السبت 2017/10/14

آخر تحديث: 19:32 (بيروت)

لعبة الامم في إدلب

السبت 2017/10/14
لعبة الامم في إدلب
Almodon.com ©
increase حجم الخط decrease

هل نستطيع القول بأن قادة هيئة تحرير الشام أنصتوا لصوت العقل، وقرروا بالفعل، تجنيب إدلب وسكانها، مصائر مشؤومة، كانت مرجحة؟، ربما من المبكر الجزم بذلك. لكن المؤشرات الأولية توحي بأن قادة الهيئة أدركوا، بعد محاولة متسرعة لخلط الأوراق، أن الخيارات المتبقية كلها مُرّة، فاختاروا أقلها مرارةً، في ما يبدو.


في الأسابيع الأخيرة، قامت هيئة تحرير الشام بمحاولة جديدة، لكنها اكتشفت، مرة أخرى، أنها عاجزة عن التأثير ميدانياً، دون غطاء إقليمي داعم. إذ آلت عملياتها العسكرية الأخيرة في جنوب إدلب وريف حماه الشمالي، إلى نتائج هزيلة، ربما باستثناء الاستيلاء على بلدة "أبو دالي"، التي تشتهر بوصفها معبراً تجارياً بين مناطق سيطرة النظام، وبين محافظة إدلب.


في المرحلة الأولى من عمليات هيئة تحرير الشام، كان الردّ الروسي حاسماً وشديداً. وتعرضت بلدات إدلب لقصف وحشي، طال المدنيين، كما طال مقار لفصائل معارضة، بعضها مناوئ لهيئة تحرير الشام، الأمر الذي أثار استغراب بعض المراقبين، وأوحى لهم بأن روسيا تريد النيل من فصائل قد يعتمد عليها الأتراك في حال حصول مواجهة مع هيئة تحرير الشام، إذا تم الدخول التركي، من دون موافقة الهيئة. الأمر الذي قد يُفسر على أن الروس كانوا يأملون حصول مواجهة تركية مع هيئة تحرير الشام، في إدلب، وتعرض الأتراك للاستنزاف هناك.


لكن، في المرحلة الثانية من عمليات هيئة تحرير الشام، استولت الأخيرة على بلدة أبو دالي. وهنا، غاب الغطاء الجوي الروسي تماماً عن عمليات جيش النظام، الأمر الذي أثار تكهنات، بأن الروس كانوا راضين عن هذا التقدم لهيئة تحرير الشام، باعتباره يضرّ بالنفوذ الإيراني الميداني، حسبما ذهب إليه مراقبون محليون من سكان المنطقة. لكن سرعان ما جاء ردّ النظام وحليفه الإيراني، إذ عبرت مجاميع من مقاتلي "داعش"، مناطق في ريف حماه الشرقي، من دون أي اشتباك مع ميليشيات النظام وإيران، لتشتبك مع مقاتلي هيئة تحرير الشام. وبذلك، خلط الإيرانيون، وحليفهم في دمشق، من جديد، الأوراق، في مواجهة هيئة تحرير الشام. وربما في مواجهة الأتراك مستقبلاً، أيضاً. فوصول "داعش" إلى مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام، قد يفتح الآفاق أمام احتمالات عديدة، أحدها ربما، حصول اتفاق بين الطرفين، "داعش"، و"هيئة تحرير الشام"، باعتبار أنهما مستهدفان من جميع الأطراف. الأمر الذي قد يشكل عبئاً على الأمن القومي التركي، بالدرجة الأولى، لأن ذلك يعني أن متشددي "داعش" قد يصبحون على تخوم تركيا، من جديد. لكن الاحتمال الآخر، الوارد بشدة أيضاً، أن تتورط هيئة تحرير الشام في حرب شعواء مع "داعش"، مهدت لها بالفعل، حرب بيانات صدرت عن الطرفين، نعت فيها كل طرف الآخر، بوصوف ذات مصدر فقهي، تستلزم القتال.


لا شك أن خلافات في الرأي تعتمل الآن في أوساط قيادة هيئة تحرير الشام، بين أصوات تطالب بالذهاب إلى النهاية في الصراع مع الأتراك، بوصفهم تعبيراً عن توافق إقليمي – دولي، يستهدف تصفية "المشروع الجهادي" في سوريا. حتى لو تطلب ذلك، التحالف مع "داعش". لكن، في المقابل، لا بد أن أصوات سترتفع في قيادة الهيئة، لترفض هذا الخيار، مذكرةً بأن الرأي العام المحلي في إدلب، يفضل السيناريوهات التي تفضي إلى وقف القصف والقتال. وأن خيار التفاهم مع تركيا، أرحم، ألف مرة، من خيار التحالف مع "داعش"، الذي بات شراً مطلقاً في جميع القواميس الإقليمية والدولية. التحالف مع "داعش"، هو نحرٌ لمشروع "الجهاد" في سوريا. لا بد أن ذلك النقاش يدور الآن في أوساط قيادة الهيئة. ويبدو للعيان، أن كفة الرأي الثاني، رجحت مؤقتاً، بدليل اللقاءات التي أجراها بعض قيادات الهيئة مع وفد عسكري تركي، انتهت إلى دخول أولي للقوات التركية، بسلام.


لكن، ما يزال الجواب حول المسار الذي ستعتمده هيئة تحرير الشام، في التعامل مع تطورات الدخول التركي إلى مناطق سيطرتها، غير حاسم. يأمل الكثيرون أن تغلب كفة الرأي الثاني، القائلة بأن التفاهم مع تركيا، أفضل الخيارات المتاحة، حتى النهاية. فهو بالفعل، أفضل المصائر المحتملة لإدلب وسكانها، في الوقت الراهن. لكن، مسار التعامل مع تطورات الدخول التركي إلى إدلب، يتطلب من هيئة تحرير الشام، في نهاية المطاف، القيام بقرارات جريئة، ونوعية. فعلى الهيئة أن تنسجم مع الترتيبات التركية في الشمال السوري، بما في ذلك، ربما، حل نفسها، والاندماج في مؤسسات معارضة، ترتبها أنقرة لتكون حصتها من الكعكة السورية. فهل ستصل الهيئة إلى هذه الخاتمة بالفعل؟.. لا يمكن الإجابة الآن، فلا بد أن خلافات الرأي في أوساط قيادة الهيئة، ما تزال في أوجها. والكفة التي سترجح حتى النهاية، ما تزال غامضة.


***


بالنسبة للأتراك، فإن استيعاب هيئة تحرير الشام، وعدم الاصطدام معها، هو أفضل الخيارات المتاحة بالنسبة لهم، في إدلب. وإذا تمت مراحل انتشارهم السبع المرتقبة في المنطقة، بسلاسة وأمان، حتى النهاية، فإن ذلك أفضل ما كان يمكن أن يحدث لأنقرة. فهي لم تتورط في حرب استنزاف مع مجموعة جهادية متمرسة، في منطقة جبلية وعرة، تمتلئ بأنصار التيار الجهادي. وكذلك، لم تخسر المنطقة لصالح هجوم عسكري بريري من جانب النظام والإيرانيين بغطاء روسي، بصورة تسبب نزوحاً بمئات الآلاف إلى الأراضي التركية. وكذلك تجنبت أسوأ السيناريوهات بالنسبة لها. وهو تقدم قوات الاتحاد الديمقراطي الكردي، بغطاء جوي أمريكي، للسيطرة على المنطقة، وصولاً إلى البحر، وتحقيق حلم الأكراد، بإطلالة بحرية لكيانهم المُرتقب. لذلك نجد أن الانتشار العسكري التركي، الأولي، تم على تخوم عفرين، من جانب إدلب. أي أن الهاجس التركي الرئيس، هو عدم حصول تمدد كردي عبر إدلب إلى البحر.


أما الروس، ربما لم يتحقق أحد السيناريوهات التي فضلوها في إدلب، وهو تورط الأتراك في حرب استنزاف في مواجهة تحرير الشام. لكنهم من دون شك، يفضلون التفاهم مع الأتراك للسيطرة على تلك المنطقة، بدلاً من تمدد الأكراد بغطاء أمريكي. فالروس يعلمون أن النظام وداعمه الإيراني على الأرض، لن يتحمل مواجهتين حاسمتين، على جبهتين في آن. وفي الوقت الراهن، يفضل التحالف الإيراني – الروسي، التركيز على الجبهة الشرقية. دير الزور، وما بعدها. لأن ذلك يعني مصير مصادر الطاقة، التي قد تعين النظام على البقاء حياً، من الناحية الاقتصادية، في المستقبل، من دون أن يكون عبئاً مالياً ثقيلاً على الإيرانيين.


الإيرانيون بدورهم، يحبذون من دون شك، أن يرون الأتراك غارقين في دمائهم، في مواجهة متطرفين وجهاديين في إدلب. لذلك، فتحوا الطريق لمقاتلي "داعش". لكن إن تعذر ذلك، فإن القبول بسيطرة الأتراك على إدلب، أفضل بمئة مرة، من حصول تقدم كردي في تلك المنطقة. فتلك كارثة لإيران أيضاً، بالتزامن مع التحدي الذي تواجهه في كردستان العراق. فأكرادها، دون شك، ينظرون بعين الترقب، إلى مصائر التجارب الاستقلالية الكردية، في العراق وسوريا. وإجهاض تلك التجارب، هدف إيراني رئيسي، له أولوية على أية مناكفات مع الجار التركي.


بالنسبة للنظام، لا يبدو أن له من القرار شيئا. حتى أن تصريحات وزير خارجيته في لقاء موسكو الأخير، تؤكد أنه لم يكن يعلم حتى، ما الذي يدور من مفاوضات سرية، بين أنقرة وطهران وموسكو، حول مصير منطقة إدلب.


وحدهم الأمريكيون، ربما غير سعداء بالدخول التركي إلى إدلب. علناً، توحي تصريحاتهم بالرضا عن ذلك. لكن مناكفاتهم مع الأتراك، على أرض الواقع، بما في ذلك مسألة موظفي السفارة الأمريكية، المرتبطين بـ فتح الله غولن، إلى جانب رهانهم الكبير على حلفائهم الأكراد، والابتعاد التركي المستمر عنهم، لصالح تفاهمات ثلاثية مع روسيا وإيران، كلها أمور غير مريحة لهم، من دون شك. لا بد أن الأمريكيين كانوا يأملون تحقيق تمدد كردي إلى الساحل السوري، إن أمكن. فذلك يعني أن حليفهم الميداني الذي راهنوا عليه، حصل أخيراً على متنفس بحري، يُنجيه من احتمالات الخنق الاقتصادي التي يمكن للأتراك والإيرانيين ونظام الأسد، تنفيذها بحقهم، في المستقبل.


لذلك. ربما ستبقى قائمة "الإرهاب"، الورقة الأقوى في قبضة الأمريكيين، يرفعونها في وجه الأتراك، كلما حاول هؤلاء استيعاب هيئة تحرير الشام، حتى لو حلت الأخيرة نفسها، واندمجت في الترتيبات التركية. فبعض قياداتها، مطلوبين لدى واشنطن، وهم محتسبين على قيادة تنظيم القاعدة. وبالتالي، لا يمكن لهم أن يختفوا ببساطة.


ستبقى تلك الورقة، التحدي الأبرز أمام الأتراك في إعادة تأهيل الجسم المتشكل من حل هيئة تحرير الشام، لو تم ذلك. وسيبقى الأمريكيون غير راضين عن التمدد التركي داخل الأراضي السورية. ما دام الحليف التركي القديم، غير صاغر تماماً، للإرادة الأمريكية.





increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها