الجمعة 2023/09/01

آخر تحديث: 20:46 (بيروت)

تقويض وتهديد الاعمال الفنية...سقف الحريات إذ يقع على الرؤوس

الجمعة 2023/09/01
تقويض وتهديد الاعمال الفنية...سقف الحريات إذ يقع على الرؤوس
من وقفة تضامن مع نور حجار (المدن)
increase حجم الخط decrease
"أعتذر من أي شخص تضرّر بسبب الفيديو"... هكذا طُويت قضية الممثّل الكوميدي نور حجّار ببيان اعتذار، كتسوية، لتهدئة غضب الغيارى على القيم المجتمعية والدينيّة، والوطنيّة. 
 
قضية نور لم تكن سابقة. منذ العام 2016 ارتفعت وتيرة الانتهاكات الثقافية التي اتّخذت اتجاهاتٍ مختلفة، منها منع عرض أفلام أو مشاركة أعمال مصوّرة في مهرجانات، وصولاً إلى الاعتداء على فنانين وعاملين في المجال الثقافي.

ما حصل مع نور هو محاولة جديدة لإعادة إمساك لبنان بنظامٍ أمني، من خلال شدّ العصب الديني والطائفي. إذ لاحقت "دار الفتوى" نور حجار، وقبلها شنّ "المجلس الشيعي الأعلى" حرباً على رجل الدّين الشيعي المعارض لسياسة "حزب الله" ياسر عودة، فيما يُواصل "جنود الرّب" حربهم المفتوحة على مجتمع "الميم عين".   

احتجاز نور لساعاتٍ وخضوعه لثلاثة تحقيقات هو "جزء من مكيدة مخابراتية"، وفق المسؤول الإعلامي في مؤسسة سمير قصير–سكايز، جاد شحرور. إذ يقول شحرور لـ"المدن" إن "الشرطة العسكرية لم يشفَ غليلها من توقيف نور خصوصاً أن التحقيق لم يُدينه، فجنّدوا الدّين". يُضيف شحرور: "لم يكن انتشار فيديو مجتزأ من عرض كوميدي طويل، بعد دقائق من خروج حجّار من التحقيق الأول، صدفة. لا سيما أن الفيديو خضع للمونتاج وأُرفق بوسوم محدّدة وبدعوات للتظاهر، وهو ما يؤكّد أن الحملة ضدّه كانت منظّمة".  

الكوميديا في قبضة السلطة
نور حجار، الذي اتُهم بارتكاب "جرائم تمسّ الدين الإسلامي" و"إثارة النعرات الدينية والطائفية" و"الاستهزاء بالقرآن الكريم والنيل من الوحدة الوطنية"، وللمفارقة، تمّت ملاحقته بسبب نكات تطاول الأوضاع السياسية والاقتصادية، فيما يبقى من تسبّب بها معفياً من المُلاحقة والمحاسبة.  نور هو واحد من كثيرين تمّ استجوابهم في سنوات سابقة بسبب نكتة، أو تغريدة، أو مقال رأي، أو أي عمل إبداعي. 

في أيار/ مايو 2021، مثُلت الممثلة الكوميدية شادن فقيه أمام مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية بسبب اتصالها في وقت سابق بالرقم 112، وهو رقم الطوارئ في قوى الأمن الداخلي، لتسأل العناصر الأمنية عن كيفية حصولها على الفوط الصحية في ظلّ الحجر الصحي والقيود على الحركة بسبب جائحة كورونا. 

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر من العام نفسه، شُنت حملة شرسة على الممثل الكوميدي حسين قاووق، بسبب مشهد بثّته قناة "الجديد" ضمن برنامج "شو الوضع" الساخر، وفيه ينتقد قاووق الأحزاب السياسية التقليدية في لبنان ومن ضمنها "حزب الله"، الذي سارع مناصروه إلى شنِّ حملةٍ إلكترونية واسعة ضدّه سرعان ما تطوّرت إلى حملة كراهية وتهديد وترهيب. 

الحملات على فنّ الكوميديا ليست جديدة، فمنذ أكثر من 15 سنة وأحزاب السلطة تحشد مناصريها أمام كل مشهدٍ يطاولها. شهد طريق المطار احتجاجات عديدة اعتراضاً على "اسكتشات كوميدية" عُرضت على مرّ سنوات، ابتداءً من برنامج "بس مات الوطن" الذي عُرض على قناة "أل بي سي" منذ العام 1995 وصولاً إلى برنامج "فشة خلق" على قناة "الجديد"، التي واجهت مقدّمته داليا أحمد تحريضاً وصل إلى حدّ التهديد بالقتل، بسبب نكتة أيضاً.    

السينما والمسرح... ومقصّ الرقابة
لاحق مقصّ الرقابة الأعمال السينمائية والمسرحيّة أيضاً. المسرحية الغنائيّة "تنفيسة" كانت إحدى ضحايا هذا المقصّ. إذ أوقفت دورية من الأمن العام اللبناني، في تشرين الأول/أكتوبر 2021، العرض على "مسرح المدينة" في منطقة الحمرا في بيروت، على خلفية عدم حصول المشاركين في العمل على تصريح عرض من مكتب الرقابة في الأمن العام.
وألغت إدارة "مهرجان بيروت للأفلام الفنية الوثائقية"، في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، عرض فيلم "الرجل الذي باع ظهره" (2020)، للمخرجة التونسية كوثر بن هنيّة، الذي كان من المفترض أن يُعرض على "مسرح مونو" في الأشرفية، بسبب "إحالة الأمن العام اللبناني الفيلم إلى لجنة التدقيق لديها". 

كما مُنِع فيلم الرسوم المتحركة "Lightyear"، في حزيران/يونيو 2022، من العرض في لبنان بذريعة احتوائه على مشهد "قبلة بين شخصيتين مثليتين". كذلك أعلنت شركة "فوكس سينما" في حزيران/يونيو 2023، أنها لن تعرض فيلم "سبايدرمان" من دون سبب واضح، إلا أنه يُعتقد أن قرارها جاء بعد ضغوط "غير معلنة" إثر جدلٍ على عبارة في الفيلم تدعو إلى حماية الأطفال العابرين جنسيّاً.

على صعيد الأغاني، منع أحد منظمي "معرض بيروت العربي الدولي للكتاب"، في آذار/مارس 2022، فرقة "بيكار بيروت" الفنية من استكمال حفلتها الغنائية في المعرض في قاعة "سي سايد" للمعارض، وقام بقطع التيار الكهربائي عن الحفلة قبل انتهائها. 

كما منعت اللجنة المختصّة بمراقبة الأفلام، في كانون الأول/ديسمبر 2022، عرض الفيديو كليب الخاص بأنشودة الميلاد "The First Noel" للفنّانَين برونو طبّال وسينتيا كرم، على خلفية عبارة born is the king of Israel (وُلد ملك إسرائيل) بحجة "عدم سوء فهمها". 

ورفض الأمن العام اللبناني، في نيسان/أبريل 2016، إعطاء إجازة لبثّ أغنية للفنان بشار مارسيل خليفة تحمل عنوان "كيرياليسون"، بحجة أنها "تمس بالذّات الإلهية" وفيها "كلام مسيء إلى العزّة الإلهية"، وذلك "من خلال دعوة المغني إلى الله بقوله "إرحمنا إرحمنا وحل عنّا". 

هذه عيّنة من سلسلة طويلة من محاولة السلطة لفرض قيمها على المشهد الثقافي والفنّي في لبنان، الذي استوفى شروط الدولة البوليسية في السنوات الأخيرة، عبر محاولات تهذيب اللبنانيين بما يتّفق مع الأطراف السياسية والدينية الحاكمة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها