الثلاثاء 2014/09/30

آخر تحديث: 14:45 (بيروت)

كي لا تُستبدل "دولة الخُرافة".. بخرافة أخرى

الثلاثاء 2014/09/30
كي لا تُستبدل "دولة الخُرافة".. بخرافة أخرى
increase حجم الخط decrease

باستبدال حرف "اللام" بحرف "الراء"، انطلق المسلسل الكوميدي "دولة الخرافة" على قناة "العراقية" الرسمية (تأليف أبو عمره، إخراج علي القاسم)، محدداً غايته بالسخرية من "دولة الخلافة"، والإطاحة بالرهاب، الذي شكلته صورتها لدى العراقيين.

 


بدأ عرض المسلسل الأحد الماضي، كما نُشرت حلقته الأولى في "يوتيوب"، فضلاً عن أغنيته الأساسية، ومن المفترض أن يتوالى على ثلاثين حلقة، بحيث يروي قصة مدينة، يدخلها التنظيم، ويبدأ بتطبيق قوانينه فيها. وذلك، بطريقة كاريكاتورية للغاية، تحول عناصره من "جهاديين" إلى "دواعش"، وكل منهم يوصف بالـ"دعوش". أما الخليفة أبو بكر البغدادي، فهو "الداعشي" الأكبر، الذي يظهر جالساً على الكرسي، محاط بشخصين، الأول هو مطلق الأحكام، والثاني ضابط صدّامي.

وقبل، أن يصل إلى المدينة، ويمشي في شوارعها، ويقطن في أحد مساكنها، كان البغدادي، بحسب فيديو-كليب أغنية "دولة الخرافة"، قد خرج بحجم صغير من بيضة. لكنه سرعان ما كبر وتعملق نتيجة دعمه بالعتاد والعتيد.

لا يعيِّن المسلسل جهة الدعم. إلا أنه يشير، وعلى طول الحلقات كما يبدو، أن "الدولة" امتداد للنظام البعثي العراقي، أو عودة من عوداته، التي أدت إلى التسلط على مجتمعٍ تصوّره الكاميرا هانئاً سوى من بعض المشاكل اليومية. فالسخرية التي ينتهجها العمل، ودائماً على أساس أول حلقة، تستند إلى كيفية تعامل "داعش" مع إجتماع المكان، الذي اقتحمته، والعكس أيضاً.

هذا ما بيَّنه أحد المَشاهد، حيث تتحدث امرأة مع زوجها عن ابنتها، التي تقدم أحدهم لخطبتها. لكن الأب يرفض، وفي هذه اللحظة، يرن هاتفه، فتسأله الأم إن كان المتصل خطيباً جديداً، فيجيبها مذعوراً: "داعش". في هذه الجهة، لا يمكن الجزم في كيفية دخول "الدولة"، فهل حصل عبر اليومي، ومشاكله العائلية على سبيل المثال؟ أم عبر تعطيله، خصوصاً أن الأب والأم والإبنة يصرخون حين يسمعون بإسم التنظيم؟

هذه الفوبيا، التي متنتها صورة "داعش" العنيفة لديهم، أبعدتهم عن سؤال الخطبة، وراح الوالد يهرول مسرعاً إلى خارج المنزل، ليجتمع بعدد من سكان المدينة، ويبحثون في الطارئ عليهم. مع الإشارة إلى اتصال، غير مقصود ربما، بين "خطبة" الإبنة و"خطبة" البغدادي، بحيث أن الثانية، بوصفها إعلاناً للـ"خلافة" قد تغلبت على الأولى، باعتبارها مشكلة يومية. وفي التغلب هذا، ومعه التعبير بالصراخ، نتج ضرب من ضروب الكوميديا، موضوعها العائلة، ورد فعلها، أو كأنها تقول: "نتلهى بهذه المشكلة، وداعش أضحت عندنا!".

اضطربت المدينة مع دخول "الدولة" إليها، وأول من يلتقي به البغدادي وجماعته هو أحد الشخصيات، المتسم بكحوليته، فيحمله "الداعشيون" إلى مركزهم، كي يحكموا عليه بالإعدام بسبب الإدمان. يصدر الحكم بحقه. لكن البغدادي يقرر تجنيده في صفوفه، سامحاً له أن يشرب بشرط أن يجري ذلك بعلم "الدولة". من هذه الناحية، تتضح سخرية المسلسل، إذ أنها تنتقد "داعش" وقوانينها، محاولةً فضحها، بالتلميح إلى أن الممنوع، بالنسبة إلى الناس، مسموح، بالنسبة للـ"داعشيين". إضافة، إلى أن التنظيم ينجح في تجنيد الكحولي، أي الشخص الذي كان يُنظر إليه في المجتمع كمنحرف، أو كمتفلت من القواعد السلوكية العامة. بالتالي، لا تستقطب "داعش" سوى الفئة التي يمثلها الكحولي، والتي كانت في الأصل، وقبل دخول التنظيم إلى المدينة، قلة، ولا ثقل اجتماعياً لها.

ثمة في "دولة الخرافة" ما يُضعف السخرية، ويحولها سياقاً إلى مرحلة ما قبل "داعش"، أي التي لم تكن، على ما يصوِّرها المسلسل، مطمئنة، ومشاكلها عابرة، بالفضل عن دور الدين الإيجابي داخلها، ممثلاً بشخصية رجل الدين. فالسخرية بدت، في جانب من جوانبها، شكلية، تنطلق من خطاب شائع، ينتقد "الدولة الإسلامية" من دون أن يعرف كيف يصيبها في مفاصلها ومحركاتها. كأن يُقال، على طريقة المسلسل نفسه، أن "داعش" تجسد رجوع الصدّامية، التي تبرز في شخصية العسكري البعثي، الواقف بجانب أبو بكر البغدادي، أو أنها حقبة شيطانية، بحيث تصبح المرحلة السابقة على دخولها ملائكية للغاية.

بالطبع، لا يمكن الوقوف على كوميدية المسلسل من خلال البحث في حلقة واحدة فقط. ذاك أن الحلقات المقبلة ستوفر عدداً من مشاهد المواجهة بين مجتمع المدينة و"داعش"، والتي تطرح سؤالاً أساسياً، مفاده إن كانت السخرية ستخرج من الخطاب الرائج في محاربة "الدولة"، والذي يكاد يكون فضائحياً فقط، لتفتح مجالاً آخراً، فيه، تُواجه "داعش" بطرق متهكمة، مجدية، أو بلغة لا يشوبها  الخوف، ولو القليل منه. علماً أن المخرج اختار مثلاً استعمال عبارة "الجهاد في سبيل داعش" بدلاً من "الجهاد في سبيل الله"، وذلك خشيةً من استفزاز المسلمين المنتمين إلى مجتمع ما قبل "داعش". كما لو أنه لا يزال منقبضاً في المواجهة، ويبتعد عن تسمية الأشياء بأسمائها. فمن الشروط الأولية لمحاربة "دولة الخلافة" هو الرد على وضوحها العنفي، وغيره، بوضوح أمضى....

لا شك أن المسلسل سينجح في الضحك على "الدولة"، وهز الرهاب منها. لكن من الممكن أن يبقى ذلك ناقصاً، إن لم يسأل مخرجه: "كيف نضحك؟ وعلى مَن؟ وإلى أي درجة؟". وذلك كي لا تظل الخلافة قوية، حتى لو كانت خرافة، أو كي لا يُعاد استبدالها بخرافات أخرى، تُشارك في انتاجها من جديد! 

increase حجم الخط decrease