الجمعة 2015/07/31

آخر تحديث: 18:27 (بيروت)

ميسرة سكر.. حاكم مصرف أوساخنا

الجمعة 2015/07/31
ميسرة سكر.. حاكم مصرف أوساخنا
increase حجم الخط decrease
مساء أمس، لُزّمَ هواء "أل بي سي" لشركتي "أفيردا" و"سوكلين"، ورست مناقصة "كلام الناس" على رئيس مجلس إدارتهما، ميسرة سكر. انفرد "الإمبراطور الأخضر" بالظهور، ومثلما أراد، أعطيِّت الشاشة له كي يدافع عن دوره في أزمة النفايات اللبنانية. لا ضيف غيره في الاستديو، ولا متكلم سواه أمام الكاميرا، فالمحطة  أُبعدت رياض الأسعد عن مناقشته، واختصرت وجود نعمة افرام  بالحضور في أحد التقارير المصورة فقط.

بدت الغاية من هذه الحلقة النظيفة من أي إختلاف مطروح فيها، تدوير صورة "سوكلين" وطمر التعليقات الناقدة لأدائها. فمن يشاهد مارسيل غانم بإستفهاماته، وسكر بأجوبته، يلاحظ أن الحوار كاد أن يتحول إلى مطمر الأسئلة الفعلية والمتفاعلة عن الثروة السوكلينية، وعن طرق عملها، بالفضل عن إيكولوجيتها الرسمية، وعن هدرها المال الضرائبي نتيجة ارتفاع تكاليف جمعها للقمامة والتخلص منها.

"رسكل" سكر الإتهامات المصوبة نحو شركته. فالخدمات التي تقدمها "سوكلين" معينة بـ"عقدها" الموقع مع الدولة، والأموال التي تتقاضاها لقائها محددة بـ"معايير" معروفة. والعقد والمعيار هما "الغطاء السياسي الوحيد"، الذي اختبأ سكر تحته، ومن هناك، وعلى عادة لبنانية سائدة، تحدث عن مسؤولية الدولة، بوصفها "الناظمة"، وباعتبار أن لا علاقة له بانتظامها الفاسد والمفسد. "لا شيء مستتراً لدينا"، يقول رئيس الشركة، ويضيف أن "النجاح هو الحامي"، على الرغم من كون "سوكلين" هي "الطرف الأضعف" في ظل الراهن. طبعاً، تَرَفع سكر عن تجديد خدمة "سوكلين"، بحيث أنه لم يطالب به، مثلما لم يقفل أبواب شركته أمام المعترضين عليها.

على طول الحلقة، ومن بدايتها، واظب سكر على نكران صلة "سوكلين" بأزمة النفايات. مارسيل غانم سأله عما إن كانت "مقدمته"، التي تحدث فيها عن دفع المواطنين لثمن "المحاصصة والسمسرة"، قد أثرت فيه، أو أصابت به شعوراً ما، فأجاب بالنفي. ذلك، أنه لم يطلّ على المشاهدين سوى كي يدافع عن مؤسسته، ويضع حداً لانزعاج موظفيها من الكلام المُثار حولهم.

وهو، على الأغلب، نجح في هذا الأمر، لأن الإنقسام قد ظهر حول شركته، فبعض المعلقين وجدوا فيه "مديراً ناجحاً"، عرف كيف يدير نظافة البلاد منذ نهاية الحرب فيها حتى اليوم، والبعض الآخر منهم، رأى فيه "رجل فساد"، ومن الأنفع عدم إضاعة الوقت في الإستماع إليه.

والحال، أن إطلالة سكر الإعلامية عبر "كلام الناس" شبيهة بإطلالة أحد الزعماء أو أكثر منها، بحيث جاءت متفردة بنفسها وعلى ثقةٍ صلبة، لدرجة أن صاحبها كان يشيح نظره عن غانم، مجيباً على أسئلته باستظهار ووضوح واقتضاب. فبترفعه، يمتص أي استفهام حيال شركته، يغيره إلى منصة، ليظهر عليها كما يرغب.

ثم إن سكر، وفي أغلب الأوقات، يتحدث عن عمله كأنه يمارسه عنوةً، أو خدمةً لطرف ما، أو إحساناً إليه، لا سيما أن الرئيس رفيق الحريري هو الذي اتصل به وحثه على العودة إلى لبنان. فرئيس إدارة "سوكلين" لم يكن يريد الرجوع، ولا الإستثمار، ولا الدخول في كل تلك المناقصات، التي ربحها. لم يكن يريد أن يصير إمبراطوراً أخضر، عالماً في شأن نفاياتنا، ونافذاً في كيفية الإنتهاء منها. لم يكن يريد، لكننا كـ"مواطنين" قررنا إيقاف حربنا، أجبرناه على ذلك، فخضع، تماماً، مثلما هو الوضع بالنسبة لسلطاتنا الحزبية ودولتها ومؤسساتها، التي تنقل نفاياتنا إلينا تحت الحراسة الأمنية المشددة..يا لتعاسته وتعاستها!

إلى هذه الصورة عن ميسرة سكر، يخلص المتفرج، الذي لم يسبق له أن شاهد واستمع إلى المؤتمن على جمع نفاياته وإخفائها. فأن يتفرج المرء على صاحب "سوكلين"، على المتصرف في مآل القمامة بعد رميها أمام أبواب المنازل وفي المستوعبات، يشعر أنه يشاهد حاكماً جديداً، مهمته، ضبط حركة البقايا وسعر طمرها، مثلما يضبط البنك المركزي  سيولة الأموال وسعر الليرة اللبنانية.

ميسرة سكر مدير مصرف نفاياتنا، وقد ظهر معاتباً لنا بسبب رمينا الأوساخ في الشارع، وبالتالي، دفع شركته إلى العمل والقبض أكثر. نحن المسؤولون أولاً، هذا ما يقوله، أما دولته وشركته، فالبتّة. فقد قُدِم للقاطنين نظام إيكولوجي كامل غير الذي يعتمدونه، لكنهم رفضوه، لأنهم متمسكون بـ"سوكلين"، ولهذا الأمر، هم يرمون قذارتهم، ويطالبون بطمرها بين بيوتهم. لقد تعب، حاكم مصرف نفاياتنا، تعب كثيراً، لذا، لا بد من الإعتذار إليه وإلى الدولة التي لزّمته بقايانا.... نعتذر لأننا أناس مزعجون، وعلى عكس آخرينا، نرتكب الخطأ ذاته يومياً: ننتج نفايات ونرهقكم بها مجاناً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها