الثلاثاء 2017/03/14

آخر تحديث: 18:55 (بيروت)

الأزمة التركية-الأوروبية: "السلطان الشيطان" ضد "الاستعماريين الاستعباديين"

الثلاثاء 2017/03/14
الأزمة التركية-الأوروبية: "السلطان الشيطان" ضد "الاستعماريين الاستعباديين"
أردوغان في الصحافة الألمانية (عن تويتر)
increase حجم الخط decrease
"الحلم الأوروبي انتهى بالنسبة إلى تركيا"، رسالة يروّج لها خطاب الإعلام التركي في سياق الحملة التي يشنّها على هولندا وألمانيا، ودول أوروبية أخرى مساندة لموقفهما، مثل النمسا وسويسرا والدنمارك، على خلفية منع تنفيذ حملات الترويج للتصويت على الاستفتاء الدستوري التركي في أوساط الجاليات التركية، فيما بدا الرأي السائد في تركيا اليوم أنه "أصبح من المُلحّ أن يبدأ الأتراك بالتفكير في كيفية تحرير أنفسهم من عبء حلم الانضمام للاتحاد الأوروبي المثقل بالأزمات على كافة المستويات". والأزمة الآن مشتعلة بين تركيا وهذه الدول، وانسحبت على صحف ووسائل إعلام الطرفين، والتي تضجّ منذ أيام بخطابات ورسائل التصعيد المتبادل والنزال الكلامي الحاد، ما يشير إلى عمق التوتر الدبلوماسي واحتمال تفاقمه على أكثر من مستوى.


الإعلام الأوروبي الذي ما فتىء يروّج لفكرة أن الرئيس التركي، رجب طيّب أردوغان، ليس سوى "إسلامي" خطر يتطلّع إلى أن يكون سلطاناً عثمانياً جديداً مستبداً، أبرزته مجلة "شترن" الألمانية في عددها الأخير واصفة إياه بـ"المبتز" و"الشيطان" من خلال إظهارها أطراف الهلال الموجود في العلم التركي وكأنها قرون تنبت من رأسه، الأمر الذي وحّد جهود الإعلام التركي في المقابل لناحية تماهيه مع الموقف الرسمي الساعي لشدّ العصب التركي ومستحضراً كل النعوت ضد من اعتبرهم أعداء الحرية من الأوروبيين الذين يواجهون تركيا بوصفهم "النازيين" و"الفاشيين" و"الدمويين الذين أثقلوا الذاكرة التركية جراء ماضيهم الاستعماري". وهذا ما دفع بالأزمة لتأخذ بُعداً آخر برز في افتتاحيات الصحف التركية ومختلف مقالات الرأي والمواقف التي عبّر عنها صحافيون ومحللون ومواطنون أتراك عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

صحيفة "يني شفق" أخذت على عاتقها النبش في "سجلات ممارسات العار" الغربية في الدول التي استعمرتها سابقاً، معتبرة أنّ الدول الغربية بنت اقتصاداتها وثرواتها وإداراتها على أساس النهب والاستعباد والتعذيب والقمع والقهر، وهي إذ تنادي اليوم بالقيم الديموقراطية ضمن مستعمراتها وأراضيها، إلا أنها في الحقيقة لم تتوقف عن كونها "مجتمعاً عنصرياً، استعمارياً وفاشياً، تعود إليه أوروبا اليوم، وفي طليعتها هولندا لتظهر صورتها الفاشية". وهو ما روّجته أيضاً صحيفة "دايلي صباح"، التي اعتبرت أنّ "قناع أوروبا قد سقط، وأن تكتيكاتها المافياوية لضرب حرية التعبير والديموقراطية في تركيا باتت مكشوفة، بل إنها ترقى لمستوى الفضيحة الدبلوماسية التي جاءت لتؤكّد فشل الاتحاد الأوروبي الأخلاقي والسياسي"، في حين أن ما حصل في هولندا يعكس، وفقاً للصحيفة، "بداية نهاية الاتحاد الأوروبي، وحقيقة أن الدول الأوروبية فتحت نار جهنّم على نفسها".

موقع "ترك برس" ذهب بعيداً في  أن تركيز الحملة الأوروبية على تركيا هو تعبير عن "سُعار صليبي حاقد على تركيا، بلغ مرحلة من الجنون لدرجة تجعله يتدخل في شأنٍ من شؤون الجمهورية التركية، ليُعلن بكل وقاحة أنه ضد التعديلات الدستورية، ولتجتمع أوروبا على قلب واحد ضد الإسلام والمسلمين، كونهم لا يريدون لأي بلد إسلامي التحرر من تبعية الصهيوصليبية، وإقرار الدستور الجديد هو الخطوة الأولى نحو هذا الهدف، قبل العام 2023 عام النهضة الكُبرى في تاريخ تركيا الحديثة". أما وكالة "الأناضول" التركية فقد مننت الهولنديين بأفضال الدولة العثمانية عليهم من خلال نشرها لوثيقة تعود للعام 1916 تكشف منح الدولة العثمانية مساعدات مالية لكل شخص متضرر من الفيضانات الكبرى التي شهدتها هولندا في ذلك العام.

وقوف الإعلام والسياسة في خندق واحد لجهة التصدي للموقف الأوروبي ضدّ تركيا سيعطي دفعاً حاسماً لحشد الأصوات المؤيدة لاستفتاء الدستور الكبير المتوقع إجراؤه الشهر المقبل، والذي سيمنح الرئيس أردوغان، في حال إقراره، صلاحيات واسعة، يقول مراقبون إنها ستجعله الشخص الأقوى في تاريخ تركيا بعد أتاتورك. وعليه فإن توتّر العلاقات بين تركيا والجانب الأوروبي، سيُترجم أصواتاً مؤيدة لأردوغان في الاستفتاء. خصوصاً أن تصريحاته الأخيرة تعكس إدراكه لكيفية استغلال الأزمات والخلافات مع الخصوم في الداخل والخارج، جاعلاً منها أمراً يصبّ في صالحه، إلى جانب دور الإعلام الذي سانده في التصعيد ضدّ الأوروبيين الذين وصفهم بـ"داعمي الإرهاب"، في إشارة إلى دعمهم حركة غولن والأحزاب الكردية المناوئة لتركيا، والتسويق لفكرة أن "تركيا هي ضحية الغيرة والعنصرية الأوروبية"، وبأن أوروبا لم تحتمل حقيقة أن "تركيا في ظل حكم الرئيس رجب طيب أردوغان نجحت في أن تكون نجمة صاعدة في المنطقة الأوروبية والعربية، وأنها، على عكس الدول الأوروبية، أثبتت نجاحها في التصدي لكافة التحديات والمخاطر الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تواجهها، لا سيما أزمة اللاجئين، والتي أثبت الاتحاد الأوروبي فشله الأخلاقي والسياسي في التعاطي معها".

الهولنديون من جهتهم لهم أيضاً مصلحة من التصعيد مع تركيا، وفقاً للباحث السياسي الهولندي كاس مادل، الذي قال في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية إنّ تفسير الأزمة الهولندية التركية واضح جداً، فكلا البلدين يخوض حملات انتخابية يهيمن عليها أشخاص يعملون على إحياء سياسات الهوية الوطنية من الناحية التركية والعداء مع المهاجرين والمطالبة بوقف استقبالهم وترحيلهم كما هي الحال في هولندا.

كلام مادل يمكن أن ينسحب على معظم الدول الأوروبية لناحية أزمتها مع تركيا وسياسة الهجرة واللجوء، وغالبيتها تقف على عتبة استحقاقات داخلية في الفترة المقبلة، فأتت مواقفها من تركيا تعبيراً مشابهاً للحالة الهولندية. وبرز ذلك مؤخراً من خلال الحملات التي يشنّها الإعلام الألماني والسويسري لجعل الجاليات التركية تصوّت ضد الاستفتاء الذي طرحه أردوغان، والذي لا ينفك يهدد أوروبا ويبتزها بورقة اللاجئين والمهاجرين. كما تقوم وسائل الإعلام نفسها بتكرار التذكير بـ"ديكتاتورية أردوغان"، وبأن تركيا تحت حكمه، متهمة بمصادرة الحريات والتضييق على وسائل الإعلام واعتقال البرلمانيين والصحافيين والناشطين الأكراد وممارسة الحكم الشمولي، معتبرة أن ممارسته ستجنح إلى الأسوأ في حال إقرار التعديلات الدستورية لصالحه. وفي ذلك ما يشي بأن حملات التصعيد ستستمر إلى حين الانتهاء من الاستفتاء الدستوري التركي والانتخابات في هولندا وبعض الدول الأوروبية، حيث يخوض كل من الأطراف معركة مصيرية شرسة تخصّ المستقبل السياسي... للجميع في آن واحد. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها