الأربعاء 2014/08/27

آخر تحديث: 17:44 (بيروت)

التكفير الإفتراضي والهجرة الإلكترونية

الأربعاء 2014/08/27
التكفير الإفتراضي والهجرة الإلكترونية
increase حجم الخط decrease

بعدما وجهت "الدولة الإسلامية" رسالتها الذبحية إلى الإدارة الأميركية، ممثلةً بفيديو قتل الصحافي جيمس فولي، تعرضت حسابات المتطرفين في "فايسبوك" و"يوتيوب" و"تويتر" للحذف، نظراً إلى منشوراتها الإرهابية. لن يتردد هؤلاء في هجرة تلك المواقع الضخمة، والإنتقال مباشرةً إلى أخرى، شُيدت على هوامش الإفتراض، ولم تنل رواجاً كافياً. والأهم، أن غالبيتها قدمت نفسها كمقاومة للشركات الكبرى، التي تحتكر التواصل الإجتماعي.


يتمحور الإنترنت الجهادي اليوم حول عدد من المواقع، مثل Friendica، وQuitter إضافةً إلى Diaspora الذي يتقدم لائحة "السايبر-جهاد"، وهو كان قد انطلق العام 2012، باعتباره "آنتي-فايسبوك"، نتيجة معايير عدة، أهمها: اللامركزية البيانية، واحترام خصوصية المستخدم، الذي من شأنه إدارة شبكته على منوال شخصي ولا يمكن لأحد الإتجار بمعلوماته، لا سيما أنه قادر على استعمال إسم مستعار، على عكس الحال في "كتاب الوجه".


إنها هجرة جهادية جديدة، يسلكها الإرهابيون في العالم العنكبوتي، بعدما طردهم مارك زوكربرغ من جمهوريته الزرقاء، وبعدما مُنعوا من التغريد التويتري، ومن التحميل في "يوتيوب". بالتالي، ارتحلوا إلى أمكنة طرفية، حيث تجري مكافحتهم أيضاً، على خلاف قوانينها، التي تنص على دمقرطة المعلومة، وتحريرها من المراقبة. فالقيمون على "دياسبورا"، لا يمكنهم إلغاء الحسابات في الموقع، بل يكتفون بتحذير المستخدمين من وجود "الداعشيين" بينهم. وبذلك، على كل منهم أن يأخذ على عاتقه مسؤولية إغلاق الحسابات الإسلامية، خصوصاً أنه بات يعرفها، بسبب تعميم قائمة بأسماء أصحابها.


إنتقل الجهاديون، في شبكة التواصل الإجتماعي، من المركز إلى الشتات. وعليه، بدوا كأنهم ينفذون هجرة ثانية، هذه المرة، في سبيل الإفتراض، ونشر معلوماتهم داخله، بغاية التفاعل، الذي غالباً ما يكون تخويفاً للآخرين، أو إعلان انتصارات على أعداء كُثر، جرى تكفيرهم. لا شك أن هذا الفعل، أي الهجرة، ليس غريباً عن الإسلاميين الراديكاليين. لكنهم، في مسارهم الإلكتروني، يستبدلون الجهاد بالنشر، بحيث أنهم كلما هاجروا من موقع إلى آخر، ظهروا باحثين عن "أرضهم الإلكترونية"، ساعين إلى ممارسة حضورهم الدموي عليها من دون أن يتعرضوا للضبط، أو التضييق من قبل إدارتها. وذلك، رغم من تعريضهم المستخدمين الآخرين، الذين يصنفوهم في خانة "الكفار"، لهذين الأمرين، بسبب "بوستاتهم" العنيفة، وتهديداتها المتتابعة، وعرضهم الرؤوس المقطوعة والأجساد المنكل بها.


ومن الناحية نفسها، يشبه خروج الجهاديين من موقع "فايسبوك" إلى "دياسبورا"، كالهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد جديدة، هي الأقرب، بالنسبة إليهم، إلى "ديار الإسلام". فأن يُطردوا من مواقع الوجه والتغريد والفيديو، هذا دليل على أنها تحولت إلى أمكنة لـ"العصيان والجهل"، ومن الضروري هجرتها على طريقة الإبتعاد عن الرجز في آية "والرجز فاهجر" (سورة المدّثر، الآية: 5)، أو حتى على سبيل ترك "البيت" في آية "وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ" (سورة النساء، الآية: 100).


تشتت الجهاديون في "دياسبورا"، وإلى أطراف المركز الإفتراضي التي هاجروا إليها، كي يبقوا على تواصلهم الإرهابي مع الآخرين، ويبرزوا ما في جعبهم من رسائل قاتلة. لكن، حتى الهوامش، لم تحتمل ممارساتهم البوستية. فعمدت، على غير ما تنص معاييرها، على ردعهم. فسار "الآنتي-فايسبوك" على خطى خصمه الرسمي، بالقضاء على حساباتهم، بطريقة أو بأخرى. إذ أنهما بفعل الوجود "الداعشي" تقاطعا، وتماثلا، ولم يعد هناك من فارق بينهما سوى وسيلة مكافحة الإرهاب، بحيث أن "كتاب الوجه" يلغي الحساب الجهادي مباشرةً، أما "كتاب الوجه المضاد"، فيلغيه من خلال المستخدمين، أي بتحذيرهم ودفعهم إلى ذلك، بعيداً من كونه موقعاً مفتوحاً، بلا حراسة.


هنا، يبرز أحد المخاطر الممكنة، المتعلقة بإلتقاء الأضداد، أو بالأحرى الكشف عن المشترك أو المماثل بينها. فقد يُعتمد الإلغاء نفسه مع حسابات أخرى، لا تتعلق بـ"داعش" أو غيرها من الجماعات الأصولية، ما يقلب الإفتراض رأساً على عقب، ويضع حداً لمقولات شائعة عنه، تتصل بحرية التعبير أساساً. مثلما لا يعدّ منطقياً الحديث عن مراكز وهوامش عنكبوتية، تمارس الفعل نفسه أمام حركة هجرة، تتخطى حدودها، وتنتشر في دواخلها، وجهياً وتلثيماً.


في النتيجة، يصح التساؤل إن كان اجتماع "فايسبوك" ومضاده، على إلغاء حساب مستخدم، وبغض النظر عن انتمائه "الداعشي" وإرهابه، يشير إلى سياسة واحدة، تكرسها مواقع الإفتراض، وتعارض كلامها الذائع عن الديموقراطية، كمقولة، وتتطابق مع تنافسها على الحرية كسلعة. فهل الهجرة غير المضبوطة، التي قد تعتمدها مجموعات غير تكفيرية دينية، في عالم الإفتراض، توحد مراكزه وأطرافه ضد أصحابها، خوفاً على الحدود المرسومة وتقسيم العمل بين الشركات الإنترنتية؟ ثم، ماذا عن الإرهاب غير "الداعشي"، أو القاعدي، الذي تمارسه العصابات الديكتاتورية مثلاً، ألم يحن الوقت لمكافحته عنكبوتياً، أم أنه لن يتعرض لذلك بسبب استقراره في أمكنة معينة، وعدم اخلاله بأمن الشبكة و"دولها"؟

increase حجم الخط decrease