الإثنين 2018/02/19

آخر تحديث: 14:25 (بيروت)

ترامب يريد استعراضاً عسكرياً:العظَمة المتخيلة؟

الإثنين 2018/02/19
ترامب يريد استعراضاً عسكرياً:العظَمة المتخيلة؟
قبل البنتاغون طلب الرئيس إعترافاً منه بـ"العاطفة والاحترام الذين يكنهما الرئيس للجيش الأميركي"
increase حجم الخط decrease
ليس هوس الرئيس ترامب بصورته شيئاً جديداً على العالم. فالصورة هي بمثابة "العرف الأخلاقي بالنسبة لترامب"، وفق ما كتبه الصحافي جوناثن شايت في New York Magazine. وما الذي بإمكانه صناعة صورة ترامب المرجوة كقائد قوي وعنيف على نحو أفضل من إستعراض عسكري يشعره بأنه نابليون القرن الحادي والعشرين؟


فحين شاهد ترامب إستعراضاً عسكرياً في باريس في تموز (يوليو) الماضي، عاد إلى بلده ليطلب من البنتاغون أن ينظم له شيئاً شبيهاً، و"لكن أكبر". إستعراض الـBastille الذي تسبّب بغيرة ترامب هو حدث يقام، في الرابع عشر من شهر تموز يوليو في كلّ عام، للإحتفاء بذكرى إقتحام الباستيل في العام 1789 وإندلاع الثورة الفرنسية. أما النسخة الأميركية التي يريدها ترامب فماذا ستجسّد؟ وبماذا ستحتفي؟

الحقيقة هي أن ترامب نفسه لا يعرف بعد. كل ما يعرفه هو أنه يريد حدثاً ميدياوياً "أكبر" من الفرنسي. وقد أوعز إلى البنتاغون بدراسة الإحتمالات المختلفة التي يمكن أن يكون عليها هذا الحدث، وقد قبل هذا الأخير طلب الرئيس إعترافاً منه بـ"العاطفة والاحترام اللذين يكنهما الرئيس للجيش الأميركي"، وفق تصريح وزير الدفاع جيمس ماتيس. المهم هو أن تتجسّد قوة الولايات المتحدة الأميركية بمشهدية يكون هو مركزها، فيؤكّد على دوره كالصانع الأول للقرار العسكري في بلده والعالم. صورة لآلاف الرجال المدججين بأسلحتهم وخشونتهم ، يصطفون بإنتظام الآلات، ليلقون التحية على ترامب.

والحال أن الإستعراض العسكري الأخير الذي شهدته واشنطن كان في عهد الرئيس بوش الاب بعد إنتهاء حرب الخليج في العام 1991. كما راجت العروض العسكرية خلال الحرب الباردة، إذ إعتمدها الطرفان الأميركي والسوفياتي. إلا أن مشهدية العرض العسكري مرتبطة في أذهان الأميركيين بـ"الفاشية السوفياتية"، وهو ما دفع بوزير الدفاع إلى تجنب إستخدام عبارة "إستعراض". أما الإعلام الأميركي، فقد نعت الرئيس وإستعراضه المحتمل بكافة الأوصاف التي تنتمي إلى قاموس الفاشية والتوتاليتارية. فأطلقت عليه الـ"واشنطن بوست" لقب "رئيس الحرب"، وأعلنت عن دخول الرئاسة الأميركية "عصراً جديداً من العسكرة". 

أما الجمهوريون أنفسهم، فهم يسايرون طموح ترامب الإستعراضي على مضض، محاولين التبرؤ من الوصمة السوفياتية التي تغلب على حدثٍ من هذا النوع، وقد أشار أحد أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين إلى "أننا لا نبحث عن إستعراض لآلتنا الحربية على الطريقة السوفياتية، نحن لسنا كذلك. وصورة كهذه تفضح ضعفاً وليس قوة". أما عضو القوات البحرية الذي قتل بن لادن، فقد وصف الحدث المقرّر بأنه "هراء ينتمي إلى العالم الثالث". 

فترامب، يعتبر الإستعراض العسكري حقاً مشروعاً له. هذه العسكرة الصورية هي بمثابة إشباع لغروره المتضخم، والأسلحة التي يريد التباهي بها. إلا أن نزوع ترامب الجلي إلى الإستعراض لا يختزل وظيفة هذا الحدث ورمزيته. فهو قد يكون، على الصعيد السياسي، خطوةً ذكية، ذلك أن القوات العسكرية هي من الفئات الأميركية الأكثر تأييداً لترامب، بحسب الإحصاءات التي تشير إلى كسبه 60% من أصوات الجنود في مقابل 34% لمنافسته هيلاري كلينتون. كما أنه، خلال حملته الانتخابية، صرّح مراراً بأنه سيكون "رئيس الجيش". 

أما الإنتقادات التي تلقاها ترامب منذ طرحه فكرة العرض العسكري فهي قد تصبّ في صالح الصورة الوطنية/القومية التي يسعى إلى تكوينها، فيضع أي هجوم عليها في خانة الخيانة الوطنية، أو عدم إحترام مؤسسة الجيش الأميركي. وقد إستغلّ ترامب هذا الخطاب مؤخراً في إطار صراعه مع الديمقراطيين حول وضع موازنة الإنفاق الحكومي، ومع تأخرهم في التوصل إلى إتفاق وتداول إحتمال إغلاق الحكومة ما يترتّب عليه تأخر رواتب القوات العسكرية، إتهم ترامب الديمقراطيين "بحجزهم رواتب العسكريين كرهائن لديهم،" ودعاهم إلى "الإعتناء بقواتنا العسكرية، وبوطننا". 

في دولةٍ يفتخر شعبها وقادتها بكونها الأقوى في العالم، لا يمكن أن يكون ظهور الرئيس وسط القوات العسكرية مع أعلام أميركية عملاقة تنسدل في الخلفية، مشهدية مضرة لأي رئيس كان.

وقد أشارت مقالة في CNBC الأميركية إلى قصة مشهورة في الأوساط العسكرية الإعلامية حيث عرضت محطة CBS تقريراً لاذعاً في نقده للرئيس رونالد ريغان وسياساته، فشكرها مستشار البيت الأبيض حينذاك مايكل ديفير، إذ هيمنت على التقرير المصور مشاهد لريغان وهو يقف بفخر في مناسبات وطنية، فأشار ديفير إلى أنه "في المنافسة بين الأذن والعين، العين تربح دائماً". 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها