الأحد 2015/06/14

آخر تحديث: 22:23 (بيروت)

السويداء على حافة الثقب الأسود

الأحد 2015/06/14
increase حجم الخط decrease

الأكثرية السنية في المشرق العربي أكثرية جريحة. وهذا الجرح الأكثروي الذي صار غائراً، سببته سياسة كسر "إرادتها الأمّويّة " ( من الأمة ) من قبل إيران الخمينية والمنجدلين على حبالها المذهبية والعدوانية طيلة العقود الماضية. فبعد إسقاط نظام صدام حسين، سقط العراق في الحضن الإيراني بتواطؤ إيراني- أمريكي، وفي لبنان اغتيل رمزه السني رفيق الحريري على يد المنظومة الخمينية، ولا يزال، حتى تاريخه، سعد الحريري زعيم السنة في لبنان، لا يستطيع العودة إلى بلده بسبب تهديدات المنظومة ذاتها التي أصبحت منظومة تشبيح على المستوى الإقليمي. أما في سورية فإن جرح الأكثرية أكثر غوراً وإيلاماً، فهي منذ خمسين عاماً في موقع أقلوي سياسياً، ومنذ ما يزيد عن الأربع سنوات تعيش مناطقها تحت رحمة صواريخ سكود والبراميل المتفجرة والقتل والتهجير.

تمكنت السياسة الإيرانية، ذات المحتوى الإمبريالي العنصري المذهبي، في السنوات الماضية من تنضيد ثقب أسود كبير، تمثل باقتلاع الطوائف من الأنسجة الوطنية، وتخريب الوطنيات المشرقية، واستدعاء سيل جارف من الانبعاث الهوياتي القادم من جوف التاريخ. لذا، ظهر التطرف السني في أحد أبرز وجوهه  كرّد فعل على" كلبية " السياسة المتطرفة للمنظومة الخمينية وملاحقها، وهو ملازم لهذا الجرح  في صميم كبرياء الأكثرية السنية، مما يدعونا إلى القول: إن تراجعه مرتبط، إلى حد كبير، بانحسار الحضور الإمبريالي الإيراني في المشرق العربي.

تحولت وجهة السياسة الإيرانية في سورية، بعد تآكل قدرات النظام العسكرية والسياسة والاقتصادية، إلى توليد مزيد من التخريب في المناطق الخارجة عن نطاق سيطرته وتهيئتها لدخول داعش إليها، والتركيز على التمسك بالشريط الساحلي وصولاً إلى دمشق عبر القلمون. صار واضحاً، أن داعش غدت حاجة لإيران وحاجة للنظام، اللذين يحاولان، وفق إستراتيجية التخريب والتدمير هذه، دفع السويداء إلى الثقب الأسود من طرق مختلفة: أولها، الإمعان في ضرب علاقتها مع محيطها الطبيعي والتاريخي والاستراتيجي ( حوران وريف دمشق ). وثانيها، عزل الدروز وإضعافهم، ( بدا ذلك جلياً من خلال تفريغ فرع البنك المركزي في السويداء، وتفريغ صوامع الحبوب ونقلها خارج المحافظة، وتفريغها من السلاح )، بهدف خلق موقف "ذمي" لديهم يتمثل في إبقائهم تحت رحمة الحاجة إلى "الحماية" من قبل المحور الإيراني، حيث يستبطن شعار"حماية الأقليات" مضموناً ذمياّ رخيصاً. وثالثها، تأليب البدو، الذين بايعوا داعش، وأبقوا على ولائهم للأجهزة الأمنية في ذات الوقت، للتضييق على السويداء من جهة البادية الشرقية ومن محور براق على طريق دمشق- السويداء. ورابعاً، إجهاض إمكانية تكّون كتلة وطنية في الجنوب السوري، تضم دمشق وريفها ودرعا والقنيطرة والسويداء، تكون قاعدة موضوعية لإعادة بناء الدولة الوطنية السورية، وقطع الطريق على قيام كيانات ما دون وطنية تحقق مصالح كل من إيران وإسرائيل معاً، وتمعن في تفتيت النسيج المجتمعي السوري.

تشكّلت الدولة الدستورية الحديثة في سورية، بعد الاستقلال وقبل أن يطيح فيها الانقلاب البعثي المشؤوم، على حزمة من المبادئ، أبرزها اثنان: الأول، الأكثرية السنية هي التي بلّورت وقدمت المشروع الدستوري للسوريين، وأسهمت في دفع الأقليات للاندماج معها وفقاً له، بهذا المعنى، كانت الأكثرية رافعة الدولة الوطنية. الثاني، كانت الكتلة الوطنية  المتمركزة في دمشق ودرعا والسويداء والقنيطرة هي مركز الجذب السياسي في تشكّل الكيان السوري، في حين كان هوى حزب الشعب الحلبي هوىً عراقياً.

لا يزال هذان المبدآن يتمتعان براهنية في الواقع السوري الحالي، ولا تزال السويداء مكّوناً مهماً في تركيب هذه الكتلة/ القاعدة للمشروع الوطني السوري، يحاول الماكرون وأصحاب المشاريع المذهبية دفعها لتقع في التهلكة، ويحاول العقلاء والوطنيون سحبها عن حافة الهاوية. لكن تسارع المتغيرات الداخلية والإقليمية لا يعطي أهل جبل العرب ترف الانتظار على حافة الثقب الملتهب. صحيح، أن الجبل يفتقد إلى كاريزما كالتي تمتع بها سلطان باشا الأطرش، والتي وضعت حداً لركاكة مشيخة العقل آنذاك، وهو قادر على تعويض النقص الحاصل من عدم تبلور شخصية قيادية بحجم الباشا من طريق تنظيم مرجعية وطنية عريضة، تشمل، بشكل رئيس، مشايخ الكرامة والقوى والشخصيات الوطنية وقادة الرأي العام والرموز الاجتماعية. لقد أصبح الحديث يدور، حالياً، في مراكز القرار الإقليمية والدولية عن ترتيبات مرحلة ما بعد الأسد، وخيار الدروز الوحيد في هذه المرحلة يجب أن لا يكون سوى الاندماج مع عمقهم الأكثري، كي لا تتحول السويداء إلى كوباني أخرى! ماذا فعل النظام لحماية كوباني؟ ما فعله في كوباني سيفعله في السويداء.

إذا هاجمت داعش السويداء من الشرق، فلن يحمي ظهر الجبل إلا حوران وريف دمشق، من أطلق قذائف الهاون على السويداء بهدف إثارة النزعات المذهبية لن يقوم إلا بكسر ظهور أهل الجبل، وبدل أن تكون السويداء كوباني ثانية تزاود كل من إسرائيل وإيران على "حمايتها" ، تستطيع  قطع الطريق أمام هذين العدّوين القوميين، من اللعب على مسألة انتمائها الحاسم للوطنية السورية، وذلك بقرار تاريخي من نخبها ومشايخها ورموزها الاجتماعية والسياسية  بالانحياز النهائي لقضية الشعب السوري، التي هي قضية عادلة وأخلاقية ووطنية ونبيلة وإنسانية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها