الأربعاء 2023/11/08

آخر تحديث: 14:14 (بيروت)

المُراسل عبّود... الكوميديا السوداء مُقاومة أيضاً

الأربعاء 2023/11/08
المُراسل عبّود... الكوميديا السوداء مُقاومة أيضاً
increase حجم الخط decrease
"أقوى صحافي في العالم" و"الوريث الوحيد لشيرين أبو عاقلة"، هكذا يُعرّف الشاب الغزّاوي عبدالرحمن بطّاح عن نفسه، وهكذا أيضاً يعرفه جمهوره الذي تخطّى المليون ونصف المليون متابع في "إنستغرام" منذ بدء الحرب على غزّة. 


عبدالرحمن (17 سنة)، أو عبّود كما يُطلق على نفسه، هو شاب فلسطيني يعيش في قطاع غزّة ويحلم بأن يصبح صحافياً يوماً ما. في 11 تشرين الاول/أكتوبر، نشر فيديو في صفحته في "انستغرام" وهو يحمل مصباحاً متصلاً بسلكٍ كهربائي، أراد عبرها استنساخ شكل ميكروفون المراسل التلفزيوني الذي يكون عادةً موصولاً بكاميرا مصوّر القناة. في هذا الفيديو يقول عبّود: "إخواني رح نصير صحافة لأنه فش إشي ماشي بالبلد". 

منذ ذلك الحين، ينقل عبّود، بلهجته المحليّة وبإمكاناته المتواضعة، الأخبار "من الاستوديو الخاص به" كما يقول. واستديو عبّود هو أحياء غزّة التي تحوّلت إلى ركام، وأسطح البنايات التي يمكن من فوقها مشاهدة الطائرات الإسرائيلية وهي تقصف المدنيين. يعتلي عبّود أحد تلك الأسطح، ليستهلّ رسالته بلغةٍ عربية ركيكة، ثم ينتقل بعدها إلى اللغة المحكيّة وأسلوبه الفكاهي المميّز في نقل الأخبار، على رغم مأسويتها، في قطاع غزة. 

ربما لا يُدرك عبّود أن ما يقدّمه هو كوميديا سوداء، ذلك أن الشاب يُجيد إضحاك متابعيه في أعمق الشدائد، والضحك بحد ذاته هو آلية تعامل وشهادة على الصّمود. 

كُثر هم الصحافيون الذين يغطّون أحداث غزّة، ولكن ليس كعبّود أحد. يقف الأخير إلى جانب صاروخٍ لم ينفجر، ويقول: "فيديو جديد من أمام صاروخ لم ينفجر من ولاد الكلب اللي بيستهدفوا المدنيين". في فيديو آخر، يقف عبّود أمام أحد المخابز، ويقول ساخراً من أزمة نفاد الوقود والطحين، "نحنا قدام مخبز الطابور فيه أكتر من واشنطن، طريق التحرير مش هيك. أنا واحد من الناس اللي كنت آكل ربطة هلكأت (الآن) باكل رغيف إلاّ".
 

في مقطعٍ آخر يقول عبّود: "في شارع الدّكة، فضحوا عرضها صواريخ من الـ4 الفجر وهُمَّ بضربوا فيها نفس الصواريخ". هذا عدا عبارته الشهيرة "الوضع آيس كوفي"، كما يؤكد في ختام كل تسجيل، ويقصد أن الأوضاع ستكون جيدة.


فيديوهات عبّود فيها تناقض يُربك المشاهد. شابٌ لطيفٌ، ضحكته لا تُفارقه، طموحه يعتلي ملامحه وشغفه بمهنةٍ يُحاول إيجادها بإمكاناتٍ بسيطة، الشاب ذاته ينقل للمشاهدين أخباراً مأسوية وأصوات الغارات الإسرائيلية حاضرة كخلفيّة في كل فيديواته، يتوقّف عبّود للحظات حين يتعالى صوت الغارات، ثم يُتابع رسالته. 
ابتسامة عبّود وأسلوبه الساخر في نقل الأحداث جعله حديث منصات التواصل الاجتماعي في العالم العربي أخيراً، وخلق له قاعدة جماهيرية واسعة لا تقل أهمية عن تلك التابعة لأي صحافي آخر. وبعد انقطاع الانترنت عن قطاع غزة مدة يومين، اختفى عبّود عن المشهد، وبدأ رواد مواقع التواصل السؤال عن الفتى صاحب الابتسامة.
 

في أحد الفيديوهات يُوجّه عبّود كلامه إلى قناة "الجزيرة": "قناة الجزيرة، والله إنّي صحافي قد الدنيا، شركة الجزيرة اطلبوني عالمطرح... تمام". اللافت في عبّود أنه يُدرك ما يفعله، يعرف حلمه ويسير بثبات نحوه، حتى ولو كان كل ما حوله يدعو للانطفاء، يعرف الفتى كيف يضيء عتمته، حين يشتدّ القصف، يضاعف حجم ابتسامته ويقول بلغةٍ عربية فصيحة: "سنموت بعد خمس عشرة دقيقة".  

الضحك هو أداة عبّود للبقاء والمقاومة، إنه وسيلته للابتعاد لحظياً عما يدور حوله، وفعلٌ متمرّد للصمود والبقاء العنيد... الضحك عزاء عبّود في حربٍ قد يكون هو ضحيتها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها