الخميس 2015/09/03

آخر تحديث: 18:17 (بيروت)

"الثورة العونية" تستعير أدواتها الإعلامية من "سارق الشعارات"

الخميس 2015/09/03
"الثورة العونية" تستعير أدواتها الإعلامية من "سارق الشعارات"
نبذ القوى وزعمائها والتكاتف لمنعهم من تخريب الحراك وتسميمه أخرج العديد من الجهات السياسية عن طوعها (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
إلى جانب استنفاره السياسي قبيل التظاهرة المرتقبة في ساحة الشهداء، يستميت التيار البرتقالي، ومن بعد دعوة قائده للتجمع غداً الجمعة، لإظهار قدرته على حشد جمهوره بعد فشل مريع في المرتين السابقتين، ما جعله يستنجد بحشود حزب الله  لنجدته في سد الثغرة المفجعة التي بان عليها حال تجمع التيار مؤخراً.

وأطلقت الماكينات الإعلامية والدعائية العنان لمحركاتها بالعمل بأقصى ما تستطيع من قوة لإتمام التحضيرات ضمن محاولات "يائسة" لإنجاح "الحدث" الساعي احتواء الجمهور الذي بدا مشتتاً تحت تدافع مجموعة من الشعارات. أي تلك التي هتفت بها جموع الحراك المدني والتي ملأت الساحة والشارع والذي لاح في الأفق خطرها الكاسح المتمثل بقدرتها المتنامية على  كسر احتكار الاصطفافات من  8 و 14 آذار واجتذاب شرئح متعددة المذاهب والأطياف والإنتماءات.

ذلك أنّ الحراك المدني الأخير، خصوصاً بعد دعوة رئيس مجلس النواب إلى الحوار،  يبدو وكأنه فتح ثغرة في جدار الأزمة اللبنانية. وبرميه حجراً في المياه الراكدة، أربك المشهد السياسي برمته، دافعاً الأقطاب لإطلاق المواقف والسعي للحاق بالموجة وامتطائها سياسياً وإعلامياً بل وحتى محاولة  مواكبتها  من خلال العالم الافتراضي.

التحرك المدني الذي تسارع أقطاب في 8 و14 آذار، منذ بدايته، بإطلاق مواقف مؤيدة وداعمة له، ما لبثت مواقفهم أن تغيرت سريعاً وبشكل لافت، خصوصاً بعد تظاهرة 29 آب الحاشدة، ما أظهر انقلاباً في الصورة ومساراً مختلفا ومربكاً في الخطابات والسياسات الإعلامية لكامل اقطاب السلطة على حدا سواء، فيما أصاب التحول الصارخ الأداء الإعلامي لقناة "أو تي في"، التي انقلبت، بشكل مكشوف، على تغطيتها السابقة لما وصفته بـ"ثورة استعادة الحقوق" لصالح الترويج لـ"ثورة" مضادة يقودها "القائد ميشال عون"، والذي "استدركت" القناة أنه "الحريص على حقوق الشعب دون غيره".

وإذ يتصدر هاشتاغ #وحدا_الانتخابات_بتنضف أعلى الشاشة البرتقالية منذ يومين، يُترجم الاستنفار الإعلامي والدعائي من خلال مجموعة كليبات وفيوديوهات تبثها القناة بين ساعة وأخرى، يدعو فنانون وإعلاميون، مثل جورج قرداحي وجورج وديع الصافي ونقولا الأسطا، من خلالها إلى "أداء الواجب" و"النزول إلى الشارع للمطالبة بالانتخابات" تماهياً مع الشعارات المستجدة "الشعب يريد أن ينتخب" و"تنخلص من كل النفايات ما إلك إلا الانتخابات"، وذلك بموازاة استضافة ناشطين ومنتسبين للتيار، أو من أطلق عليهم "جيل عون" الذين يشكلون "واجهة للمطالب المحقة"، والذين يؤمنون أنّ "حقوق الشعب موجودة تحت راية العماد عون فقط".

غير أن اللافت هنا هو اعتماد التيار أدوات حشد متشابهة إلى حد كبير مع تلك التي سخرتها  الحركات والحملات المدنية في إطار حشدها ودعوتها المواطنين للنزول إلى الشارع يوم 29 آب، ما يظهر حجم الهواجس والخوف والإرباك المتربصّ بالتيار وجنراله من فشله هذه المرة ايضا، ولاعتقاده أنّ الأساليب التي اتبعها الحراك المدني قد تنفعه هذه المرة بملء الساحة بالحشود البرتقالية، كردٍّ على الحراك الذي اطلق عليه اسم "سارق الشعارات"، بعدما لفظه مع قياداته خارجها، خصوصاً أنّ أهداف عون باستقطاب الحراك واحتضانه منذ البداية لم تجد طريقاً لتحقيقها، بعدما احتشد المشاركون في الشارع لصد محاولات القوى السياسية وممثليها لاستثمار إنجازهم على أكثر من صعيد ومنحى.

لكن القوى نفسها، بعدما نبذها التحرك ومن خلال وسائل الإعلام المحسوبة عليها، استبدلت أهدافها على وقع التغيير الذي طرأ على مواقفها الأخيرة، حيث صار التصويب على استرداد اي مناصر او محسوب عليها، أو من أيّد وشارك في احتجاجات الشارع.

والحال أن نبذ القوى وزعمائها والتكاتف لمنعهم من تخريب الحراك الشعبي وتسميمه، أخرج العديد من الجهات التابعة لقوى 8 و14 آذار عن طوعها، مجبراً إياها على تكشير انيابها ونزع قناع الوداعة والتفهم والاحتضان الذي أظهرته بادىء الأمر، إذ شعرت بالحاجة الملحة للانقضاض على محرّكي الشارع ومن يمّت إليهم بصلة، خوفاً من وصول العدوى إلى مناصريها وجمهورها ما يستتبعه من نتائج "وخيمة" قد تغير في الموازين بخلق طرف ثالث يهدد مكانتها ويضع قوتها وشعبيتها على المحكّ.

الإنقلاب في صورة المشهد السياسي، ومن ثم الإعلامي، إلى وجهة مختلفة حوّل ما اطلق عليه عون بداية "الحركة الاعتراضية النبيلة" قبل 29 آب إلى "جزء من منظومة الفساد" في 30 آب، حين بدأ يومها باستهلال حملة التشكيك بالنوايا والاهداف بقوله إن "ضرب ثقة الناس بكل شيء وبالمؤسسات هو تمهيد للفوضى"، ومتسائلاً "هل يحضرون للفوضى الخلاقة ولربيع عربي في لبنان؟"، فيما يتمثل حل الخروج من الأزمة، برأي عون، في "الانتخابات وليس في ضرب المؤسسات"، ما جاء بمثابة دعوة لحزب الله لمناصرة الحليف وإطلاق موقف علني تجاه الحراك، وجاءت الاستجابة عبر إبداء الحزب، وعن لسان النائب محمد رعد، شكوكاً حول حملة "طلعت ريحتكم" والقائمين عليها، باعتباره انه "لا بد من الوقوف على الأطراف التي تحركه وهوية الذي يقود الناس إلى الساحات".

في ترجمة لذلك كله، عملت الماكينات الإعلامية لمعظم أطراف السلطة محاولة بكامل قوتها  تشويه سمعة "طلعت ريحكتم" (ملهمة الشارع)، عبر اللعب على العصب الطائفي والديني، من خلال "النبش" في صفحات ناشطيها الفايسبوكية، وكشف "حقيقتهم" لمن شارك معهم أوحتى من كان ينوي ذلك. وهو ما برز من خلال ما "كشف" عنه وزير الداخلية نهاد المشنوق، بأن "دولة عربية صغيرة تقف وراء تمويل المجموعات الداعية للتحرك"، لتتؤكده صحيفة "الأخبار" بما وصفته بـ"الأدلة الدامغة"، كاشفة لجمهورها أنّ قطر تمول بيار الضاهر، رئيس مجلس إدارة المؤسسة اللبنانية للإرسال، ما يفسّر للجميع، بحسب الصحيفة، "سرّ" الحماسة في وقوف "إل بي سي" إلى جانب المتظاهرين في وجه السلطة.

الانقلاب على الحراك وتبدل مواقف التيار العوني وحلفائه تجاهه، تبعه تغييرات في مواقف أحزاب أخرى، منها تيار المستقبل، الذي أحرجته تظاهرة 29 آب وما تلاها من تحركات على الأرض. فالتيار يعتبر نفسه ضمناً، مناصراً للسلطة الحالية كونه هو الذي انتج الحكومة، فيما يفترض انه يتماهى مع مطالب الشارع الداعية للحرية، وأنه دأب على دعوة الناس إلى الساحة. غير أن تصريحات قيادييه لوسائل الإعلام، تعكس استهابة "المستقبل" للحراك، الذي قال عضو المكتب السياسي مصطفى علوش إنهم "يدركون أنه لا يستهدفنا، إنما فيه بعض الأشخاص الذي يريدون استهدافنا"، فيما عكست تصريحات لقياديين آخرين بأن التيار وجد أن لا مصلحة له بالوقوف في وجه الحراك، لا سيما أن قسماً كبيراً من جمهور 14 آذار لم يكن بعيداً منه، وربما ينجرف كثيرون معه على حساب شعبية المستقبل وغيره من قوى 14 اذار.

القوى السياسية لا بد أنها أملت على محازبيها ومناصريها المقربين عدم المشاركة في التظاهرات، خصوصاً التيار العوني وحركة أمل حزب الله والمستقبل. لكن تبقى عيونهم على جماهيرهم التي اصابها الغثيان من عقم السطة وشللها وعدم قدرتها على اجتراح حلول لأتفه المشكلات. وما فجرته فضيحة النفايات قد يطيح بكل المعادلات الشعبية والتوازنات القديمة في حال تقدمت قيادات مدنية مرموقة لقيادة الحدث واستثماره مطلبيا وسياسيا في مصلحة الشعب والوطن.

وفي حال حصول ذلك، فقد يعني هذا ان أي تعاظم لحراك قد يكبر لدرجة قدرته إطاحة بعض القيادات الحالية وإسقاطها لاحقاً وقت حصول الانتخابات، إذ أن الحراك المدني قد يستقطب شعبية تفرز "حزب أوادم" لم يشهده لبنان منذ نشأته، وهو الأمر الذي قد يفقد رموز السلطة صوابهم ويدفعهم إلى استنفار طاقاتهم لإيجاد مخرج سريع يخمد الحراك الشعبي ويقضي عليه، ويضمن لهم احتكارهم باطلاق الشعارات وتحريك الجماهير.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها