الأحد 2023/12/31

آخر تحديث: 08:48 (بيروت)

2024 سنة ترامب العاصفة

الأحد 2023/12/31
2024 سنة ترامب العاصفة
increase حجم الخط decrease

يستهل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب العام الجديد بمواجهة عاصفة قانونية مختلفة لن تتوقف مفاعيلها على تحديد مستقبله السياسي وحسب، بل ستمتد تبعاتها المحتملة الى سيل القضايا التي تلاحقه منذ خروجه من البيت الأبيض خاسرًا مطلع العام 2021، واذا كان أسلوب ترامب المعروف باستخدام القضاء لتأجيل وتسويف البت في الدعاوى المرفوعة ضده، مكنه حتى الآن من تجنب استحقاقات كبيرة بسهولة واستثمار ذلك في تعزيز مكانته الانتخابية وتشديد قبضته المعنوية على قاعدته الشعبية الواسعة والمكونة من النواة المتزمتة من الناخبين البيض ذوي الأصول الأوروبية، والذين يشكلون العمود الفقري للتيار اليميني المحافظ والمتسامح مع الإنزلاق التدريجي نحو الإستبداد والعنصرية، فإن القضية الجديدة تحرمه من هذه الميزة وتجبره على استعجال الحكم فيها.

في تطور لافت لمسار الانتخابات الرئاسية التي تنطلق المرحلة التمهيدية منها لإختيار المرشحين قريبًا، تلقى ترامب صدمتين قانونيتين بارزتين حين تم اعلان منعه من حق الترشح في ولايتين. ففي التاسع عشر من كانون الأول /ديسمبر قضت المحكمة العليا في ولاية كولورادو بعدم أهليته لخوض الانتخابات في الولاية بسبب دوره في التحريض على اقتحام مقر الكونغرس في السادس من كانون الثاني /يناير 2021، لمنع التداول السلمي للسلطة بعد هزيمته امام جوزيف بايدن، واستندت المحكمة في قرارها الى البند الثالث من التعديل الرابع عشر في الدستور، وبعد أسبوع على ذلك اعلنت وزيرة داخلية ولاية ماين قرارًا مماثلًا للسبب نفسه، فيما تنظر أكثر من عشرين ولاية أخرى في دعاوى مشابهة تهدف الى منع ترامب من الترشح لتزكية الحزب الجمهوري له.
جاء رد فعل ترامب وفريقه على القرارين كالمعتاد اعلاميًا وتعبويًا، اتهامات بالتحيز والتسييس واستنفار للقاعدة الموالية، لكن رد الفعل القانوني اختلف، لم يكن بوسع ترامب التسويف والمماطلة لأن اللوائح الانتخابية على وشك الصدور والمهل القانونية لنشرها لا تتجاوز بضعة أيام، فيما تجري أوسع انتخابات تمهيدية  في الخامس من آذار /مارس في 16 ولاية بينها كولورادو وماين، لذلك تقدم فريقه القانوني على الفور بالتماس الى المحكمة الدستورية العليا للبت في الملف بأقصى سرعة. سيترتب الكثير على ما ستقرره المحكمة. إذا رفضت المحكمة النظر في الدعوى سيعني ذلك تلقائيًا نفاذ الأحكام التي صدرت، وبالتالي سيشجع ذلك ولايات كثيرة على منعه من الترشح، وينتهي سياسيًا، اما اذا قبلت فذلك يعني تجميد كل القضايا المرفوعة وتأجيل تنفيذ الأحكام التي صدرت الى حين النطق بالحكم، المرحلة التالية لا تقل حساسية، فإذا ثبتت حكم كولورادو وقرار ماين، ستكون فوق انهاء ترامب سياسيًا قد أدانته في القضايا الجنائية المرفوعة ضده بتهمة عرقلة التداول السلمي للسلطة وسينسحب ذلك على القضايا الموازية، أما اذا اجازت ترشيحه، وهذا هو الأرجح، ستفتح الباب أمام أزمة دستورية غير مسبوقة، لأنها لم تأخذ بنص دستوري صريح، وما يزيد من تفاقم ذلك أن ثلاثة من القضاة التسعة الذين سيبتون في القضية هم من الذين عينهم ترامب نفسه.
يقول النص الدستوري الذي استندت اليه ولايتا كولورادو وماين وكان المحرك الأساس للدعاوى التي رفعت ضد ترشيح ترامب: " لا يجوز لأي شخص أن يصبح شيخاً أو نائباً في الكونغرس، أو ناخباً للرئيس أو أن يشغل أي منصب، مدنياً كان أو عسكرياً، تابعاً للولايات المتحدة أو تابعاً لأية ولاية، إذا سبق له أن أقسم اليمين كعضو في الكونغرس أو كموظف لدى الولايات المتحدة كعضو في مجلس تشريعي لأية ولاية أو كموظف تنفيذي أو عدلي في أية ولاية، بتأييد دستور الولايات المتحدة واشترك بعد ذلك في أي تمرد أو عصيان ضدها، أو قدم عوناً ومساعدة لأعدائها. ولكن يمكن للكونغرس، بأكثرية ثلثي الأصوات في كل من المجلسين أن يزيل مثل هذا المانع". صدر هذا التعديل عام 1866، بعد الحرب الأهلية وكان يهدف الى منع السياسيين من الجنوب الأميركي ممن ساهموا في الحرب ضد الفدرالية من حيازة أي منصب انتخابيًا، وعلى الرغم من أن الكونغرس في سنوات لاحقة أصدر تشريعات تحد من فعالية النص إلّا أنه لا يزال ساري المفعول وجزء لا يتجزأ من مواد الدستور.
ولا تقتصر تحديات المحكمة على العليا على وضوح النص أو شبهة محاباة القضاة الذين عينهم ترامب وحسب، بل تشمل مسألتين حيويتين على صلة بالأمر، الأولى أن معظم القضاة المحافظين ومنهم القضاة الستة الذين عينهم رؤساء جمهوريون لهم اراء منشورة وموثقة حول أولوية حقوق حكومات الولايات في بت الأمور الانتخابية على حقوق الحكومة المركزية، والثانية أن المحكمة سبق لها أن حسمت مصير انتخابات بالغة الحساسية عندما صوتت لصالح جورج بوش الإبن رغم عدم فوزه بغالبية الأصوات العامة مقابل نائب الرئيس في حينه آل غور، وكان على الأخير أن يقبل قرار المحكِمة وأن يترأس الجلسة التشريعية التي أقرت شرعية خصمه دون جدال.
رغم كل صخب السنة المنصرمة، والتي شهدت الادعاء على ترامب أربع مرات بـ 91 تهمة جنائية فدرالية ومحلية، نجح الرئيس السابق في البقاء في الموقع القيادي الأول للمحافظين، ورغم كل الأحداث المجلجلة التي شهدتها نجح في البقاء في المركز الأول الجاذب للأضواء في أميركا، لكن الأسابيع الأولى من السنة الجديدة قد تضع حدًا نهائيًا لكل ذلك.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها