الأحد 2016/08/07

آخر تحديث: 08:12 (بيروت)

حلب، حرب تحرير أم تحريك؟

الأحد 2016/08/07
increase حجم الخط decrease


فيما تغمر الفرحة مشاعر الكثيرين من السوريين جراء ما حققته فصائل المعارضة السورية خلال أقل من أسبوعٍ واحدٍ، من الانتصارات الميدانية النوعية جنوب حلب، وصولاً إلى فك الحصار عن شرقها.. تخالج بعضهم المخاوف مما سيأتي بعد "فك الحصار".. ويتساءل مراقبون سوريون، علناً، أو مواربةً: هل الحرب في حلب، حرب تحرير أم حرب تحريك؟


فصائل المعارضة المشاركة، أعلنتها منذ بداية المرحلة الأولى من معركة فك الحصار عن شرق حلب، أن الغاية النهائية لهذه الحملة العسكرية، هو تحرير كامل المدينة، بما فيه الشطر الغربي الخاضع لسيطرة النظام.


لكن نظرية تسود في أوساط مراقبي الشأن السوري، مفادها أن معركة بهذا الحجم وبهذه النوعية من الإعداد والتخطيط والحشد والإمداد، لا بد أنها حظيت بمباركة ودعم إقليميين، والخشية أن يكون هذا الدعم لغايات مؤقتة ومحدودة.


صباح الجمعة خرج وزير الخارجية التركي بتصريح خارج عن السياق، في هذه الأجواء. ففيما كانت المعارك تحتدم على أبواب مدرسة المدفعية في الراموسة بحلب، دعا مولود جاويش أوغلو، إلى عقد جولة رابعة من محادثات السلام السورية غير المباشرة في جنيف، مؤكداً على ضرورة استئناف المفاوضات بشأن مستقبل سوريا.


أوغلو برر تصريحاته، أنها جاءت خشية التهديد بموجة هجرة جديدة إلى الأراضي التركية، بفعل حصار قوات النظام لشرق المدينة.


تصريحات أوغلو هذه جاءت في الوقت الذي كانت فيه فصائل المعارضة تدك آخر أسوار الحصار على المدينة، الأمر الذي يدعو للتساؤل، لماذا تريد تركيا الآن تحديداً، إطلاق جولة جديدة من المفاوضات؟، وهل يعني التحضير لهذه الجولة، وقفاً للأعمال القتالية، حسب المفهوم الأمريكي، مما يعني، وقف زخم التقدم الميداني المثير للإعجاب، الذي حققته المعارضة جنوب حلب، وباتجاه غربها؟


 الثلاثاء، سيكون اللقاء المُرتقب بين رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين. ويُعتقد أن أردوغان سيتسلح، في جملة ما سيتسلح، بأوراق قوة سورية جديدة، بفعل انتصارات فصائل المعارضة، التي يغلب الظن أنها تلقت دعماً تركياً، وذلك أثناء مفاوضاته مع بوتين، حول سلة من القضايا العالقة بين الطرفين.


لكن صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، نشرت رأياً آخر على لسان أحد محلليها، مؤخراً. وتساءلت الصحيفة، عن ماذا سيتنازل أردوغان كي ينال صداقة بوتين؟


التعريجة التركية الأخيرة نحو روسيا، والتي سبقت محاولة الانقلاب الفاشلة، فسرها الكثيرون حينها، بأنها نتاج إحساس تركي بعدم الطمأنينة حيال نوايا الغرب تجاهها، وتحديداً، الولايات المتحدة الأمريكية.


تلك المخاوف، حسب ما تُشيع التصريحات الرسمية التركية، تزايدت، بعد المحاولة الانقلابية، إذ تلمح قيادة حزب العدالة في أنقرة إلى تورط الغرب، وتحديداً واشنطن، في دعم غير مباشر للمحاولة الانقلابية، أو على الأقل، التعاطف غير المعلن معها.


ناهيك، عن البعد الاقتصادي الحيوي للعلاقات مع روسيا، الذي يهم أردوغان، الرجل الذي بنى جزءاً كبيراً من شعبيته على الاقتصاد.


واللافت، أن تصريحات وزير خارجية تركيا، التي دعت إلى استئناف مفاوضات جنيف، سبقتها، منذ حوالي أسبوع، تأكيدات لمساعد المبعوث الدولي الخاص بسوريا، أطلقها من دمشق، غداة حصوله على قبول نظام الأسد باستئناف المفاوضات. إذ قال مساعد المبعوث الدولي، إنه متأكد أن مفاوضات جنيف السورية ستُستأنف قبل نهاية شهر آب الجاري.


لا تبتعد تلك المؤشرات عما صرح به الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، منذ يومين، حينما أشار إلى أنه لا يثق بروسيا ودورها في سوريا، لكنه أكد رغبته في استقصاء سلامة النوايا الروسية حتى النهاية، مما يعني أن أوباما يريد استئناف السعي في مسار التعاون مع موسكو، بغية إطلاق قطار الحل السياسي في سوريا.


حصيلة ما سبق تُوحي بأن ما حدث في حلب مؤخراً مجرد حرب تحريك، الهدف منها تحسين وضع الوفد التفاوضي للمعارضة على طاولة المفاوضات، بعد فك الحصار عن حلب.


ورغم أن استثمار الإنجازات الميدانية يكون عادةً على طاولة السياسة، إلا أن عدم استكمال فك الحصار، بتحرير كامل للمدينة، بشطرها الغربي، يعني أن ما حصل حتى الآن في حلب، مجرد تحريك للجبهات، يستهدف إقناع الروس وحلفائهم على الأرض من الإيرانيين، ونظام الأسد، أن الحسم العسكري لصالحهم غير ممكن.


ما سبق هي حصيلة مهمة على طاولة مفاوضات جنيف، دون شك، لكنها ستبقى هزيلة، لأن مفادها الخروج بصيغة، "لا غالب ولا مغلوب". فالنظام حاصر شرق حلب وهدد أحد أبرز معاقل المعارضة المسلحة. فتمكنت الأخيرة من فك الحصار، وعكست الوضعية، عبر تهديد إحدى أبرز مناطق سيطرته، في غربي حلب. الحصيلة، صفر. أي توازن قوى بين الطرفين.


لا تخدم تلك الحصيلة تطلعات السوريين المناوئين لنظام الأسد، ولا تتناسب مع حجم التضحيات الجسيمة التي قدمها المجاهدون على أبواب حلب، ولا تتناسب مع حجم التطلعات المنُتظرة من هذه الحملة العسكرية الضخمة. الأمر سيشكل في نهاية المطاف، إحباطاً لشريحة واسعة من السوريين، وعودة إلى دائرة إدارة الأزمة المُفرغة، التي تمارسها القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في المشهد السوري، وتحديداً، من حلفاء المعارضة.


هناك نظرية أخرى. أو بالأحرى، سيناريو آخر يتطلب التفعيل من المؤثرين. فبالتوازي مع المفاوضات بين تركيا وروسيا من جهة، والولايات المتحدة وروسيا من جهة أخرى، تجري دون شك مفاوضات على مستويين، الأول، بين الفصائل المعارضة المشاركة في معركة حلب من جهة، وبين الداعميين الإقليميين من جهة أخرى، وفي المستوى الثاني، بين الداعمين الإقليميين، وواشنطن.


في المستوى الأول، يتطلب الأمر التركيز على الإيجابيات التي يمكن أن تتحصل للداعمين الإقليميين من دعم سيناريو تحرير كامل حلب، حتى النهاية. وهو سيناريو يخدم تركيا دون شك، وهو يعزز سيناريو آخر لطالما أمل الأتراك تنفيذه، ودعمه الأوروبيون، وترحب به مرشحة الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأمريكية، هيلاري كلينتون. وهو سيناريو المنطقة الآمنة، التي يمكن أن تتوسع، لتكون حلب عاصمتها، بصورة تتيح للمعارضة تفعيل نشاطاتها الإدارية والاقتصادية، وتشكيل هياكل مؤسساتية، توازي مؤسسات نظام الحكم بدمشق، فتصبح نداً كفوءاً على مفاوضته. والأهم، أن ذلك سيحد تماماً من اللجوء إلى تركيا، ومن ثم، من الهجرة إلى أوروبا، مما يخدم مصالح الطرفين.


كما أن ذلك سيعزز من أوراق القوة التركية، سواء في مواجهة الدب الروسي، أو في مواجهة الأمريكيين، والأوروبيين.


أما في المستوى الثاني، فعلى مسؤولي القوى الإقليمية، المسؤولين عن التواصل مع واشنطن، استغلال المناوشات الدائرة في الولايات المتحدة، في أجواء الانتخابات الرئاسية.


فالحزب الديمقراطي، عبر مرشحته هيلاري كلينتون، وكذلك عبر الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، الذي هو مضطر لدعم تلك الأخيرة.. يقدم دونالد ترامب، مرشح الجمهوريين، على أنه شخصية قابل للاختراق الروسي. وجاء إعجاب ترامب العلني بشخصية بوتين، أكثر من مرة، سبباً كافياً لوصفه من شخصيات محسوبة حتى على الجمهوريين، بأنه تهديد للأمن القومي الأمريكي، وأن الرئيس الروسي، الاستخباراتي السابق، قادر على تطويع ترامب بسهولة.


خلاصة الأمر، أن من مصلحة الديمقراطيين أن يُظهروا تشدداً حيال الروس، كي يقدموا أنفسهم بأنهم الأقدر على مواجهة التمدد الروسي، مقارنة بـ ترامب، المتوافق مع بوتين. وهي حيثية يمكن اللعب عليها، واستثمارها، عبر العمل على إقناع البيت الأبيض، الذي يديره ديمقراطي، رغم سياساته المتسامحة مع الروس، والساعية للتعاون معهم، بأنه مسؤول اليوم عن دعم خليفته الديمقراطية، في سبيل الفوز بالرئاسة. الأمر الذي يعني أن أوباما قد ينجر وراء سيناريوهات تظهر شيئاً من الصلابة الأمريكية في مواجهة الروس.


في عالم الدبلوماسية، يمكن أن تستثمر بعض مشكلات خصمك، وتؤولها، لتجعلها سبباً للتعاون بينك وبينه. وهذا ما ينطبق على القوى الإقليمية، تركيا والسعودية وقطر، من جهة، والولايات المتحدة الأمريكية، من جهة أخرى، والتي تظهر وكأنها خصم لحلفائها في سوريا، أكثر منها، حليفاً. لكن رغم ذلك، يمكن اللعب على مشكلاتها التي تشغلها اليوم، وهي، الصراع الانتخابي بين كلينتون وترامب.


في نهاية المطاف، لا بد من العمل على تحقيق السيناريو الثاني، وهو أن تكون حرب حلب، حرب تحرير، لكامل المدينة، لا حرب تحريك بهدف إحياء المفاوضات فقط، من دون أي إنجاز نوعي.


حينما يجلس مفاوضو المعارضة على طاولة المفاوضات مع نظام الأسد، بعد أن يسيطروا على كامل مدينة حلب، ستكون موازين القوى قد تغيرت بالفعل، وستكون كفة التفاوض فاعلة، أو على الأقل، لن تكون الحصيلة، صفر، بعد كل التضحيات الجسيمة على أبواب ثاني أكبر المدن السورية.




increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها