الخميس 2015/08/27

آخر تحديث: 20:23 (بيروت)

القنوات اللبنانية: الأجندة ثم الأجندة ثم المهنة

الخميس 2015/08/27
القنوات اللبنانية: الأجندة ثم الأجندة ثم المهنة
لم يكن الإداء الإعلامي اللبناني خلال تغطية التظاهرات سوى محاولة لإمتطاء مطالب المتظاهرين (محمود الطويل)
increase حجم الخط decrease
الساعات الطويلة من البث الحي التي خصصها معظم القنوات التلفزيونية اللبنانية لمواكبة الأحداث والتطورات التي رافقت التظاهرات التي دعت اليها حملة "طلعت ريحتكن" وشهدتها ساحة رياض الصلح على خلفية فضيحة ملف النفايات، أبرزت إجماعاً قلما نشهده لناحية توحدها على نقل المطالب ورفع الصوت مع المعتصمين والمتظاهرين، الذي علا في وجه السلطة ووجوهها، مع الحرص على تواجد مراسليها واعلامييها في جنبات الحدث وفي قلبه.  حتى أن منهم من حاول إبراز نفسه وكأنه أيقونة النضال الصحافي المكافح من أجل إيصال الحقيقة، معتمداً أسلوباً مفعماً بـ"الأكشن" كونه يستنشق مقداراً اكبر من الغاز المسيل للدموع ويتحمل "الدفش واللبج" بإصرار وشجاعة وعزيمة لا تلين، وبعد إقحام نفسه عمداً في "مرمى الخراطيم"، وهو اسلوب لا يمت للتغطية الصحافية بصلة، بل يكاد يكون أقرب لما درجت على تقديمه أفلام النينجا وملك الخواتم.

ما ظهر من توحد القنوات المحلية تحت شعارات وعناوين مطالب الشعب وحقوقه، ورفد مطالبه بضرب الفساد من جذوره، تجلت  انقساماته واختلافاته في اسلوب التغطية وتظهير المواقف الذي انتهجته تلك المحطات، والذي لم يكن فعلياً سوى محاولة لإمتطاء مطالب المتظاهرين ضمن سعي في مقلب آخر يهدف من ضمن تغطية الحراك دس السم في الدسم، وفق أجندة تؤطّر سير عمل كل محطة إعلامية حسب مواقف مرجعيتها السياسية والحزبية التي أملت عليها زاوية مواكبتها للأحداث على تنوعها من خلال اعتلائها للحدث المطلبي واستغلاله سياسياً، حيث طفت الصراعات الخفية على السطح  وبرزت جلياً في أسلوب مقاربة الوقائع وتقديمها للجمهور.

وكعادته المخيبة للآمال، يكرس الإعلام اللبناني صورة الانقسام والفرز السياسي والمذهبي، فيما الهواجس والصراعات السياسية التي يقودها بعض المحطات اللبنانية ضد فريق سياسي أو جهة في السلطة، أماط الحراك الأخير اللثام عنها، بعدما قررت الأحزاب والقوى السياسية، تصفية حساباتها والرد على ما طاولها من نقد أو اتهامات، عبر زجّ نفسها في مفاصل الحدث وتطوارته، بموازاة ما أظهرته مقدمات نشرات الأخبار والتقارير الميدانية والحلقات الحوارية من معارك واصطفافات لدى السلطة تسعى إلى مزيد من الدعم والتكريس.

تفنيد الأداء الإعلامي وحيثية فك شيفرة رسائله، يستوجب التمعن في قراءة المشهد السياسي وما يتضمنه من فراغ رئاسي وتعطيل حكومي ومؤسساتي إلى جانب ما خبرناه من المناكفات بين القوى والأحزاب، والذي تماهت معه المحطات اللبنانية والقيمون عليها بسيرها على خريطة  تصريحات السياسيين وما انبثق من مواقفهم تجاه كل القضايا الخلافية المطروحة على الساحة مؤخرا.

فمع إعلان رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع،  تأييده مطالب المتظاهرين والمعتصمين في ساحة رياض الصلح، ودعوته النواب النزول إلى مجلس النواب وانتخاب رئيس للجمهورية ومناشدته رئيس الوزراء تمام سلام عدم الاستقالة، تخرج قناة "إم تي في" بالسؤال عن "حقيقة ماذا يحصل في الشارع. وهل التحركات التي نشهدها بين ساحتي رياض الصلح والشهداء تحركات مطالبية صرف أم أن هناك طابوراً خامساً حزبياً دخل على خط معاناة الناس، ليسجل نقاطاً في السياسة على الحكومة ورئيسها وصولاً ربما إلى نسف النظام من أساسه". وذلك في اشارة لا تخفى باتهام حزب الله واتباعه من سرايا المقاومة بالوقوف وراء الشغب، لتعود وتستدرك أنه "ينبغي التأكيد على أن المطالب التي يرفعها المتظاهرون محقة مئة في المئة". لكنها توجّه المتظاهرين بأن عليهم أولاً أن يطالبوا بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، إذ إنه المدخل الحقيقي والوحيد لإعادة بناء المؤسسات.."، معتبرة بأن على ناشطي "طلعت ريحتكم" تصويب بوصلة تحركهم، وهو ما انسحب على تغطية القناة التي حذرت من الانقلاب على الشرعية والدستور والنظام وإدخال لبنان في المجهول، إذ في رأيها الحركات المطلبية أصيبت بـ"إعاقة مبكرة" بعدما "ضربت السياسة مفاصلها وحملت نفسها عناوين خلافية ثقيلة، ليس أخف الغامها وزنا تغيير النظام".

أداء "إم تي في" ووجهة تغطيتها انسحبا على قناة "المستقبل"، ما بدا انعكاسا للتحالف بين "القوات" وتيار "المستقبل"، الذي ظهّرت قناته التلفزيونية "أحقية مطالب المتظاهرين حيث أولويات اللبنانيين في آخر سلّم أولويات السياسة اللبنانية". لكن السؤال الكبير بالنسبة للقناة الزرقاء هو "من حاول ويحاول تحويل مشهد حضاري إلى مشهد دموي؟ ومن يريد إحراق وسط بيروت؟". وفيما اعتبرت "المستقبل" أن "الرئيس سلام، وحده من بين أركان السلطة، من دعا الشباب إلى الحوار وتفهمهم"، برّزت موقف الرئيس سعد الحريري الداعم لرئيس الحكومة والذي ميّز بين "المطالب المحقة وبين الدعوة إلى إسقاط الحكومة، آخر معقل شرعي".

بموازاة ذلك، ذهبت "أو تي في" بعيداً في استغلال الحدث لشن معركة شاملة اختزلت معظم خيبات التيار البرتقالي الاخيرة، بإطلاق سهامها على الحكومة وقائد الجيش من دون أن تنسى الرئيس بري، ومع تكريسها ساعات بث طويلة لنقل مجريات ما أطلقت عليه "ثورة استعادة الحقوق"، ركّزت برامجها الحوارية السياسية في اليومين الأخيرين على "ارتباك القوى السياسية من الحراك المدني"، وعلى "تفوق السلطة على نفسها بممارستها العنفية مع المتظاهرين"، كما رأت أنه "يحق للمندسين ما لا يحق للعونيين"، حيث خصصت تقريراً كاملاً للتذكير بأن ساحة رياض الصلح، شهدت قبل المتظاهرين الحاليين، صوت أقدام عشرات الشبان من التيار الوطني الحر في تموز الماضي، ممن كانوا مطوقين من قبل عناصر الجيش لمنعهم من التقدم إلى السراي، وإعلاء الصوت للمطالبة بحقوق المسيحيين، ما وضعته في إطار "خط رسمه قهوجي في وجه التيار، وتخطاه أمام المشاغبين".

قناة "أن بي أن" حاولت تبرئة نفسها وتبييض صورة الرئيس بري وحركة أمل من خلال التركيز على التحذيرمن تحويل ساحة رياض الصلح إلى ساحة رسائل سياسية متبادلة وتصفية حسابات، معتبرة أنه لم يعد للمواطنين قدرة على تحمل مزايدات سياسية،  فيما أعادت التصويب على ميشال عون كانعكاس لموقف الرئيس بري. فدأبت على اعادة التذكير بأن "الناس كلها تعرف من يعطل المجلس النيابي وجلسات مجلس الوزراء ويضع العوائق امام الحلول كما انهم يعرفون أسباب عدم انتخاب رئيس للجمهورية". كما أن القناة، وبموازاة دعمها للحقوق المطلبية الشعبية، قامت بفتح معركة إعلامية مع "من يقوم بالتصويب على الحركة التي يقوم رئيسها بدور الجمع الوطني ورعاية الحوار الداخلي".

وظهر جلياً أنه وإلى جانب تغطية للأحداث، لم تدخر القناة جهداً في تلميع صورتها ونفي التهم الموجهة إلى حركة أمل بمحاولة التخريب على الحراك وإجهاضه، خصوصاً أن هناك من ارتفع صوته وطالب بحل المجلس النيابي. وعليه ركزت في تقاريرها ونشراتها الاخبارية على ما فعله المشاغبون وكيف حولوا بيروت، يومي السبت والأحد الماضيين، إلى "صورة سوداوية"، فيما "الشعب اللبناني الموجوع بحاجة إلى صرخة سلمية تصل إلى من يعنيهم الأمر بالطرق الصحيحة".

كما حاولت القناة اختطاف الحدث، بالمزايدة على وسائل الإعلام الأخرى لناحية التواجد في قلب الأحداث، حيث عرضت تقريراً من إعداد مراسلتها ليندا مشلب، يستعرض بشكل مسرحي وبأسلوب تشويقي "مغامرة " القناة في نقلها ما يجري بين قوى الأمن والمتظاهرين وكيف انها أصرت رغم الاشتباكات على نقل الصورة كاملة للمشاهدين، حيث كانت تقف على "خط التماس" على حد قول مشلب.

تلفزيون "المنار" بدا مستهيباً لحساسية اللحظة السياسية والحرب المذهبية التي تلف المنطقة، اذ عكس سياسة الحزب لناحية إدارة المعركة الداخلية من الخلف واستبعاد التصعيد اللفظي رغم تهديده بالنزول إلى الشارع ضمن ما يمليه عليه تحالفه مع عون، لكنه ركز على اظهار الاصوات التي استبعدت "سيّد المقاومة" و"الجنرال" من اتهامات المتظاهرين لأركان السلطة بالفساد، كما انه كان لافتاً ابتعاد المحطة عن استعمال مصطلحات مثل المشاغبين أو المندسين والمخربين تجاه اولئك الذين قاموا باستعمال قنابل المولوتوف واقتحموا حواجز قوى الأمن وكسروا الواجهات الزجاجية ونهبوا المحلات في منطقة سوليدير.

في المقلب الآخر، كانت منافسة بارزة وواضحة بين "الجديد" و"إل بي سي"، اللتين أظهرت تغطياتهما منذ السبت تهافتا مدروساً على السبق الصحافي ونقل الصورة الميدانية من جوانب مختلفة. ورغم أن القناتين تتصرفان وكأنهما تغردان خارج سرب التبعية السياسية الإعلامية المباشرة، إلا أن أهدافهما بأن تكونا من رواد الحراك المدني واستقطاب جمهوره ومؤيديه، مضافاً إلى الجمهور اليساري لـ"الجديد" والمسيحي لـ "إل بي سي"، بدت ظاهرة وجلية من خلال فتح الهواء لساعات طويلة لشكاوى ورسائل المشاركين في التحركات الأخيرة. وهو ما تسعى "الجديد" من خلاله لاستعادة جمهورها، بأسلوبها "الشعبوي" المعروف بتغطيتها لأحداث مرتبطة بالشارع، وانحيازها العلني للمتظاهرين في وجه قوى الأمن وممارستها "القمعية والهمجية"، على ما كررته في أكثر من نشرة أخبار وتقرير وبرنامج حواري، بينما تذهب "إل بي سي" في مسار محاولتها التمركز في موقع قيادة الحدث إعلامياً، واستعادة تمايزها في التغطيات الميدانية، والذي افتقدته منذ تسريحها لمعظم موظفيها ومراسيلها البارزين، إنما بأسلوب مختلف وأكثر "رصانة".
  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها