الأحد 2017/10/15

آخر تحديث: 09:29 (بيروت)

النجومية ومشقة النساء

الأحد 2017/10/15
increase حجم الخط decrease

أعادت فضيحة الإعتداء الجنسي المتكرر التي فجّرها الصحافي الأميركي رونان فارو ضد أكبر المنتجين والنافذين في صناعة السينما والتلفزيون في أميركا مؤسس شركة ميراماكس هارفي وينستين (65 عامًا)، طرح أكثر القضايا المعلنة والمسكوت عنها في الإعلام الأميركي، وهي قضية الثمن الذي لا يزال على النساء دفعه إن أردن العمل أو التقدم مهنيًا، خصوصًا في ميادين الفن والإعلام، وأعادت معها طرح العلاقة الملتبسة بين النفوذ والشهرة وبين القدرة على الإفلات من العقاب.

أحاطت بالكشف عن السلوك الجنسي العدواني المشين لأبرز أسماء هوليوود، هارفي وينستين، في العدد الأخير مجلة "نيويوركر"، جملة معطيات جعلت القصة تطغى إعلاميًا على ما عداها من احداث. فقد جاء توقيت النشر في الذكرى السنوية الأولى لبث شريط متلفز يظهر فيه مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة في حينه دونالد ترامب متباهيًا بتحرشه بالنساء بأوصاف اباحية، وبقدرته على فعل ذلك لأنه نجم، والذي أعتقد كثيرون ومنهم قادة الحزب الجمهوري، أن توقيت النشر في السابع من تشرين الأول / أكتوبر، أي قبل شهر واحد من الانتخابات، أودى بأي حظ لمرشحهم بالفوز. الّا أن ترامب بعد فوزه هدد بالادعاء على أية امرأة تتهمه بالتحرش.

العامل الثاني الذي اضفى على الفضيحة أهمية أكثر، هو أن كاتب التحقيق رونان فارو، الإبن الطبيعي للفنان السينمائي الأميركي الشهير وودي آلن، أعاد تأكيد اتهام أمه وشقيقته بالتبني ديلين، بأن آلن تحرش بديلين وهي طفلة، وهو ما كشفته في مقابلات ومقالات بعدما أصبحت بالغة. تكمن أهمية إعادة طرح القصة في أن العديد من الناشطات والمؤسسات النسوية تتهم الإعلام بمحاباة آلن الذي تزوج لاحقًا ابنة زوجته بالتبني سون يي بريفن، بسبب شهرته ومواقفه الليبرالية.

العامل الثالث هي ان هذه الفضيحة تأتي في اعقاب فضيحة لا تقل وزنًا طالت الممثل الأفريقي الأميركي الشهير بيل كوسبي الذي لا يزال مصرًا على انكار اتهامات عشرات النساء له بأنه كان يخدرهن في بيته ويمارس معهن الجنس غصبًا، وبعد فضيحتين هزتّا تلفزيون "فوكس نيوز" منارة الإعلام اليميني المحافظ واطاحتا رئيس مجلس إدارتها روجر إيلز، وأشهر مقدمي البرامج فيها بيل أوريلي، على التوالي خلال السنة الماضية.

ويتضح من سياق كل هذه الفضائح التي لم توفر حتى البيت الأبيض إبان عهد بيل كلينتون في التسعينات، وعلاقته مع المتدربة مونيكا لوينسكي، فضلًا عن العديد من الفضائح الأقل شهرة في الأوساط السياسية والفنية والإعلامية والتي تتوالى تباعًا، هي انها تسير وفق سيناريو واحد. شابة جميلة أو موهوبة حديثة التخرج من كليات الإعلام أو الفنون او أي تخصص متصل بهذه القطاعات، تقصد مكاتب المدير المسؤول أو الشخص النافذ أو السياسي المعروف للتعارف بعد تقديم طلب وظيفة، أو عن طريق طرف ثالث يسعى لتأمين اللقاء على امل الحصول على وظيفة في مؤسسة، أو دور في فيلم او مسلسل او مسرحية.

في العادة يختار الجناة ضحاياهم وفق معايير الجمال التي يفضلونها. فبين مئات البنات المكافحات والساعيات الى تأمين مصدر دخل بعد سنوات من الدراسة والتحصيل واللواتي يتقدمن يوميًا بطلبات وظائف هناك من يلفتن نظر المسؤول أو حتى بعض مساعديه ممن يرغبون في استرضائه، ويتم تأمين موعد أولي في مكان العمل، بعدها يقدم الجاني دعوة "بريئة" للضحية لمقابلة جديدة لمواصلة الحديث، باعتبار انه مهتم بموهبتها او مؤهلاتها. غالبًا ما تكون هذه الدعوات الى فنادق، او الى مكان سكن المسؤول ان لم يكن متزوجًا، وهناك تبدأ رحلة المعاناة.
تقول احدى ضحايا وينستين لورين أوكونور في وصفها لما حصل معها:" انا امرأة عمري 28 سنة، تحاول ان تعيش وتجد مهنة. هارفي وينستين عمره 64 سنة، صاحب شهرة عالمية وهذه هي شركته. توازن القوى هنا...انا: صفر، هارفي وينستين: عشرة. لكن سكوتي يسبب لي الكثير من الضغط". اما اميلي نستور طالبة الحقوق وإدارة الأعمال، فتتحدث عن لقائها بوينستين قبل ثلاث سنوات فتقول انه دعاها الى فطور بعد يوم واحد من بدئها العمل في شركته. فور وصولها عرض عليها مساعدتها في وظيفتها وهو يتباهى امامها بعدد الممثلات المعروفات اللواتي مارس معهن الجنس وحاول طوال ساعة كاملة ممارسة الجنس معها.

ولم تقتصر تحرشات وينستين بالمبتدئات فقط وانما يظهر من التقارير الإخبارية أن المنتج الحاصل على العديد من جوائز الأوسكار تحرش بممثلات شهيرات منهن آشلي جود، انجيلينا جولي، روز مكغوين، وغوينث بالترو.

وكما يحصل سيناريو التحرش في سياق متشابه، يكون الرد على اتهامات التحرش وفق سيناريو شبه موحد. تهديد الصحف ووسائل الإعلام التي تنشر الأخبار. محاولة ترهيب الضحايا والتهديد بفضح اسرارهن على الملأ، تكليف محامين لامعين ومكاتب متخصصة في العلاقات العامة، ثم قلب الطاولة على الضحايا من خلال التقدم بشكاوى ضدهن تهدد بكشف الخصوصيات والمشاكل امام المحاكم، بينما تكون المساعي خلف الستارة للتوصل الى تسوية مالية يكون البند الأول فيها منع الضحايا من الإشارة الى التعديات الجنسية عليهن. ويندر ان تكون هناك قضايا تحرش لا يظهر خلال تناولها ان الجناة غالبًا ما توصلوا الى اتفاقات مالية سرية مع بعض ضحاياهن السابقات شريطة الصمت. اما في حالة وينستين الذي يمتد تاريخه التحرشي لأكثر من ثلاثة عقود، فقد وضع ترتيبات قانونية في شركته تمنع الموظفين من تناول موضوع التحرش كما تلزم الشركة بدفع اية مبالغ في التسويات التي قد تنتج عن التحرش.

وفي العادة تنتهي القضية تدريجًا بعد فصل المعتدي من وظيفته، كما حصل مع وينستين، الذي تم طرده ايضًا من الاكاديمية الفنية التي تقرر وتمنح جوائز الأوسكار. لكن اجراء الفصل من الوظيفة لا يقل غرابة حيث يحصل المعتدي على تعويضاته كاملة في ما يطلق عليه الاعلام الأميركي اسم "المظلة الذهبية" حيث يهبط المعتدي من منصبه الى حياة ميسورة لا يعكرها سوى ذكريات "مزعجة" تعود الى الواجهة عندما تحصل الفضيحة الجنسية الجديدة.

صحيح ان المرأة في المجتمعات الغربية المتقدمة حصلت على شيء من حقوقها الأساسية، وصحيح أن الكثير من المؤسسات المهنية والنقابية والحقوقية تتابع قضايا من هذا النوع ولا تتساهل في موضوع التحرش في أماكن العمل، لكن الصحيح ايضَا أن ذكورية المجتمع، وذكورية عالم الشركات المساهمة والقطاعات الإنتاجية عمومًا، وحاجة الناس، والنساء منهن، الى فرص عمل تجعل من المرأة مشروع ضحية كلما طرقت باب رزق، أو كلما اوقعها قدرها في درب مدير او سياسي او نجم يعتبرون الإغتصاب جزءً من سيرة نجاحهم، وهو المفهوم البدائي الذي حدثنا عنه بالتفصيل المرشح دونالد ترامب حين ارشد الرجال الناجحين والنجوم الى اين يمسكون المرأة عندما يرونها وأكد لنا أنها لن تقوى على شيء أمام النجومية. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها