الأربعاء 2018/04/11

آخر تحديث: 18:45 (بيروت)

تغريدة التوماهوك

الأربعاء 2018/04/11
تغريدة التوماهوك
الجميع ينتظر هذه الضربة، لدرجة أنها بدأت بالوقوع قبل أن تقع
increase حجم الخط decrease
الجميع ينتظر الضربة العسكرية التي قررت الولايات المتحدة الأميركية، وبحسب رئيسها دونالد ترامب، أن توجهها إلى نظام بشار الأسد على إثر استخدامه السلاح الكيماوي من جديد في إبادته المتواصلة للسوريين. الجميع ينتظر هذه الضربة، ومن شدة انتظاره لها، تبدو أنها بدأت بالوقوع قبل أن تقع، لا سيما أن الجلبة الإعلامية حولها، بمقالبها التكهنية، قد انطلقت على قدم وساق، ورأي وموقف.
ولكن، الجميع أيضاً، يدرك أن تلك الضربة تأخرت، وتأخرت كثيراً، لدرجة أن الكلام عن حدوثها، ولو ردده ترامب إياه، غالباً ما يقترن بالحذر، وغالباً ما يترافق مع الإستعداد للخيبة.

ففي لحظة معينة، قد تنقلب الضربة ذاتها إلى مجرد وفاق، إذ قد يرسم أحدهم، السيد باراك أوباما مثلاً، خطاً أحمر، ثم يسرع إلى إزالته كأنه لم يكن من قبل. وعندها، تستمر المجزرة، وعندها، يعود القتل وسفاحه ليأخذ كل المكان بلا أن يسنح  للإنتظار بالظهور مرة أخرى. 

"إما الإنتظار، وإما الإغتيال"، هذا ما جرى تقديمه للسوريين منذ العام 2011. إذ ألزموا بخيارين، خيار تعرضهم للقتل، وخيار تعرضهم للترقب، وطبعاً، تعرضهم للثاني يحصل خلال تعرضهم للأول. ففي حين القضاء عليهم، يخبرهم العالم، وأي عالم، أنه سيأتي لإنقاذهم، وفي النتيجة، يجب أن يخمنوا مجيئه، وهو، عادةً، لا يحضر. من وقت إلى آخر، على السوريين أن يتحولوا من معدومين، كما يريدهم نظام الأبد، إلى منتظرين، كما يريدهم أي غير له.

ولكن، ومثلما أن إعدامهم يقوي ذلك النظام، انتظارهم يؤدي إلى الأمر نفسه أيضاً، لا سيما أن موضوعه لا يلوح سوى لفظياً، يحدث في الحكي، وليس في الممارسة. فمن الممكن القول أن الضربة صارت خطاباً. فكما يعلم أحد عظماء القرن المنصرم، كل خطاب هو عمل مخفق، كل خطاب هو عمل جرى القفز عنه بدون إدراك الفشل فيه.

على هذا النحو، الضربة، ولأنها على هذا الحال، قد يشعر منتظروها أنها وقعت قبل أن تقع، وأنها عندما تقع، لن تقع فعلياً لأنها وقعت مسبقاً، ولأنها، وفي الوقت نفسه، تباطأت جداً في الوقوع. وعلى هذا النحو أيضاً، تتغير هذه الضربة إلى مجرد موضوع تشويقي، بحيث أنها، وكلما كان حدوثها مؤجلاً على الرغم من إعلان قربه، تصير محط متابعة، ومحط إدلاء، ومحط تعليق، ومحط تجاذب. وهكذا، تصير محط كل شيء سوى محط جريانها، كما لو أن الحديث عنها أكثر وفرة من حدوثها. "تضرب" الضربة على الشاشات، في الأخبار، في البوستات، وأينما كان، أكثر مما تضرب وقبل أن تضرب، تندلع في الإفتراض أكثر مما تندلع وقبل أن تندلع خارجه. 

من المثير أن ترامب يجاهر بها عبر "تويتر"، وأن كل المشتركين يتفاعلون ويتواصلون معه. من المثير مشاهدة التحضير لها، التهديد بها، الرد عليها، فورياً. إلا أن هذا كله يبقيها تغريدة، محكومة بقوانين تسجيلها وبمعاييره وبطرقه، بحيث قد تلحقها أخرى، تكون متناقضة معها، أو تكون لاغية لها.

فعندما تبرز الضربة كتغريدة، من المتاح للا-ضربة أن تصير على شاكلتها، وبعد قليل من الوقت أيضاً. إختلاف بين مشهدين: مشهد إعلان الضربة عبر مؤتمر صحافي، أو طقس إنقاذي، ومشهد إعلانها عبر تغريدة. ثمة وقع كبير للتراجع عنها في حال المشهد الأول، وقع يشير إلى ما يسمى "فضيحة". لكن، في حال الإقلاع عنها في المشهد الثاني، سيكون ذلك مجرد تغريد آخر لا يستدعي التوقف عنده، "سجلت ما سجلت في تلك اللحظة، وها أنا أسجل معاكسه الآن، هكذا يعمل تويتر وفايسبوك وغيرهما".

بديهياً، لا يمكن إطاحة نظام المجزرة التأبيدية في سوريا، بواسطة ضربة على شكل تغريدة، أو بواسطة تغريدة على شكل ضربة!  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها