد إلا كذلك، إن لم يكن مستعداً للانسحاب، بنفسه، في الوقت المناسب، وبدقة متناهية.


حشر علي عبد الله صالح نفسه، بين خصوم، هم الإيرانيون وحليفهم المحلي (الحوثي)، والسعودية والإمارات وحلفاؤهم المحليون من اليمنيين. ولعب على تناقضاتهم، ليبقى بيضة قبان. لكن الحوثيين تمكنوا من ابتلاعه، بدلاً من أن يبتلعهم. وراح صالح ضحية رقصه المتهور على تناقضات الخصوم.


لا توجد فوارق كبيرة في حالة الأسد. فهو حشر نفسه بين حلفاء متنافسين، وخصوم متصارعين. الروسي والإيراني، ليسا على الموجة نفسها. وكل المؤشرات تؤكد وجود صراع خفيّ وهادئ بينهما. وإسرائيل تضغط على الروس والأمريكيين لإيجاد حلٍ ينهي الوجود الإيراني في سوريا، أو يضبطه بصورة لا تهدد أمنها، مستقبلاً، في أدنى الحدود. والأسد ورقة يلعب بها الجميع. ويستمر هو، في حالة واحدة، وهي استمرار حاجة الجميع له. وإن قرر أن ينقلب تماماً لصالح أحد الأطراف، ضد الآخر، سيلقى مصير صالح. وإن انتفت حاجة أحد الأطراف، إليه، بصورة كلية، سيكون معرضاً أيضاً للتصفية. خاصة إن كان ذلك الطرف، هو الإيراني تحديداً. الممسك بقوة، بالميدان السوري.


وفي ظل ما سبق. جاء المُتنفس من واشنطن. فقرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، هدية مثالية توسع نطاق التحالفات، وتوسع الهوامش المتاحة أمام الأسد.


هي خطوة تعني بصورة جلية، أن الأمريكيين يريدون تعزيز الدور الإيراني، والنفخ فيه أكثر، باتجاه الدفع نحو هدفٍ استراتيجي، وهو حشر الخليجيين، وتحديداً، السعوديين، في زاوية التصالح مع إسرائيل، باتجاه التأسيس لشراكة معهم، لمواجهة الخصم المشترك، الإيراني.


إذاً، للخصم الإيراني، أدوار يجب أن يلعبها. هذه الأدوار تتم بضوء أخضر أمريكي، لا يمكن نفيه، بعد قرار واشنطن الخاص بالقدس. وبعد نهاية "داعش"، شبه الكاملة، يجب إعادة إحياء هالة الخصم الإيراني. لذا، فالأسد سيبقى عنصراً ضرورياً في هذه اللعبة.


وفي السياق، يوسع القرار الأمريكي الخاص بالقدس، هوامش التفاهم في أوساط الشراكة بين الإيراني والتركي والروسي. وهنا، يجد التركي نفسه مضطراً أكثر للاقتراب من الشريكيين الروسي والإيراني. فيما الروسي يكسب هامشاً أكبر أيضاً يمكن له استغلاله للتقرب من الأتراك والإيرانيين، وتعزيز نقاط تفاهمه معهما، ونفوذه من خلالهما، في المنطقة.


كل ذلك، يخدم الأسد، ويريحه من سيناريو حصول صراع إيراني – روسي مرتقب، بضغط أمريكي. ذلك السيناريو كان قد أصبح قريباً جداً، ومرشحاً للتطور السريع، مع اقتراب ترتيب حل سياسي للصراع في سوريا. لكن، بعد الخطوة الأمريكية الأخيرة بخصوص القدس، يبدو أن الأمريكيين سيكونون أمام استحقاق أكثر إلحاحاً، يتعلق بمصير التسوية في فلسطين، وسط حديث متواتر عن تفاهمات سعودية – أمريكية – إسرائيلية، غير معلنة، تستهدف ترتيب "سلام إقليمي"، على حساب تطلعات الفلسطينيين، بصورة تخدم تحالفاً شرق أوسطي، بمواجهة إيران.


وخلال العمل للوصول إلى تلك التسوية المرتقبة، وذلك "السلام الإقليمي" المنتظر، وهو أمر قد يتطلب أشهراً، وربما سنوات، ستفقد الأزمة السورية زخم الرغبة بالحل، لدى الأمريكيين تحديداً، الذين ربما يفضلون ترك سوريا ساحةً متاحة للصراع بالوكالة مع الإيراني.


لكننا، لا نعرف بعد، موقف الروسي تحديداً، من تجميد الحل السياسي في سوريا. فها هو بوتين في طريقه إلى أنقرة، الاثنين، لمناقشة ملفين، سوريا والقدس. فيما يبدو أن النظام مصرٌ على إفشال مفاوضات جنيف، ولا يبدو أن الضغط الروسي، جدّي، حياله، حتى الآن.


ومن بين سيناريوهات عديدة منتظرة لسوريا، سيكون أكثرها ترجيحاً، أن يبقى الوضع على حاله، وأن تبقى سوريا، وقْفَاً متاحاً للصراع الهادئ حيناً، والساخن أحياناً، حسب مقتضيات تطور عملية صناعة الخصم الإيراني، الذي يراهن الأمريكي عليه بشدة، لتحقيق أهداف عديدة، من أبرزها، إدماج إسرائيل في محيطها الشرق أوسطي، والسيطرة على مقدرات الخليج المالية دون بذل أي تكاليف عسكرية مباشرة.


خلاصة القول، الصراع في سوريا لم يحن أوان ختمه بعد. ولا يمكن تحقيق نهاية نوعية لهذا الصراع، إلا بقرار أمريكي، لا يبدو أنه سيكون قريباً، في وقت تؤجج فيه الإدارة في واشنطن التوترات في المنطقة بخطوة نوعية من قبيل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.






increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها