الإثنين 2015/06/22

آخر تحديث: 14:07 (بيروت)

صورة الأسدية اللبنانية: مساواة "التبويط" و"التدعيش"

الإثنين 2015/06/22
صورة الأسدية اللبنانية: مساواة "التبويط" و"التدعيش"
سجن "رومية" يجيب: نعم، من عندي ينطلق الإرهاب!
increase حجم الخط decrease

أول ما تجيب عليه فيديوهات تعذيب السجناء، المسرّبة من سجن رومية، هو سؤال لطالما طرحه اللبنانيون على أنفسهم وعلى آخريهم: "هل سيصل تنظيم داعش إلى لبنان؟".

ترد الفيديوهات بـ"نعم"، وتضيف أن الوصول هنا لم يعد يدل على فعل يتطلب طريقاً من خارج البلاد إلى داخلها، بل يستلزم طريقة من داخل البلاد إلى داخلها. وبالتالي، تقول الصورة، المتحركة على قمع السجناء وإذلالهم، أن تلك الطريقة قد وُجدت، أي التعرية والتركيع والرص والضرب والشتم، وأن وسائلها قد وُفرت، أي النربيج الأخضر والبوط العسكري.

سُلمت الطريقة لشرطة السجن، الذي ظهر واحد من عناصرها، في حين تعذيبه الجاثين تحته، وبقربه عنصر آخر، عدا المُصوِّر، الذي التقط بعدسة كاميرا هاتفه مشهد الإخضاع والعسف.

أجاب هذا الفيديو بـ"نعم" عنيفة. لم تأتِ على لسان المعذَّب، بل من فم المعذِّب، الذي أحال المُشاهِدين إلى التنكيل الأسدي بحق معارضي النظام في دمشق، وأبقى على تلك الإحالة في سجنه، ليستحيل هو نفسه أسدياً بهوية لبنانية، تدور في ضيقها الطائفي، وتترسخ في مؤسستها.

وبإنزال إحالته جلداً "بالنربيج" الأخضر على أجساد السجناء، الذين صاروا من المعتقلين هنا، ظهر "داعشياً" بأفعاله فوقهم، لا سيما عندما يمد أنبوبه فوق عنق المعذَّب، أو يمسك له صدره، مُحَيوِناً إياه بوصف "حلابة".

بعد ذلك، ينتقل إلى معذَّب آخر، الذي التحى إسلامياً، فيواصل ضربه، ويوبخه بكلام عن الحوريات، التي، وبحسبه، إن رآها أمامه، فهو يرى أمه.

عندها، ينجلي وجه المعذِّب، ليس على وضوح تام، إذ أن المصوِّر يركز عدسته على أجساد السجناء المضروبة. لكن، في لحظة ما، يلتقط زميله، ليظهر بذقن كاملة. والأخير، لما يُضاف إلى بنطال صاحبه الزيتي ولون "تي-شيرته" الأسود، يبدو شرطياً بالمعنى التشبيحي وفعله، الذي يستمر في الإحالة إلى الممارسات الأسدية، وفي بعض حركاتها، إلى تلك "الداعشية".

تالياً، بتعذيبه، يغرس معناه في أبدان السجناء، ساعياً إلى تهشيمها، وإطالة معاناتها، وفي الوقت ذاته، يهبها صورة عما يمكن أن تتغير إليه في حال تصديها له. فمن المستحيل صرف السمع، قبل النظر، عن الإهانات اللفظية، المصوبة نحو المقدس الديني، ونحو الشخوص العائلية. كل هذه الشتائم التي تهبط على الأجساد، مع "النربيج" والبوط، لا تكبح عنفاً، هو أضعف منها الآن، بقدر ما تطلب منه الظهور أقوى منها لاحقاً، وفي اللاحق القريب.

إلى أين تصل "داعش" إن وُجدت في لبنان؟ لا نعرف، لكننا نعلم أنها تنطلق من ذلك المعذِّب-الشرطي الشبيح، من يده، ومن جسمه، ومن إملائه على المعتقل أن يقبّل بوطه. إنها الأسدية اللبنانية، التي لا يمكن أن تصيب المعذَب فحسب، بل مُشاهده أيضاً، مثلما لا يمكنها ألا تنطوي على هوية مؤسساتية بلا أن ترتكز على أخرى عصبية، تسدد لكمةً لذات السجين فتشقها.

كأن تلك الفيديوات تريد أن تعلن لنا أن سجن رومية أصبح مُربّي التطرف، مُخَرِّجِه، مظهّره من عناصره، وناقله إلى سجنائه وإلى المشاهدين وإلى الجميع. فداخل هذا السجن، يتساوى "التبويط" مع "التدعيش" في فعل القمع الدولتي والكسر الطائفي والتأسيد اللبناني. إنها الأسدية اللبنانية، صحيح، لكنها اللبنانية الأسدية على حد سواء.

أجاب سجن رومية على سؤال وصول "داعش" باستبدال طريق الوصول بطريقة التعذيب والإرهاب. الفيديوهات تشير إلى ذلك، وتشير إلى أن السجناء فيها، وغيرهم كثر، يتعرضون لأقسى أنواع الإذلال والإنهاك. وفي حال لم يدخلوا إلى السجن كمتطرفين، فربما يخرجون منه على هذا الوضع. ذاك أن العنف الأمني، الذي يُمارس بحق السجناء، على اختلاف تُهمهم، سيشق أجسادهم وذواتهم بالنرابيج والرينجيرات. وهي، عندما تتحرر منها، لن تتطرف سوى لما تبقى في أجسادها العارية من جروح ومن وضوح.
محاسبة المسؤول عن ذلك كله؟
أكيد، ومحاكمه جسمه المؤسساتي أيضاً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها