الجمعة 2014/08/22

آخر تحديث: 09:43 (بيروت)

لا تضعوا اللجاة في مواجهة تاريخها!

الجمعة 2014/08/22
لا تضعوا اللجاة في مواجهة تاريخها!
مئذنة الجامع العمري في درعا وتظهر السويداء في الأفق قرب مساحة من اللجاة يتقاسمها جبل وسهل حوران
increase حجم الخط decrease

 

لا تعني اللجاة بالنسبة لأهل جبل العرب امتداداً جغرافياً حميماً فحسب، بل هي أكبر من ذلك بكثير. تقع اللجاة في بؤرة وجدانهم الجمعي ومخيالهم الاجتماعي، بين مغاراتها حيكت حكايات، صارت جزءاً من تراث الجبل، وتحولت تلك الحكايات إلى تواريخ وقصائد تشابكت مع تصديهم لحملة إبراهيم باشا نجل محمد علي ومع معاركهم مع الأتراك والفرنسيين. فتحولت اللجاة، في ضمائرهم، إلى رمز من رموز "مشروعيتهم العليا"، أي المشروعية الوطنية، في زمن كان فيه التصدي للعدوان الخارجي يجّب المسألة الوطنية.

أما، وقد تهتكت الوطنية السورية الهشة تحت ضربات القوميين الشرسة، الذين غرقوا في "هوياتهم" المذهبية والطائفية، وتهتكت أيضاً، تحت ضربات الفصائل الإسلامية المتطرفة. يصبح من المهم بناء معان ومضامين جديدة للوطنية؛ أول هذه المعاني، ضرورة الخروج من منطق الحرب الأهلية، الذي لن يكون إلا بالانعتاق من أسوار المذهبية والطائفية. وثاني معانيها، تناقضها المطلق مع الاستبداد بكافة أشكاله وصوره، وثالثها، ارتباطها العضوي في مسألتين، هما مسألة واحدة: الاندماج الوطني ودولة الحق والقانون. كي تكون اللجاة منسجمة مع تاريخها ومع رمزيتها، يجب أن تكون منسجمة مع هذه المضامين للمسألة الوطنية، وأن تتحول إلى مركز جيو- سياسي للتوحيد والاندماج، وليس بؤرة للتوترات والحروب.


 إن سؤال: من بدأ التعدي؟ سؤال ساذج وأرعن وغبي في اللحظة المفتوحة على الجحيم. فكم بدا سؤال اللبنانيين في غمرة حربهم الطائفية المجنونة عن الذي بدأ بحادثة بوسطة عين الرمانة سؤلاً ساذجاً وسطحياُ!  إن سؤال القادة التاريخيين في لحظات كهذه، يجب أن يكون: كيف نسحب عوامل الاحتقان والتفجير؟ وكيف يمكن أن نمنع المنتفعين وتجار الدماء وأمراء الحرب، وكذلك الأميين والجاهلين من جر البشر إلى التهلكة؟ سؤال: من بدأ الاعتداء؟ هو انفعال الغريزة، بينما سؤال: كيف نبطل عوامل التوتر؟ هو سؤال العقل والضمير. 


إن وضع اللجاة في مواجهة تاريخها ورمزيتها، وفي مواجهة الجغرافيا، هو وصفة مثالية للانتحار الجماعي، وهو تأسيس مغاير للسيرورة التاريخية للدروز، التي اتسمت بالتناغم مع البيئة الاكثرية، فالدروز هم الأقلية الوحيدة في المنطقة العربية التي لم تتعرض للاضطهاد على الإطلاق، ومن أسباب ذلك، أنهم وضعوا أنفسهم في متن مشاريع التحرر الوطني، وكانت عصبيتهم الوطنية تغلب، على الدوام، عصبيتهم المذهبية. قطع الطريق على الذين يدفعون باتجاه التفجير هو الهدف الآني الذي يجب الاشتغال عليه. وهذا يتطلب: تطويق نتائج الصدامات المسلحة التي جرت على حدود اللجاة وسحب اللجان الشعبية من قرى تلك الأطراف أولاً. وثانياً، تشكيل رأي عام فاعل يشمل رجال الدين والوجهاء التقليديين والناشطين الميدانيين وقادة الرأي والفاعلين في النقابات المهنية وغيرهم، وتحويله إلى كتلة وازنة في معارضة منطق الحرب والمنطق المليشياوي، وأن تثقل هذه الكتلة العصبية الوطنية، وتحد من شطط اللجان الشعبية ومن يقف خلفها. وثالثاً، التعجيل باتخاذ التدابير التي تضمن عودة البدو الذين تركوا بعض القرى، وتمتين العلاقة مع البدو القاطنين في داخل بلدات الجبل، فتلك العلاقة من عناصر الحماية الهامة للسلم الأهلي، فضلاً عن كونها واجباً وطنياً وأخلاقياً. ويتطلب رابعاً، توثيق علاقة الجبل مع وجهاء حوران وفعالياتها المختلفة، وتكوين شبكة أمان اجتماعية، وكذلك الوصول إلى تفاهمات وميثاق شرف مع القوى المسلحة المعتدلة في اللجاة بهدف الوصول إلى تهدئة دائمة.


يحاول طرفان جر الجبل إلى مواجهة حقائق التاريخ والجغرافيا، طرف جاهل والآخر خبيث وماكر، فانتبهوا يا أهل الجبل، أن لا تذهب ريحكم ما بين الجهل والمكر. معاندة منطق التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا،لا تقود إلا إلى محرقة محتمة. وسيبقى البدو وأهل حوران هم بيئتكم الحاضنة ومحيطكم الآن وغداً وحتى فناء النوع البشري، فسارعوا إلى مصالحة اللجاة مع تاريخها ومع رمزيتها في تراثكم.

increase حجم الخط decrease