الخميس 2014/08/28

آخر تحديث: 00:40 (بيروت)

ثلاث تجارب تشاركت في توليد التطرف

الخميس 2014/08/28
ثلاث تجارب تشاركت في توليد التطرف
التجربة البعثية والخمينية والقاعدية رغم تناقضها الظاهري، إلا أنها تشاركها في "النهاجية"،
increase حجم الخط decrease

التطرف، بصورته الأكثر تجريداً، هو تعبير عن المسار المتعثر الذي حال دون دخول المجتمعات العربية والإسلامية عصر الحداثة. وجاء تصفية لمظاهر الحداثة السطحية، التي تسللت إلى هذه المجتمعات، مع، وبتأثير الصدمة الكولونيالية، ليؤسس مقدمات الانبعاث الأيديولوجي والسوسيولوجي لعصر ما قبل الاستعمار، أي العصر المملوكي-العثماني، ويعمق أكثر أزمة الهوية، ويحولها من حالة "جرح نرجسي" للذات المهزومة، إلى إشكالية خروج من الانتظام في الجماعة الإنسانية، ونكوص إلى البدائية، وإلى روابط الدم والنسب والمذهب والطائفة.

أسهمت ثلاث تجارب قامت في المشرق العربي ومحيطه الإسلامي في توليد التطرف، تأسست ثلاثتها على القطيعة مع منظومة الحداثة أولاً. وعلى بعث التاريخ العربي-الإسلامي ما قبل الكولونيالي ثانياً. وهذه التجارب هي: التجربة البعثية، والتجربة الخمينية، والتجربة القاعدية. وعلى الرغم من تناقضها الظاهري، إلا أنها تشاركها في "النهاجية"، واستخدامها الأدوات ذاتها أوصلها إلى نتائج متماثلة، عززت جميعها مسار الانقسام والتشظي في المشرق العربي، وكانت وراء الحروب الداخلية والإقليمية، وذلك لأنها تجارب متهاوية (من هوية واحدة). وما يؤكد تهاويها: تنبع ثلاثتها من أيديولوجية ما فوق وطنية (إسلامية أو قومية)، وتشتغل، فعلياً، في حيزات مذهبية وطائفية ما دون وطنية على مستوى الممارسات، وتتلطى بشعارات العداء للخارج والتصدي لأعداء "الأمة" العربية أو الإسلامية حسب المتكلم. ولعبت الأيديولوجيا في هذه التجارب دور القناع للنوى المذهبية فيها، وكذلك، غلفت الاحتكار الفعّال للسلطة والثروة. ويشكل العنصر الإمبريالي قاعاً مشتركاً في هذه التجارب، والنزوع الإمبريالي في هذه الحالة، ليس ناتجاً من تطور رأسمالي أو اقتصادي، بل هو مرتبط بالتعصب الديني والمذهبي وبالتطرف القومي الشوفيني. يختلط في هذه التجارب العنصر الإمبريالي مع المذهبي والديني والقومي، إضافة إلى تمحور جميع هذه العناصر حول شخصية في قمة الهرم التسلطي للبنية المستبدة. ألا يخفي الحضور الإيراني الطاغي في العراق وسورية ولبنان مزيجاً من النزعة التوسعية الإمبراطورية والتعصب المذهبي والشوفينية الفارسية؟ وألا يخفي نزوع الفصائل الإسلامية المسلحة وغير المسلحة إلى إقامة دولة الخلافة بالعنف والسلاح قاعاً إمبريالياً ومذهبياً، يقوم على التطرف الديني مدفوعاً إلى حدوده القصوى؟ وكذلك، ألا يقبع عنصر توسعي وإمبراطوري ممتزجاً مع عظمة "القائد التاريخي" أو "القائد الضرورة"، في خلفية احتلال العراق للكويت، وكذلك في خلفية أوهام الدور الإقليمي لسوريا؟

النزوع الإمبراطوري التوسعي في تلك التجارب، الذي حملته أوليغارشيات دينية أو مذهبية أو"قومية" احتكرت السلطة والثروة، وحاولت، وتحاول فرض التوسع بالعنف العاري أو العنف الملطف أيديولوجياً، كان وراء كل الحروب العبثية والمدمرة التي شهدها الإقليم في العقود الماضية؛ من الحرب العراقية الإيرانية، وصولاً إلى حروب داعش وحزب الله والمليشيات المذهبية العراقية في سوريا والعراق ولبنان. وبخلاف التوسع الإمبريالي للنظام الرأسمالي العالمي، الذي نتج من تطور قوى الإنتاج وبحثها عن الأسواق، وأدى إلى توحيد العالم توحيداً تناقضياً، يرتدي النزوع الإمبريالي، المرتبط بالتعصب الديني والقومي، والمستند إلى خلفيات مذهبية، طابع التدمير السوسيولوجي؛ أليس ما يحدث في سورية والعراق ولبنان هو سيرورة تدمير لأنسجة هذه المجتمعات، وهو أخطر بكثير من تدمير البنى التحتية؟

كان استثمار المنظومتين الخمينية والقاعدية، الأهم،  في العقود السابقة هو دعم وتبني التشكيلات ذات الطابع المليشياوي، الذي منع ولازال تشكل وطنيات ودول وطنية، فهما منظومتان لا تقومان إلا على أشلاء المسألة الوطنية سواء في العراق أم في سوريا أو في لبنان. بعد التحاق التجربة البعثية في فرعها العراقي بالداعشية، والتحاق فرعها السوري بالخمينية، ووصول منسوب العنف والتطرف، بتأثير هذه التجارب، إلى مستويات ماحقة لآدمية الإنسان، صار من الضروري البحث عن مداخل جدية  توصل إلى إحالة هذه التجارب فكراً وممارسة إلى متحف التاريخ،  قسم تاريخ ما قبل الإنسان الصانع والعاقل، أي إنسان الافتراس والالتقاط والصيد.
increase حجم الخط decrease