الأحد 2023/12/24

آخر تحديث: 07:22 (بيروت)

حارس الإزدهار:هيكل بلا روح ولا خطة

الأحد 2023/12/24
حارس الإزدهار:هيكل بلا روح ولا خطة
increase حجم الخط decrease

في ذروة الإنغماس الأميركي المباشر والمستجد في الشرق الأوسط، وفي ظل خيبة الأمل السائدة في واشنطن من الإداء الإسرائيلي الرديء وعدم قدرة دولة الاحتلال على تحقيق أي انجاز ميداني يذكر بعد عشرة أسابيع من بدء حرب الإبادة الشاملة ضد قطاع غزة، حاولت إدارة الرئيس جوزيف بايدن، التي تعاني من عزلة دبلوماسية غير مسبوقة بسبب تبنيها الكامل لموقف تل أبيب، إستعادة زمام المبادرة اقليميًا وتكريس موقعها القيادي الذي تراجع كثيرًا في السنوات الأخيرة، فأعلنت عن انشاء تحالف عسكري جديد لحماية الملاحة الدولية من هجمات جماعة أنصار الله اليمنية في البحر الأحمر وبحر العرب أطلقت عليه اسم "حارس الإزدهار". 

وعلى الرغم من توظيف واشنطن الكثير من رصيدها السياسي لإظهار التحالف الجديد كنقطة تحول هامة، جاءت النتائج اقل من المتوقع ولم يحصل أي تغيير نوعي في الخريطة العسكرية القائمة ولم تحدث أية صدمة إيجابية خصوصًا لدى شركات الشحن البحري التي اشتكت من الغموض الذي يحيط بالتحالف ومهامه، ولم ينجح وزير الدفاع لويد أوستن الذي اعلن بنفسه من البحرين عن ولادة التحالف ولا المؤتمر الصحافي المطول الذي عقده الناطق باسم البنتاغون الجنرال بات رايدر في طمأنة شركات الشحن والتأمين، أو في بث الروح في الهيكل الجديد.

واذا كان المكتوب يقرأ من عنوانه، لم يوفق البنتاغون في اطلاق اسم يليق بمشروع تجاري على عملية عسكرية دولية في منطقة شديدة الحساسية، ثم أن الحديث عن الإزدهار وحراسته في إقليم يشهد أعنف عمليات القصف البري والجوي والبحري لأحياء مأهولة وابشع عمليات العقاب الجماعي والتطهير العرقي، بمشاركة أميركا ورعايتها، منذ الحرب العالمية الثانية، ليس في محله. 

وفي الشكل أيضًا، كان ملفتًا أن ثمانية دول من أصل العشرين الذي قال رايدر أنها وافقت على المشاركة في التحالف، فضلت عدم الكشف عن اسمها في الوقت الراهن، ولم تنجح التسريبات الأولية في زج اسم المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة في الهيكلية الجديدة، ويبدو واضحًا من التقارير الإعلامية أن الرياض رفضت الدخول في التحالف في سياق معاندتها المستمرة لبايدن وادارته، فهي لم تنس مسارعة بايدن فور وصوله الى البيت الأبيض الى رفع اسم أنصار الله عن لوائح الإرهاب، واصراره عبر المؤسسات الدولية على منع الحصار على ميناء الحديدة الذي هو شريان تسليح الحوثيين، ثم اعتماد سياسة عدم بيع أسلحة وذخائر هجومية للمملكة، لذلك جاء خبر تغيير هذه السياسة في هذا التوقيت وكأنه استرضاء تكتيكي على أمل تغيير الموقف السعودي لاحقًا.

كذلك توقف المراقبون عند اعلان كل من فرنسا وإيطاليا واسبانيا رفض وضع قطعاتهم البحرية الموجودة في المنطقة تحت قيادة الولايات المتحدة في اطار التحالف الجديد، وقالت الدول الثلاث ان سفنها الحربية ستكون بقيادة ضباطها وستعمل على حماية السفن التي تحمل اعلامها، وعلى خط موازٍ اقتصرت المشاركة الهولندية على ارسال ضابطين للعمل في قيادة التحالف في مقر الأسطول الأميركي الخامس في البحرين، كذلك أعلنت النروج انها سترسل عشرة ضباط، وأعلنت الدانمارك انها سترسل ضابطًا واحدًا. اما عدد القطع الحربية المشاركة فلم يتغير كثيرًا بعد تأسيس التحالف، وباستثناء اعلان إيطاليا انها سترسل فرقاطة، وبريطانيا عن ارسال مدمرة، واليونان غن ارسال سفينة حربية، ستكون القطع الموجودة حاليًا هي ذاتها.

سياسيًا تواجه واشنطن معضلة حقيقية في كيفية التعامل مع التهديد الحوثي للملاحة، فهي غير قادرة فعليًا على احداث تغيير ميداني مباشر، لأن جماعة انصار الله تقول انها تستهدف السفن الإسرائيلية أو المتجهة الى إسرائيل، كما ان الجماعة ليس لديها ما تخشى خسارته بعد سنوات طويلة من الحرب والقصف قي اليمن، في المقابل لا تريد إدارة بايدن تأليب المزيد من الرأي العام العربي ضدها اذا بادرت الى شن غارات على مواقع الحوثيين، وهي وفق استطلاعات الرأي الأخيرة في ادنى نسب منذ غزو العراق عام 2003. لذلك سيقتصر دور التحالف على مواكبة السفن واعتراض أية صواريخ أو مسيرات تطلق عليها.

حتى الآن يبدو أن الوظيفة الأولى للتحالف الجديد هي تلبية طلب آخر لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الغارق قي رمال غزة، والذي طلب من واشنطن علنًا تولي أمر التهديد الحوثي ليس فقط للملاحة وانما لأمن إسرائيل التي تتعرض لهجمات متقطعة بالصواريخ بعيدة المدى والطائرات المسيرة، وهي وان لم تحدث إصابات أو اضرار، فإنها تزيد من القلق الذي يغلف دولة الاحتلال منذ طوفان الأقصى، كما تزيد في الوقت نفسه من الدعم الشعبي العربي للحوثيين. هي خدمة أخرى يقدمها بايدن لنتنياهو، خدمة ستكلفه المزيد من المتاعب التي تتراكم عليه في سنة انتخابية بدأت تتخذ شكلها النهائي والذي لا يطمئن البيت الأبيض ابدًا.                         

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها